أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب ، في 6 أغسطس/آب 2018، أمراً تنفيذياً بإعادة فرض المرحلة الأولى من العقوبات على إيران المتعلقة البرنامج النووي ، والتي بموجبها تحظر الحكومة الأميركية إيران من الحصول على العملة الأميركية، وتمنع كذلك الشركات والأفراد الأميركيين من المتاجرة في الذهب، أو غيره من المعادن النفيسة، أو الغرافيت، أو الألومنيوم، أو الصلب، أو الفحم مع إيران.
وقد بدأ الاقتصاد الإيراني يعاني فعلاً، وانطلقت الاحتجاجات، وذكر تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، أنه في حال أصبحت إيران دولة فاشلة، سينتج عن ذلك سلسلة من الدول الفاشلة من أفغانستان وحتى لبنان؛ ما سيَضُرّ باستقرار المنطقة برُمَّتها.
ضربة "قاسية" لاقتصاد إيران وعملتها الوطنية
وحسب تقرير الموقع البريطاني، فإن الولايات المتحدة ستمنع أيضاً إيران من المشاركة في أي نشاط دولي مُتعلِّق بقطاع السيارات خاصتها، وهو ثاني أكبر قطاع اقتصادي في إيران بعد النفط والغاز. أما الموجة الثانية من العقوبات، فستدخل حيز النفاذ في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وستستهدف أكبر مصدر دخل لإيران، أي صادراتها من النفط، إضافة إلى نظامها المصرفي.
كانت العقوبات الأميركية بمثابة ضربة قوية لاقتصاد إيران وعملتها الوطنية؛ إذ أصبح الريال الإيراني في حالة سقوط حر، واندلعت احتجاجات في عدة مدنٍ الأسبوع الماضي. وفي 31 يوليو/تموز 2018، قال وزير العمل الإيراني علي الربيعي: "يمكن أن تتسبب العقوبات الأميركية في فقدان مليون وظيفة بإيران". وأُقيل الربيعي من منصبه في 8 أغسطس/آب 2018، عقب خسارته تصويتاً في البرلمان لحجب الثقة عنه.
وتكافح الطبقة العاملة في إيران لتجاوز المصاعب؛ إذ أوضح بحثٌ أجراه البرلمان أنَّه في حين يعيش 33% من الشعب الإيراني تحت خط الفقر، فإنَّ كل زيادة بنسبة 10% في سعر الصرف وما يصاحبها من انخفاض في قيمة الريال تزيد معدل التضخم بنسبة 2% في إيران.
وشهدت الأشهر الأربعة الأخيرة ارتفاع قيمة الدولار بنسبة 200%. وإذا كانت نتائج بحث البرلمان صحيحة، مع ثبات العوامل الأخرى كافة، فإنَّ هذا يضع معدل التضخم على مدار هذه الأشهر الأربعة عند مستوى 40%.
وهو ما أسهم في اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء ببلد يعاني الفساد
وبحسب بعض التقارير، ارتفعت أسعار العقارات هذا الربيع بنسبة 42% في سوق طهران المتقلب، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي (2017). وفي هذا السياق، تصبح الاحتجاجات الغاضبة، المستمرة منذ ديسمبر/كانون الأول 2017، مفهومة. وما يزيد من المآسي الاقتصادية سوءاً الفساد الذي تعانيه إيران؛ إذ يُراكِم البعض ثروات من خلال الزبونية والمحاباة والمحسوبية، و"أنشطة تحصيل الريع"، والرِّشا، وإساءة استغلال القطاع العام. `
وفي ظل غياب الإرادة لمحاربة الفساد وعدم المساواة بين جميع الرؤساء الذين تناوبوا على إيران منذ تعيين آية الله خامنئي مرشداً أعلى للبلاد في 1989، اتسعت الفجوة بين الفقراء والأثرياء. وعلى وجه التحديد، نقلت الزيادة في عوائد النفط بالعقد الأول من الألفية الجديدة، ثُمَّ ارتفاع صادرات النفط الإيراني في الدولة ذات الاقتصاد الريعي تحت حكم الرئيس حسن روحاني بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015، الفساد إلى مستويات جديدة صاعقة.
