بعد شهور من تقليص الدعم المالي المقدم إلى وكالة الأمم المتحدة التي توفر المساعدات الإنسانية لأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني، قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقف التمويل نهائيا، بحسب ما نقلته مجلة Foreign Policy الأميركية عن مصادر متعددة.
وذكر محللون أن القرار سيزيد من حجم المتاعب وربما الاضطرابات في قطاع غزة والضفة الغربية وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط.
وذكرت المصادر أن القرار تم اتخاذه خلال اجتماع عُقد في وقت سابق من هذا الشهر بين مستشار الرئيس دونالد ترمب وزوج ابنته جاريد كوشنر ووزير الخارجية مايك بومبيو. وقد أبلغت الإدارة الأميركية الحكومات الإقليمية الرئيسية بشأن خطتها خلال الأسابيع الأخيرة.
كانت الولايات المتحدة تقدم إلى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" نحو 350 مليون دولار سنوياً، أي أكثر مما تقدمه أي دولة أخرى. ويمثل ذلك المبلغ أكثر من ربع الموازنة السنوية للوكالة التي تبلغ 1.2 مليار دولار.
لا يمكن التنبؤ بتبعات القرار
وذكر ديف هاردن، المسؤول السابق بالوكالة الأميركية للتنمية الدولية الذي اطلع على محضر الاجتماع بين كوشنر وبومبيو، أن القرار يمكن أن يؤدي إلى المخاطرة بانهيار السلطة الفلسطينية وتمكين حركة حماس ونقل المسؤولية عن الصحة والتعليم والأجهزة الأمنية في النهاية إلى إسرائيل.
"القرار خطير وله تبعات لا يمكن التنبؤ بها".
رفض الناطق باسم وزارة الخارجية التعليق على الاجتماع، لكنه ذكر أن "السياسة الأميركية إزاء الأونروا تخضع للتقييم والمناقشات الداخلية".
وقد أكد القرار نفوذ كوشنر ونيكي هيلي، السفيرة الأميركية بالأمم المتحدة، اللذين تغلبا على مقاومة واعتراض البنتاغون والاستخبارات الأميركية ووزارة الخارجية بقيادة وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون على قطع المساعدات. ويخشى المعترضون على تخفيض المساعدات بشكل حاد من أن يؤدي تراجع الولايات المتحدة إلى زعزعة استقرار المنطقة.
ويرى كوشنر أن المساعدات المقدمة إلى الأونروا قد أدت إلى خلق ثقافة الاعتماد على الغير بين الفلسطينيين، وأنها تساعد على الحفاظ على الطموحات غير الواقعية بالعودة يوماً ما إلى منازلهم التي هجروها خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948.
ما الذي تراهن عليه واشنطن؟
ويراهن كوشنر وهيلي على أن الضغوط المالية ستجبر الفلسطينيين على استئناف المفاوضات مع الفريق الأميركي المعنيّ بالسلام في الشرق الأوسط، والتي قام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بوقفها بعد قرار ترمب خلال العام الماضي نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس.
ويعتقد كلاهما أيضاً أن الضغوط ستجبر البلدان الأخرى، خاصة الممالك العربية الثرية بالخليج العربي، على زيادة دعمها المالي المقدم إلى وكالة الأونروا.
وقد أعلن مسؤولون في الأسبوع الماضي أن الإدارة الأميركية أيضاً تنوي خفض أنماط المساعدات الأخرى المقدمة إلى الفلسطينيين، بما في ذلك مبلغ 200 مليون دولار المقدمة إلى الهيئات الخيرية الأميركية التي تمنح الفلسطينيين ذوي الحاجة في غزة والضفة الغربية المساعدات الطبية والخدمات الإنسانية الأخرى. وسيتم إعادة توجيه ذلك التمويل إلى المناطق التي تعاني الأزمات الإنسانية الأخرى.
وذكر آندي دونش، مدير بعثة مؤسسة مسيري كوربس إلى فلسطين، في بيان أصدره يوم الاثنين: "قرار الإدارة الأميركية سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة". وتعد مؤسسة ميرسي كوربس واحدة من المؤسسات الخيرية التي ستفقد التمويل نتيجة إعلان الأسبوع الماضي.
