مع إكمال الليرة التركية هبوطها إلى مستويات قياسية، أدت إلى وصفها من قِبل شبكة بلومبيرغ بأنها شديدة التقلّب، أعلنت الحكومة التركية إجراءات جديدة، قالت إنها تهدف إلى وقف تدهور الليرة أمام الدولار.
فقد قالت "بلومبيرغ" إن تقلّبات الليرة خلال 10 أيام، خاصة اتّجاهها الهابط أمام الدولار، فاقت تقلبات العملة الرقمية "بيتكوين" طوال فترة أزمة الليرة التركية.
لم تدخل الليرة التركية في مثل هذه الأزمة منذ أبريل/نيسان 2017، بعد الاستفتاء الدستوري، ومؤخراً ظهرت مؤشرات تدل على فقدان الأتراك ثقتهم بعملتهم المحلية، وعدم وجود نية لديهم للاستجابة لدعوة الرئيس التركي لتحويل مدخراتهم بالذهب أو العملات الأجنبية إلى الليرة.
على سبيل المثال، يشير أحد تجار المجوهرات الأتراك إلى أنه خسر مبالغ كبيرة من المال عندما استجاب لدعوة الرئيس التركي في العام الماضي (2017)، ويقول إنه خسر مليون ليرة تركية، كانت تساوي 340 ألف دولار في عام 2016، ولكنها لا تتجاوز الآن 155 ألف دولار.
في خضم ذلك، أعلنت الحكومة التركية سلسلة إجراءات لوقف تدهور الليرة، وتوفير سيولة كافية لحماية النظام المالي والمصرفي في البلاد.
احتمالُ رفع الفائدة يلوح في الأفق
أعلن البنك المركزي التركي خفض نسب متطلبات احتياطي الليرة التركية بمقدار 250 نقطة أساسية لجميع فترات الاستحقاق دون استثناء، وتخفيض نسب الاحتياطي لمتطلبات الفوركس غير الأساسية بمقدار 400 نقطة أساسية لاستحقاقات عام وحتى 3 أعوام.
وقال البنك إن الإجراءات الجديدة ستوفر للنظام المالي والمصرفي في البلاد نحو 10 مليارات ليرة، و6 مليارات دولار، و3 مليارات دولار من الذهب، بهدف دعم فاعلية الأسواق المالية، وخلق مرونة أكبر للجهاز المصرفي في إدارة السيولة.
ورغم عدم حديث البنك أو مسؤولين أتراك صراحةً عن رفع معدل الفائدة، فإنه أكد أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة.
وفي هذا الصدد، أشارت مصادر مطّلعة لصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية، إلى أن البنك المركزي التركي مقبل على تشديد تدريجي للسياسة النقدية، من خلال التحضير للإقراض على عقود إعادة "إعادة الشراء" لاستحقاق يوم واحد، بنسب فائدة تفوق الفائدة المعيارية البالغة 17.%.
وذكرت وكالة رويترز أيضاً أن البنك المركزي مستعدّ لتوفير سيولة بالليرة مقابل فائدة قدرها 19.25%، بعد قراره عدم عقد مزاد إعادة شراء ليوم الإثنين 13 أغسطس/آب 2018.
هل تحل هذه الإجراءات الأزمة؟
بالفعل، ارتفعت قيمة الليرة أمام الدولار في التداولات الأوروبية صباح الإثنين إلى 6.9 ليرة، بعد أن وصلت في تداولات الأسواق الآسيوية في الليلة الماضية إلى 7.23 ليرة.
إلا أن وكالة رويترز أكدت استمرار الضغوطات التي تفرضها مبيعات الليرة، التي ما زالت تهزّ الأسواق العالمية.
وقد فقدت العملة التركية أكثر من 40% من قيمتها أمام الدولار هذا العام (2018)، وفي يوم الجمعة 10 أغسطس/آب 2018، تحوَّل انخفاض سعر الليرة إلى "انهيار" حسبما وصفته وكالات عالمية؛ إذ فقدت 18% من قيمتها.
وتعتقد شركات قياس مخاطر اقتصادية عالمية، أن الانخفاض يعود إلى التعنّت المستمر للحكومة التركية ضد رفع معدلات الفائدة، تزامناً مع ارتفاع معدلات التضخم.
وفي تصريح له يوم الإثنين، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن معدلات الفائدة الحالية ليس لها أساس اقتصادي، وإن "تركيا تملك أصولاً اقتصادية قوية، وستظل قوية".
يُشير تصريح أردوغان إلى وجود قناعة بأن المسببات الأكبر لأزمة الليرة ليست اقتصادية، وهو أمر اتفقت عليه أيضاً أحزاب المعارضة التركية، ولكن قد يعني ذلك أن رزمة الإجراءات الحكومية الأخيرة قد لا تحل الأزمة بشكل نهائي.
السياحة والسلع الفاخرة: وجه مختلف تماماً لانخفاض العملة
وسط التخوفات من ارتفاع أسعار السلع الأساسية في تركيا، شهدت محلات السلع الفاخرة ما وُصف بأنه "فورة في المبيعات"، بعد انخفاض السلع نسبياً بالمقارنة مع الأسواق الجارة في أوروبا وبآسيا.
ولاحظت شبكة بلومبيرغ مثلاً، وصول ثمن حقيبة "شانيل كاميرا" (Classic Chanel Camera Case Bag) في فرع شانيل بتركيا إلى 18.500 ليرة، تُعادل 2577 دولاراً، في حين أن سعرها بأوروبا هو 3.700 دولار.
وأشارت إلى أن معظم المتسوقين في المحلات الفارهة بإسطنبول، بدوا من العرب أو الآسيويين، الذين يحملون هواتفهم وهم يسألون عن الأسعار لتحويلها فوراً إلى الدولار أو اليورو.
كما شهدت تركيا انتعاشاً في قطاع السياحة، بعد انخفاض العملة أمام الدولار بقيمة تجاوزت 70% على أساس سنوي.
وأشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن هذا الانخفاض المستمر تسبب في زيادة توافد السياح الإنكليز إلى تركيا، حيث فقدت الليرة أكثر من 35% من قيمتها أمام الجنيه الإسترليني منذ بداية العام (2018).
وأعلنت وكالة توماس كوك السياحية البريطانية عن زيادة بنسبة 63% في حجوزات قضاء العطلة بتركيا هذا العام (2018)، مقارنة بالعام الماضي.
وقالت الشركة إن مدينة أنطاليا التركية السياحية تفوقت على جزيرة بالما دي مايوركا الإسبانية السياحية من حيث عدد الرحلات التي تُنظّمها الشركة، بواقع 57 رحلة مقابل 41.