وهو ما جعل الإيرانيين يخرجون للاحتجاج لأول مرة منذ 23 عاماً
بالتزامن مع كل ذلك، يُنظِّم الفقراء والطبقة المتوسطة الدنيا معاً -للمرة الأولى منذ عام 1995- احتجاجات في الشوارع، تتسم أحياناً بالعنف وتهيمن المطالب الاقتصادية عليها. في عام 1995، اندلعت أعمال شغب حين وصل معدل التضخم إلى 50% خلال حكم الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني من جراء تبنّيه سياسات التحرر الاقتصادي.
وتدفق إلى الشوارع الآلاف ممن يعيشون في حي إسلام شهر الفقير بضواحي العاصمة طهران. ثُمَّ تحرَّك مثيرو الشغب باتجاه العاصمة، لكن تصدَّت لهم قوات الحرس الثوري الإيراني وفرَّقتهم.
وفي الانتفاضات الجماعية التي حدثت في عامي 1999 و2009، والتي قادتها الطبقة المتوسطة والمتوسطة العليا من سكان المدن، كانت مطالب المتظاهرين كافة ذات طبيعية مدنية؛ إذ نادوا بالحريات الاجتماعية، وحرية التعبير، ووقف فرض القواعد الإسلامية الصارمة.
ولم ترتفع أصواتهم بأية مطالب اقتصادية. لم تكن المطالب مسألة حياة أو موت. أما بالنسبة للجوعى الآن، فهي كذلك. وهذا ما يجعل تحرك الجوعى مهماً وخطيراً، وربما يكون قادراً على هز المجتمع والسياسة في إيران.
ورغم تشبُّث الأوروبيين بالاتفاق النووي فإن الأزمة تتفاقم
تسعى الحكومات الأوروبية بكدٍّ للحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني قائماً، وموازنة تأثير العقوبات الأميركية على طهران. وفي سبيل ذلك، فعَّلت وحدَّثت "قانون الحجب" لعام 1996، الذي يحمي الشركات الأوروبية ويمنعها من الامتثال لعقوبات واشنطن. ومع ذلك، هناك 3 مشكلات جدية تلوح في الأفق:
أولاً، المصارف في العموم ليست مستعدة للعمل مع إيران؛ لأنَّها لا ترغب في المخاطرة بمنعها عن العمل في أسواق المال الأميركية وفقدان القدرة في النهاية على التعامل بالدولار الأميركي. وحتى خطة الاتحاد الأوروبي بدفع ذراعه المالية للمساعدة في استمرار ضخ الأموال لطهران يَثبُت فشلها. وفي هذا الصدد، يقول رئيس بنك الاستثمار الأوروبي فيرنر هوير: "لا يوجد بنك أوروبي قادر حالياً على التعامل تجارياً مع إيران وداخلها".
ونظراً إلى أنَّ البنوك ترفض العمل مع إيران، ستصبح التحويلات الأجنبية إلى الدولة غاية في الصعوبة.
ثانياً، يتفاقم نقص العملة الأجنبية (وتحديداً الدولار) في الأسواق من جرَّاء اكتناز الطبقتين المتوسطة والثرية الدولارات للحفاظ على قيمة أملاكهم؛ تحسباً لأي هبوط إضافي في قيمة الريال.
ثالثاً، ستتأثر بالتأكيد صادرات إيران من النفط مع اقتراب موعد سريان المرحلة الثانية من العقوبات في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018. وهذا يعني انخفاضاً في العوائد بالعملة الأجنبية، وارتفاع سعر الصرف، ومزيداً من الهبوط في سعر الريال. وسيؤدي تجمُّع تلك العوامل -على الأرجح- إلى موجة من التضخم؛ ومن ثم إلى تصاعد نطاق الاحتجاجات وحِدَّتها.
