تدرس إدارة ترمب فرض عقوبات على مسؤولين كبار وشركات صينية لمعاقبة بكين على احتجازها مئات الآلاف من عرق الإيغور وغيرهم من الأقليات المسلمة في معسكرات اعتقال كبيرة، وفقاً لمسؤولين أميركيين سابقين وحاليين. وستعلن وزارة الخزانة عن أي عقوبات أميركية جديدة بعد مشاورات على مستوى الحكومة، بما في ذلك المشاورات مع الكونغرس.
وتواجه أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ الصيني اعتقالات تعسفية بالإضافة إلى عملية "تلقين سياسي قسري" ضمن حملة أمنية واسعة النطاق، طبقا لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش.
التقرير الذي صدر الأحد 9 سبتمبر/ أيلول في 117 صفحة بعنوان "القضاء على الفيروسات الأيديولوجية: حملة الصين لقمع مسلمي سنجان"، قدم أدلة جديدة على الاعتقال التعسفي الجماعي على يد الحكومة الصينية، والتعذيب وسوء المعاملة والقيود المتزايدة على الحياة اليومية، في جميع أنحاء المنطقة.
تقرير من BBC News عن معاناة الإيغور
هذه العقوبات ستكون إجراء غير مسبوق من جانب ترمب
فهي المرة الأولى التي تتخذ فيها الإدارة الأميركية إجراء عقابيا ضد الصين بسبب حقوق الإنسان. ويسعى مسؤولو الولايات المتحدة أيضاً إلى الحد من المبيعات الأميركية لتكنولوجيا المراقبة التي تستخدمها وكالات وشركات أمن صينية لمراقبة الإيغور في جميع أنحاء شمال غرب الصين.
وتدور مناقشات منذ عدة أشهر بين المسؤولين في البيت الأبيض ووزارتي الخزانة والخارجية لبحث توبيخ الصين بسبب معاملتها لأقلياتها من المسلمين. لكنَّهم استعجلوا اتخاذ إجراءات سريعة منذ أسبوعين، بعد أن طلب أعضاء الكونغرس من وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخزانة ستيفن منوتشين فرض عقوبات على سبعة مسؤولين صينيين.
حتى الآن، عارض الرئيس ترمب معاقبة الصين بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، أو حتى اتهامها بانتهاكات واسعة النطاق. وفي حال موافقته، فإنَّ العقوبات ستشعل الأزمة المحتقنة بالفعل مع بكين بشأن التجارة والضغط على البرنامج النووي لكوريا الشمالية.
ربما لأنها أسوأ انتهاك جماعي لحقوق الإنسان في الصين منذ عقود
كانت معسكرات المسلمين الصينيين قد أثارت مجموعة من الانتقادات على المستوى الدولي وبعض التقارير الاستقصائية.
وقال مدافعون عن حقوق الإنسان وخبراء قانونيون إنَّ الاعتقالات الجماعية في إقليم سنجان الشمالي الغربي هي الأسوأ منذ عقود. ومنذ توليه السلطة عام 2012، قاد الرئيس شي جين بينغ الصين على مسار سُلطوي صعب، يشمل القمع المتزايد لجماعات عرقية كبيرة في غرب الصين، ولا سيما عرق الإيغور وسكان التبت، حسب تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.
وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش إنَّ الانتهاكات كانت "على نطاق وحجم لم تشهده الصين منذ الثورة الثقافية 1966-1976". وأوصى التقرير، بناءً على مقابلات مع 58 من سكان إقليم السنجان السابقين، بفرض الدول الأخرى عقوبات تستهدف المسؤولين الصينيين، وتحرمهم من التأشيرات، مع الحد من صادرات التقنيات التي يمكن استخدامها في الانتهاكات.
فهم يجبرون المسلمين بالمعسكرات على استنكار بعض جوانب الدين
يُحتجز المعتقلون في معسكرات التثقيف السياسي من دون أي حق من حقوق إجراءات التقاضي السليمة – ولا يُتهمون ولا يُحاكمون – ولا يُسمح لهم بمقابلة المحامين والعائلة.
ونقلت صحيفة Washington Post أن السلطات تجبر المسلمين الصينيين في المعسكرات على حضور الدروس اليومية، واستنكار بعض جوانب الإسلام، ودراسة الثقافة الصينية السائدة، والتعهد بالولاء للحزب الشيوعي الصيني. ووصف بعض المعتقلين الذين أُفرج عنهم ما تعرضوا له من تعذيب على يد ضباط الأمن.
