اتهم كبير الأساقفة كارلو ماريا فيجانو، البابا فرنسيس، بأنه كان على علم بمزاعم انتهاكات جنسية، ارتكبها كاردينال أميركي بارز على مدى سنوات، ودعا فيجانو فرنسيس للاستقالة، في هجوم لم يسبق له مثيل على البابا من داخل الكنيسة.
وفي رسالة مؤلفة من 11 صفحة تم تسليمها للمنابر الإعلامية الكاثوليكية المحافظة، خلال زيارة البابا لأيرلندا، اتهم فيجانو -وهو مسؤول كبير سابق بالفاتيكان- قائمة طويلة من مسؤولي الفاتيكان، والكنيسة الأميركية الحاليين والسابقين، بالتستر على قضية الكاردينال تيودور مكاريك الذي استقال الشهر الماضي.
وفي لغة حادة لافتة للنظر، قال فيجانو إن حالات التستر التي أشار إليها في الكنيسة، تجعل الأمر وكأنه "مؤامرة صمت لا تختلف كثيراً عمّا يسود من مؤامرات للمافيا".
"البابا لديه علم"
وكتب فيجانو، الذي انتقد البابا قبل ذلك، قائلاً: "دعا البابا فرنسيس مراراً للشفافية المطلقة في الكنيسة. في هذه اللحظة بالغة المأساوية بالنسبة للكنيسة العالمية، عليه الاعتراف بأخطائه، وتمشياً مع المبدأ المعلن بعدم التسامح (مع مثل هذه الأخطاء)، يجب أن يكون البابا فرنسيس أول من يضرب مثلاً جيداً للكرادلة والأساقفة الذين تستروا على انتهاكات مكاريك وأن يستقيل معهم كلهم".
ورفض مسؤولو الفاتيكان التعليق على الرسالة، اليوم الأحد 26 أغسطس/آب 2018، وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز.
وقال فيجانو إنه أبلغ البابا في عام 2013 بالاتهامات التي يواجهها مكاريك، بعد وقت قصير من انتخابه بابا للفاتيكان. واتهم فيجانو الكاردينال دونالد ويرل خليفة مكاريك في منصب أسقف واشنطن بأنه على علم بالانتهاكات وهو ما نفاه ويرل.
وأصبح مكاريك أول كاردينال، فيما تعيه الذاكرة يستقيل من المناصب العليا في الكنيسة، بعد مراجعة توصلت إلى أن المزاعم بأنه انتهك جنسياً فتى يبلغ من العمر 16 عاماً ذات مصداقية.
وهو يعد من أرفع كبار مسؤولي الكنيسة الذين وجهت إليهم اتهامات بارتكاب انتهاكات جنسية، في فضيحة هزَّت الكنيسة الكاثوليكية، التي يبلغ عدد أتباعها 1.2 مليار مسيحي، منذ تقارير نشرتها صحيفة The Boston Globe في عام 2002 لأول مرة، عن انتهاكات ارتكبها قساوسة في حق أطفال وتستر أساقفة عليهم.
ومنذ ذلك الوقت ظهرت تقارير عن أطفال تعرّضوا لانتهاكات في الولايات المتحدة وأوروبا وتشيلي وأستراليا.
وطلب البابا فرنسيس، اليوم الأحد، المغفرة عن "الفضائح والخيانة" التي شعر بها ضحايا الاستغلال الجنسي من قبل رجال دين كاثوليك، خلال زيارة مشحونة بدرجة كبيرة لأيرلندا.
وندّد البابا، أمس السبت، بالفساد والتستر داخل الكنيسة، ووصف ذلك بفضلات الإنسان، وأضاف: "لا أحد منا يمكنه ألا يتأثر بقصص القاصرين الذين عانوا من تجاوزات وسرقت منهم طفولتهم وتركوا لجراح الذكريات المؤلمة".
البابا يلتقي ضحايا
والتقى البابا فرنسيس بعد ظهر أمس ولمدة ساعة ونصف الساعة، ثمانية أيرلنديين من ضحايا اعتداءات ارتكبها كهنة ورجال دين وأشخاص آخرون في مؤسسات كاثوليكية.
ومن بين هؤلاء "الناجين"، بول جود ريدموند وغلودا آيلين مالوني اللذان تم تبنّيهما بطريقة غير قانونية، بعدما انتزعا من والدتيهما غير المتزوجتين، بتواطؤ من مؤسسات كاثوليكية.
وقال ريدموند ومالوني في بيان مشترك، إن "البابا طلب منا الصفح عما حدث في هذه المنازل"، وأكدا أنهما تأثرا بهذا "اللقاء القوي".
وطلب ريدموند من البابا أن تقدِّم الراهباتُ اللواتي تواطأن في عمليات التبني القسرية هذه اعتذاراتهن، موضحاً أن البابا دان بعبارات شديدة "الفساد وتستر الكنيسة على الوقائع".
وتحدث البابا أيضاً إلى أحد ضحايا الكاهن الكاثوليكي توني والش، الذي ارتكب تجاوزات جنسية ضد أطفال لعقدين قبل أن يكشف ويسجن.
وقال أيضاً: "لا يمكنني سوى الاعتراف بالفضيحة الخطيرة التي نجمت في أيرلندا عن الاعتداءات الجنسية ضد القاصرين من قبل أعضاء الكنيسة المكلفين بحمايتهم وتعليمهم".
ليسوا راضين
وسبب هذا الموقف خيبة أمل لدى المعلقين وبعض الضحايا، الذين كانوا ينتظرون تصريحات أقوى.
وقال أحد الناجين مارك فينسنت هيلي، في مؤتمر صحافي نظمه مساء أمس السبت، إن هذا اليوم "كان فرصة ضائعة". وتساءل الرجل الذي يمثل منظمة "إنهاء تجاوزات رجال الدين" في مؤتمره الصحافي: "متى سيتحرك؟".
كما عبّر عن خيبة أمله؛ لأن رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فارادكار منع البابا من نشر وثائق التبليغ عن الذين يشتبه بأنهم تورطوا في هذه التجاوزات، التي أرسلت إلى الفاتيكان.
وانتقدت مايفي لويس مديرة جمعية "واحد من أربعة" (وان إن فور) التي تقدم المساعدة للضحايا، التصريحات غير الحازمة للبابا. واعتبرت أن الوقت حان لتجبر الكنيسة الكهنة على إبلاغ القضاء المدني. وقالت: "إنها لحظة حاسمة في حبرية فرنسيس".
وكان رئيس الوزراء الأيرلندي طلب السبت استخدام "موقعه" و"نفوذه" لإحقاق "العدل" لضحايا الاعتداءات الجنسية لرجال الدين في أيرلندا والعالم بأسره. وقال: "علينا الآن العمل على أن تلي الأقوال أفعال".