هل يؤدي هذا الوضع إلى إسقاط النظام؟
بالنسبة لتقرير الموقع البريطاني، فإنه -على الأغلب- لن يحدث هذا، نتيجة غياب أي بديل للسيطرة على السلطة والبقاء بها. ومع ذلك، يُحتَمَل أن تحتد أعمال الشغب وتنزلق البلاد إلى الفوضى. وهذا هو الهدف الذي تطمح إليه الإدارة الأميركية إذا لم تتمكَّن من تغيير النظام، غير أنَّ الولايات المتحدة قد لا ترغب في مواجهة العواقب المروعة التي ستنشأ عن زعزعة استقرار إيران.
ولهذه الأسباب ليس من مصلحة أحد أن يحدث ذلك
ففي حال أصبحت إيران دولة فاشلة، سينتج عن ذلك سلسلة من الدول الفاشلة من أفغانستان وحتى لبنان؛ ما سيَضُرّ باستقرار المنطقة برُمَّتها. إذاً، ما هي القوة التي ستمنع تحوُّل تلك المنطقة -التي تضم إيران الآن وفق هذا السيناريو- إلى بؤرة للمنظمات الإرهابية الإقليمية والدولية؟
وستصبح إيران ملاذاً جديداً للجريمة المنظَّمة، وتحديداً ستصبح طريقاً بارزاً لتهريب المخدرات بين أفغانستان والغرب، إلى جانب كونها مركزاً لإنتاج المخدرات. وستطول الحرب الأهلية والفوضى الدول المجاورة لإيران، وضمنها العراق، وستُحدِث اضطرابات فيها.
وبمجرد أن تَعلَق إيران والعراق في الاضطرابات الداخلية وتتوقف صادراتهما النفطية، ستصعد أسعار النفط بسرعة الصاروخ، على نحوٍ لا يمكن التنبؤ به ولفترة طويلة.
بل إن ذلك سيؤثر أيضاً على الولايات المتحدة
وقد استعرض خبير اقتصاد الطاقة جيمس هاملتون 4 أحداث مختلفة تسبَّبت في اضطراب إمدادات النفط. وبتسلسل زمني عكسي، هذه الأحداث هي: حرب الخليج الأولى، والحرب العراقية-الإيرانية التي بدأت عام 1980، والثورة الإيرانية عام 1978، وحظر منظمة أوبك للنفط عام 1973.
ومن خلال بحثه، وجد هاملتون أنَّ كلاً من هذه الأحداث أعقبه ركود شديد وطويل المدى في الولايات المتحدة. وخلُص كذلك إلى أنَّ "هذه الأحداث في أوج تسبُّبها لاضطرابات (حركة النفط) تسبَّبت في اقتطاع 4-7% من صافي إنتاج العالم، وارتبطت بزيادةٍ قدرها 25-70% في أسعار النفط".
تتصرف الحكومة الأميركية كطفلٍ طائش ينكز عش الدبابير بعصا. وحين تبدأ هذه الدبابير بالخروج من عشها، لن يكون الوضع لطيفاً لأي أحد.
إلا أن دونالد ترمب مُصرٌّ على تطبيق "العقوبات" على طهران
إذ أشارت صحيفة Washington Post الأميركية إلى أن إدارة ترمب شكَّلت "فريقاً جديداً من نخبة المتخصصين بالشؤون الخارجية" بقيادة وزارة الخارجية، يهدف إلى تنسيق سياسات الضغط ضد إيران، وتنسيقها عبر الحكومة الأميركية ومع الدول الأخرى.
وأعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يوم الخميس 16 أغسطس/آب 2018، أن بريان هوك، وهو المدير الحالي للتخطيط السياسي في الوزارة، سيتولى دفة الفريق بصفته "ممثل الإدارة الخاص لشؤون إيران".
وقال هوك في تصريحات للصحفيين: "إن هدفنا هو تقليص واردات النفط لكل الدول من إيران إلى الصفر بحلول 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2018. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة تأمل الامتثال الكامل من جانب جميع الدول، على أساس عدم المخاطرة بالتعرُّض للعقوبات الثانوية للولايات المتحدة إذا ما استمرت تلك المعاملات".