يسمَّى المسؤولون الصينيون هذه العملية بأنَّها "تحويل عن طريق التثقيف" أو "تثقيف لمكافحة التطرف". لكنَّهم لم يعترفوا بأنَّ مجموعات كبيرة من المسلمين رهن الاعتقال.
تحظر السلطات على مسلمي الإيغور وغيرهم من المسلمين المحتجزين في المخيمات استخدام التحية الإسلامية، كما تفرض عليهم أن يتعلموا لغة الماندرين الصينية وأن يرددوا الأغاني الدعائية.
ولا يسمحون لهم باللجوء إلى القضاء أو الاستعانة بمحامين
نقلت هيومن رايتس ووتش عن رجل أمضى عدة أشهر في معسكرات التثقيف السياسي قوله: "سألت السلطات إذا كان بوسعي توكيل محام، فكان الردّ: لا، لا حاجة إلى محام لأنك لست مدانا. ليس هناك حاجة للدفاع عنك ضد أي شيء. أنت في مخيم تثقيفي سياسي – كل ما عليك فعله هو الدراسة".
أما خارج منشآت الاحتجاز هذه فقال التقرير إن السلطات الصينية في سنجان تُخضع المسلمين الترك لقيود غير عادية على الحياة الشخصية، حيث تحدّ من تحركاتهم بشكل تعسفي عبر العديد من نقاط التفتيش، وإخضاعهم لتلقين سياسي مستمر، يتضمن احتفالات إجبارية لرفع العَلم، واجتماعات سياسية أو رسمية، ومدارس ليلية لتعليم لغة الماندرين، مع مستويات غير مسبوقة من السيطرة على الممارسات الدينية في المنطقة.
تشجع السلطات الجيران على التجسس على بعضهم البعض، كما تستخدم السلطات أنظمة مراقبة جماعية عالية التقنية تستفيد من برامج الذكاء الاصطناعي وبرامج التجسس الهاتفية، والبيانات الضخمة.
عينت السلطات أكثر من مليون مسؤول وضابط شرطة لمراقبة الناس، عبر عدة وسائل من بينها برامج تطفلية يُكلف المراقبون فيها بالبقاء في منازل الناس بانتظام.
وترمب ليس معتادا على انتقاد الطغاة ومنتهكي حقوق الإنسان
تبرز المناقشات حول الاعتقالات الجماعية في السنجان الجهود الأميركية بشأن القضايا التي تختلف عن أولويات الرئيس. نادراً ما أدلى ترمب بتصريحات تنتقد الحكومات الأجنبية على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان أو تبني سياسات مناهضة لليبرالية، وفي الحقيقة أثنى على زعماء سُلطويين، بمن فيهم الزعيم الصيني شي جين بينغ.
تتنازع إدارة ترمب مع الصين بسبب القضايا الاقتصادية- إذ تخوض البلدان حرباً تجارية ممتدة. بيد أن إدارة ترمب لم تذكر الكثير بشأن التجاوزات المتفشية لقوات الأمن الصينية.
ونقلت The New York Times عن السيناتور ماركو روبيو، من الحزب الجمهوري عن ولاية فلوريدا، أن "حجمها كبير للغاية. لا يقتصر الأمر على ترهيب الناس من الحديث في السياسة، ولكن يشمل أيضاً الرغبة في تجريد الناس من هويتهم -الهوية العرقية والهوية الدينية- على نطاق لست واثقاً من أننا شاهدنا مثله في العصر الحديث".
لكن شهادات الضحايا جعلت الكونغرس يفكر في معاقبة الصين
عرق الإيغور هم مجموعة تتحدث اللغة التركية ومعظمهم من المسلمين السُنة. يبلغ عدد سكان الإيغور حوالي 11 مليون نسمة، ويمثلون أكبر مجموعة عرقية في سنجان. تتعرض بعض البلدات والقرى الصحراوية التي يعتبرونها وطنهم للإخلاء حيث يقوم ضباط الأمن بإجبار الكثيرين من الإيغور على دخول مراكز احتجاز كبيرة لأسابيع أو شهور.
وقالت غولتيشرا خوجا ، وهي صحفية من أصل إيغوري تعمل في إذاعة آسيا الحرة التي تمولها حكومة الولايات المتحدة، في جلسة استماع بالكونغرس في يوليو/ تموز، إنَّ قرابة 24 من أفراد عائلتها في إقليم سنجان مفقدوين بمن فيهم شقيقها.
وأضافت: "آمل وأدعو الله أن يُطلق سراح عائلتي. لكنَّني أعرف حتى لو حدث ذلك، سيظلون يعيشون تحت تهديدٍ مستمر".
