بعد تعرض قريته في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا للقصف في الأيام الأخيرة، اختار أبو خالد (68 عاماً) وعائلته النزوح إلى مكان قريب من نقطة مراقبة تركية، في محاولة للاحتماء من هجوم وشيك لقوات النظام السوري على المنطقة.
ومع إرسال دمشق منذ أسابيع تعزيزات متواصلة إلى محيط إدلب، وتصاعد وتيرة قصفها في الأيام الأخيرة بمشاركة طائرات روسية، يستعد المدنيون والطواقم الطبية للأسوأ، في وقت تحذر منظمات دولية من أزمة إنسانية غير مسبوقة منذ اندلاع النزاع في سوريا.
وسط أرض جرداء، شيد أبو خالد، خيمة مصنوعة من الشراشف الملونة المثبتة على قساطل حديدية على غرار ما فعلت عائلات أخرى وصلت حديثاً إلى منطقة الصرمان في الريف الجنوبي الشرقي لإدلب. ويتناوب الأطفال على اللهو بأرجوحة وسط خيمة خالية إلا من بساط على الأرض بينما تتوقف شاحنة صغيرة محملة بالفرش والحاجيات على مقربة منها.
ويقول أبو خالد النازح مع عائلته وأقاربه من قرية سرجة المجاورة لوكالة الأنباء الفرنسية، وهو يرتدي عباءة ويضع كوفية حمراء وبيضاء على رأسه "كنا على بعد نحو كيلومتر ونصف من النقطة التركية وبتنا نتعرض للقصف".
ويضيف: "بعدها، نزحنا من القرية ووصلنا إلى جانب النقطة التركية من أجل حمايتنا".
وتعد إدلب الحدودية مع تركيا، آخر منطقة يسري فيها اتفاق خفض التصعيد، الذي تم التوصل إليه العام الماضي برعاية روسيا وإيران حليفتي دمشق وتركيا الداعمة للمعارضة. وتنتشر بموجب الاتفاق قوات تركية في عشرات نقاط المراقبة في المحافظة بشكل رئيسي.
ويعتقد أبو خالد أن وجود القوات التركية سيحميه وعائلته في حال بدأ الهجوم على إدلب. ويوضح بينما تحرك سيدة محتويات قدر وضعته على موقد تشتعل النيران فيه بقوة "لا مكان لدينا نختبئ فيه في القرية إذا استمر القصف، لذلك سنبقى هنا بجانب النقطة التركية".
وقرب أبو خالد، يلهو أطفال حفاة قرب قطيع من الخراف بينما تجلس مجموعة من الرجال على الأرض وهم يحتسون الشاي.
ومع تردد دوي القصف في المنطقة، يقول أبو خالد "إذا طال القصف النقطة التركية وانسحب الجيش التركي سنمشي أمامه أو وراءه".
خطة طوارئ واستعدادات لاستقبال النازحين
ويتعرض ريف إدلب الجنوبي الشرقي لقصف مدفعي متكرر من قوات النظام في الأيام الأخيرة. كما بدأت الطائرات الروسية الثلاثاء بعد توقف استمر 22 يوماً تنفيذ غارات على المنطقة، الأمر الذي يفاقم مخاوف المدنيين. ولطالما أبدت دمشق تصميمها على استعادة كافة المناطق الخارجة عن سيطرتها.
وتحذر الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية من "كارثة" إنسانية غير مسبوقة منذ اندلاع النزاع في حال شن هجوم واسع على المحافظة الحدودية مع تركيا، من شأنه أن يؤدي إلى نزوح قرابة 800 ألف شخص من إجمالي نحو 3 ملايين نسمة يقيمون في المحافظة وفي جيوب مجاورة لها تحت سيطرة الفصائل.
في قرية ميزناز في ريف حلب الغربي المجاور لإدلب، يستعد العاملون في مركز استقبال مؤقت تزدحم فيه الخيم لتدفق موجات من النازحين في حال بدأ التصعيد. وفي إحدى الخيم، وضعت فرش مع حصائر فوق بعضها البعض.
ويقول معاون مدير المخيم يوسف نور لوكالة الأنباء الفرنسية: "أعددنا خطة تحسباً لأي نزوح طارئ نتيجة أي هجوم لقوات النظام تتضمن صيانة الخيام وتأمين المأوى والمأكل لإخواننا النازحين (..) كما وضعنا خطة إخلاء للمركز في حالة الطوارئ القصوى".
داخل المخيم، تصطف عشرات الخيم المصنوعة من قماش متين تحت أشعة شمس حارقة. وتفترش قلة من الرجال الأرض قربها.
ويؤوي المخيم راهناً 700 نازح من مناطق عدة في سوريا. ويستطيع المركز وفق نور استقبال عدد إضافي "يتراوح بين 1800 إلى ألفي شخص".
وسبق للموفد الدولي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا أن حذر قبل أيام من "حمام دم" جديد في سوريا التي تشهد نزاعاً دامياً منذ العام 2011 تسبب بمقتل أكثر من 350 ألف شخص ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
نقص في المستشفيات
وتستعد الطواقم الطبية بدورها لتداعيات أي تصعيد عسكري في المنطقة.
ويشير الدكتور مصطفى العيد، نائب رئيس مديرية الصحة في إدلب، إلى أن "كل منطقة (في المحافظة) لها خطة خاصة" مضيفاً "سنجمع لاحقاً هذه الخطط في إطار خطة طوارئ شاملة".
وتنسق منظومة الإسعاف التابعة للمديرية وتضم 50 سيارة إسعاف، مع منظمات إنسانية أخرى بينها الخوذ البيضاء، الدفاع المدني في مناطق سيطرة الفصائل.
وتعاني المرافق الطبية في إدلب، وفق نور، من "نقص كبير في الأدوية ومواد التخدير والأدوية المضادة للكيماوي والأقنعة" موضحاً أنهم بصدد إعداد قوائم بالإمدادات المطلوبة "لمشاركتها مع المنظمات الشريكة".
ويبدي المدنيون والطواقم الطبية خشيتهم من حدوث هجوم كيميائي، في وقت لا يزال الهجوم على مدينة خان شيخون في إدلب العام الماضي، والذي أودى بحياة أكثر من ثمانين مدنياً، حاضراً في أذهانهم.
وإثر هذا الهجوم، خضعت الطواقم الطبية العاملة في 16 مستشفى غالبيتها في إدلب لتدريبات متخصصة مع منظمة الصحة العالمية في تركيا، وفق ما يشرح نور.
ولكن رغم ذلك، من شأن أي تصعيد عسكري أن يشل عمل المرافق الطبية في محافظة إدلب التي شهدت في النصف الأول من العام الحالي "38 اعتداءً" على منشآتها الصحية، وفق الأمم المتحدة.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن "أقل من نصف المنشآت الصحية العامة التي كانت موجودة سابقاً لا تزال تعمل حالياً في المناطق التي قد تشهد قريباً ارتفاعاً في أعمال العنف".
ويبدو خيار تحصين المرافق الطبية "صعباً" خصوصاً مع الاعتماد على سلاح الطيران في الهجوم.
ويقول نور: "لا يوجد تحصين مع الآلة العسكرية الروسية".