وأكد دونش أن "القرار غير المعقول بتعليق المساعدات يتعارض مع القيم الأميركية ويقوض أهداف الولايات المتحدة في إقليم سلمي وآمن ويتسم بالرخاء".
وقد أيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطة خفض التمويل الأميركي؛ ومع ذلك حذر مسؤولون عسكريون أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي خلال عطلة نهاية الأسبوع من أن وقف أنشطة وكالة الأونروا في غزة يمكن أن يخلق فراغاً تستغله حركة حماس، بحسب صحيفة هآرتس.
وذكر بيتر ليرنر، الكولونيل الإسرائيلي المتقاعد الذي عمل متحدثاً باسم الجيش الإسرائيلي لسنوات، أنه يشعر بالقلق جراء تقرير يقول إن البيت الأبيض يدرس تقليص أنشطة الأونروا في الضفة الغربية، حيث تتعاون قوات الأمن الإسرائيلية والفلسطينية معاً لمنع الاعتداءات على الإسرائيليين.
وقال: "الأونروا تُبعد الناس عن الشوارع وتوظفهم وتوفر الخدمات الاجتماعية".
ضربة للأردن
ويعد ذلك التطور أيضاً بمثابة ضربة للأردن، وهي الحليف الأميركي الرئيسي الذي يستضيف نحو 2.9 مليون لاجئ، من بينهم 600 ألف من السوريين النازحين من بلادهم جراء الحرب.
واقترح كوشنر إعادة توجيه أموال الأونروا إلى الحكومة الأردنية للمساعدة على تحمل تكلفة تقديم خدمات الرعاية إلى الفلسطينيين لديها إذا ما وافقت عمّان على منحهم الجنسية الأردنية وقبلت حقيقة عدم منحهم حق العودة إلى إسرائيل. ورفضت الأردن ذلك المقترح.
والتقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الأسبوع الماضي ببومبيو وجيسون جرينبلات، مبعوث البيت الأبيض الخاص بالسلام في الشرق الأوسط، للمطالبة باستمرار تمويل وكالة الأونروا.
وفي أعقاب الاجتماع، ذكر الصفدي على موقع تويتر أنه أكد ضرورة دعم الأونروا والتبعات الخطيرة التي تنجم عن الإخفاق في سد العجز الذي تعاني منه وكالة الأونروا.
يذكر أن وكالة الأونروا تأسست عام 1949 لتقديم الغوث والحماية إلى أكثر من 700 ألف فلسطيني نازح من إسرائيل الحالية خلال الحرب العربية الإسرائيلية. ومع ذلك، تواجه وكالة الغوث، التي تتولى حالياً إدارة المدارس وتقدم الخدمات الصحية وغيرها من الخدمات الاجتماعية إلى أكثر من 5 ملايين لاجئ في غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا، انتقادات متزايدة من جانب إسرائيل والبيت الأبيض والمشرعين الموالين لإسرائيل.
وفي يناير/كانون الثاني، ألغت الولايات المتحدة دفعتها الأولى إلى وكالة الأونروا والبالغة 125 مليون دولار، ما أدى إلى حصول المنظمة على 60 مليون دولار فقط. وفي ذلك الوقت، تركت وزارة الخارجية الباب مفتوحاً أمام إمكانية عودة الولايات المتحدة لتمويل الأونروا. وذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هيذر نويرت في ذلك الحين أن قرار منع التمويل يستهدف تشجيع الإصلاحات داخل الأونروا وممارسة الضغوط على البلدان الأخرى لتغطية الجزء الأكبر من موازنة الوكالة.
ونقلت مجلة Foreign Policy عن بيير كراهنبول، المفوض العام للأونروا قوله في الأسبوع الماضي إن وكالته جمعت أكثر من 238 مليون دولار من البلدان الأخرى، بما في ذلك بلدان الخليج الغنية، في محاولة لسد العجز في الموازنة. ومع ذلك، تواجه الوكالة عجزاً يتجاوز 200 مليون دولار.
وقال: "إنها مرحلة غير مستقرة للغاية بالنسبة لنا".