تخيل أن تضبط ساعتك على التوقيت المحلي لمدينة أخرى ببلدك، فتلقي السلطات القبض عليك بتهم تتعلق بالإرهاب!
هذا ما تقول منظمة هيومن رايتس ووتش أن #الصين قد فعلته بحق رجل من أقلية #الإيغور، بعدما ضبط ساعته على توقيت أورومتشي بدلًا من توقيت بكين المعتمد بالبلاد.https://t.co/rXxfsDZTXS
— عربي بوست (@arabic_post) September 11, 2018
قام شون تشانغ، طالب قانون صيني في كندا، بتجميع صور التقطتها الأقمار الصناعية تُظهر حجم بعض مراكز الاعتقال.
وفي مطلبهم الشهر الماضي، حثَّ السيناتور روبيو وغيره من النواب المسؤولين في وزاراتي الخارجية والخزانة على فرض عقوبات على الشركات الصينية التي استفادت من بناء المعسكرات أو من نظام المراقبة على مستوى المنطقة، والذي يتضمن جمع بيانات الاستدلال البيولوجي والحمض النووي. وقد أشاروا تحديداً إلى شركتي Hikvision و Dahua Technology بشأن المراقبة.
وقال روبيو إنَّ لجنة الكونغرس واللجنة التنفيذية حول الصين، التي يرأسها، ستطلب أيضاً من وزارة التجارة منع الشركات الأميركية من بيع التكنولوجيا إلى الصين التي يمكن أن تسهم في المراقبة والتتبع.
والعقوبات ستبدأ بقائمة من سبعة مسئولين صينيين
تحدث المسؤولون الصينيون لسنوات عديدة عن الحاجة إلى قمع ما يسمونه الإرهاب، والنزعات الانفصالية والتطرف الديني في إقليم السنجان. في عام 2009، بدأ العنف العرقي يتصاعد في المنطقة. نفذت قوات الأمن قمعاً جماعياً رداً على ذلك، لكنَّ بناء المعسكرات على نطاق واسع، والتي تضم الآن ما يصل إلى مليون شخص، لم يبدأ حتى وصول تشين كوانجو، الذي أصبح أميناً عاماً للحزب الشيوعي في شينغيانغ في أغسطس 2016، بعد انتهاء مهمته في منطقة التبت ذاتية الحكم.
حدد طلب الكونغرس، الوارد في رسالة بتاريخ 28 أغسطس/ آب، السيد تشين من بين المسؤولين الصينيين السبعة الذين سيتم فرض عقوبات ضدهم.
لأن بعض المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن الصين تكرر ما وقع في ميانمار
ونقل تقرير الصحيقة الأمريكية عن هؤلاء المسؤولين أن الصين تمارس شكلا من أشكال الإبادة الجماعية التي وقعت في ميانمار، وفقاً لأشخاص مطلعين على المناقشات المستمرة، تحدثوا لصحيفة The New York Times بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأنَّهم غير مسموح لهم بالتحدث علناً حول القضية.
وقالوا إنَّ السفير سام براونباك، مسؤول شؤون الحريات الدينية الدولية بوزارة الخارجية الأميركية وحاكم كنساس السابق، يؤيد اتخاذ موقف صارم ضد الحكومة الصينية بشأن قضية السنجان. ورفض براونباك إجراء مقابلة للحديث في هذا الأمر. ولم تتخذ واشنطن إجراءات عقابية بحق المسؤولين في ميانمار، باستثناء أربعة ضباط ووحدتين عسكريتين من ميانمار اتهمتهم بارتكاب "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان".
وفي إبريل/ نيسان، صرحت لورا ستون، وهي نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، للصحفيين في زيارة إلى بكين أنَّ الولايات المتحدة تستطيع فرض عقوبات على المسؤولين الصينيين المتورطين في انتهاكات السنجان بموجب قانون جلوبال ماغنيتسكي. يسمح القانون للحكومة الأميركية بفرض عقوبات على بعض المسؤولين الأجانب الذين ينتهكون حقوق الإنسان على نحوٍ فظ.
استخدمت إدارة ترمب أمراً تنفيذياً مرتبطاً بقانون ماغنيتسكي ذات مرة لفرض عقوبات على مسؤول صيني. وفي ديسمبر/ كانون الأول، أعلن البيت الأبيض فرض عقوبات على غاو يان، الذي كان رئيساً لشرطة إحدى المناطق في بكين عندما توفي ناشط حقوقي في الحجز.