وأرسل دبلوماسيين وماليين لإقناع معارضي العقوبات
أشار عدد كبير من مشتري النفط والغاز الإيرانيَّين، وضمنهم الصين وتركيا، إلى أنهم لن يلتزموا بعقوبات الطاقة، في حين اعترض آخرون أو طلبوا إعفاءً مِمَّا وصفه البعض بأنه جهودٌ أميركية ترمي إلى فرض سياستها الخارجية عليهم بصورةٍ أحادية.
أرسلت الإدارة بالفعل فرقاً من المسؤولين الدبلوماسيين والماليين إلى 20 دولة؛ من أجل توضيح هذه السياسة وإقناع الآخرين بالالتزام بها. وقال هوك: "سنستمر حتى نحقق ذلك في تلك المناطق التي تجمعنا بها اتفاقات، وسنعمل على تعبئة إجماع الآخرين بالمناطق التي لسنا على وفاقٍ معها".
وبوجه عام، سيركز الفريق على تنفيذ السياسة التي أعلنها بومبيو بخطاب في شهر مايو/أيار 2018. تضم السياسة 12 منطقة "تحتاج فيها إيران إلى تغيير سلوكها"، وضمن ذلك إنهاء جميع الأنشطة النووية، حتى تلك الأنشطة المسموح بها بموجب الاتفاق السابق، إضافة إلى إنهاء تطوير الصواريخ الباليستية واختبارها، وإنهاء دعم مَن أطلق عليهم بومبيو "الشركاء المتطرفين والإرهابيين حول العالم".
وقال هوك: "هذه هي استراتيجيتنا. أطلقنا حملةً ترمي إلى تحقيق أقصى درجات الضغط والعزل الدبلوماسيَّين ضد إيران". وكذلك أشار إلى أن ترمب "قال أيضاً إنه على استعداد للتفاوض" مع الزعماء الإيرانيين دون شروطٍ مُسبَّقة، وهي مباردة قال عنها إنها على "مسارٍ موازٍ" لممارسة الضغط بالعقوبات.
تشبه الاستراتيجية سياسة الإدارة مع كوريا الشمالية، حيث اجتمع ترمب مع الزعيم كيم جونغ أون، ومع ذلك استمر في فرض عقوبات صارمة على هذا البلد.
غير أن مهتهم ما تزال "مجهولة"
ورفض هوك الإعلان عن أسماء أعضاء ما يطلق عليهم "مجموعة العمل الإيرانية"، ولكنه كشف عن أنها ستضم "نخبة من المتخصصين في الشؤون الخارجية بالدولة وعبر الإدارة".
وصف تريتا بارسي، رئيس المجلس الوطني للإيرانيين الأميركيين، الإعلان بأنه "مثقَلٌ بالاتهامات والمطالب، في حين أنه فارغٌ بلا مضمون جوهري"، قائلاً إنه "لم يكن من الواضح ما ستفعله المجموعة بالتحديد أكثر مما أُعلن عنه بالفعل".
لكنه قال إنه يمكن أن يكون ذلك بمثابة تطورٍ مهم في التقليل من أهمية عرض ترمب للتحاور مع إيران، مع تكثيف الجهود الرامية إلى إثارة الاضطرابات داخل البلاد.
بالإضافة إلى دور هوك الجديد، من المُتوقَّع أن تُعيِّن وزارة الخارجية الدبلوماسي الكبير السابق جيمس جيفري مُمَثِّلاً خاصاً لها في سوريا. وفي العام الماضي (2017)، ألغى ريكس تيلرسون، وزير الخارجية السابق، عشرات من وظائف الممثل الخاص والمبعوث الخاص، مُعلِّلاً أن ذلك من شأنه توفير المال ورفع كفاءة الإدارة.
____________
اقرأ أيضاََ
هل انقلبت موسكو على طهران؟ مسؤول أميركي: بوتين وترمب اتفقا على ضرورة خروج إيران من سوريا