خسرت العملة التركية أكثر من ثُلث قيمتها منذ بداية العام، وسط ضغوط متزايدة على الحكومة لرفع سعر الفائدة، والخلافات بين تركيا وأميركا . وتوقع بنك غولدمان ساكس الأميركي أن يستمر تراجع الليرة ، ليصل إلى 7.1 ليرة مقابل الدولار.
هذا التقرير يرصد كل الأسباب التي ذكرها المسؤولون في أنقرة، والمراقبون حول العالم لتفسير ظاهرة انهيار نادرة لعملة قوية تمثل اقتصاداً ناجحاً، وحجم الضغوط عليها داخلياً وخارجياً في اللحظة الراهنة.
1 الحرب الاقتصادية والمؤامرات على تركيا
التعبير استخدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة 10 أغسطس/آب 2018.
أعلن أردوغان "الكفاح الوطني" في وجه "الحرب الاقتصادية" التي تشن على أنقرة، على حد قوله، "إن كان لديكم أموال بالدولار أو اليورو أو ذهب تدخرونه، اذهبوا إلى المصارف وحولوها إلى الليرة التركية، إنه كفاح وطني".
وتوقع الرئيس التركي انتصار بلاده على "الحرب الاقتصادية" التي تُشن ضدها، قائلاً إن تركيا تدرك "جميع المؤامرات التي تُحاك ضدها".
2 الخلاف مع الولايات المتحدة يُخيف المُقرضين
يهزّ ثقة المستثمرين الأجانب بتركيا، ويدفعهم لبيع سندات الليرة التركية التي يملكونها، مما يُفقد تركيا المزيد من الدولارات ويُخفّض قيمة الليرة مباشرةً.
اعتمدت تركيا على الاستثمارات الأجنبية في سد العجز في الدولار. ولتحقيق ذلك، تُصدر المؤسسات المالية التركية سندات حكومية بفائدة تفوق فائدة السندات الأميركية، وبالنظر إلى قوة الاقتصاد التركي من حيث النمو وجاذبيته للمستثمرين، نجحت هذه الآلية في إمداد أنقرة بكميات كبيرة من الدولار، حتى الآن.
الدولار الذي تحتاجه تركيا يعتمد إذن على ثقة الولايات المتحدة التي تقود ثقة الأسواق، ومع الخلاف خاف المستثمرون وبدأوا يبيعون ما لديهم من سندات تركيا؛ لتبدأ الليرة سقوطها.
3 الإبقاء على سعر الفائدة يُقلق المستثمرين
في اجتماعها خلال شهر يوليو/تموز الماضي، أعلنت لجنة السياسات النقدية التابعة للمركزي التركي، إبقاء سعر الفائدة دون تغيير، لكن الضغوط المتراكمة من اقتصاديين أتراك وأجانب قد تدفعها إلى تغيير قرارها.
وأشارت صحيفة The Financial Times البريطانية إلى أن أكثر ما يثير قلق المستثمرين، هو رفض البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة، حتى مع وصول التضخم إلى مستوى أكبر من 15%.
ولفتت إلى وجود شكوك لدى المستثمرين منذ سنوات في استقلالية البنك المركزي؛ إذ انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أسعار الفائدة المرتفعة، وممارسة الضغط المبهم فيما يخص مسألة سعر الفائدة.
وتعمَّقت تلك المخاوف في مايو/أيار الماضي حين تعهَّد أردوغان، الذي كان يزور لندن وكان من المتوقع أن يُطمئن الأسواق، بالسيطرة بصورة أكبر على السياسة النقدية، وأعلن أنَّ أسعار الفائدة المرتفعة سبَّبت التضخم بدل أن تعالجه.
رفع الفائدة هي أداة قياسية من أدوات الاقتصاد الكلي لكن نجاحها ليس مضموناً في هذه الحالة، إذا بقيت الخلافات مع واشنطن تقود المشهد السياسي. وقال ويليام جاكسون، وهو اقتصادي خبير بالأسواق الناشئة بشركة Capital Economics للاستشارات الاقتصادية في لندن، إنَّ رفع سعر الفائدة ربما يكون مطروحاً، لكنَّه لن يكون حلاً دائماً.
4 زيادة الإنفاق الحكومي
تشهد تركيا حاليا مشروعات ضخمة كالأنفاق والجسور والمطارات بكلفة إجمالية تزيد عن 138 مليار دولار، ووعدت الحكومة بالانتهاء منها مع الاحتفالات بمئوية الجمهورية التركية، عام 2023.
معظم المشروعات العملاقة يتم منحها لشركات محلية وعالمية على مبدأ BOT ليعاد استثمارها من قبل الحكومة التركية بعد انقضاء فترة العقد.
كما زادت الحكومة التركية من ميزانية الدفاع والأمن لعام 2018 بنسبة 31% مقارنة بعام 2017، لتصل إلى نحو 23 مليار دولار.
5 زيادة العجز التجاري
تظهر البيانات الرسمية التركية أن العجز التجاري في تركيا زاد 37.5 بالمئة العام الماضي، ووصل إلى 77 مليار دولار.
حدث هذا رغم زيادة الصادرات بنسبة 10% بالمئة، إلي 157 مليار دولار. غير أن الواردات سجلت 234 مليار دولار في العام نفسه.
6 اجتهادات اقتصادية مختلفة في صناعة القرار
في ظل النظام الرئاسي التركي الجديد ظهرت فجوات بين الرئاسة والوزارات أو الإدارات التابعة للرئاسة.
أشار الكاتب التركي مراد يتكين إلى مظهرين للعطالة السياسية في ظل النظام الجديد، الأول هو التناقض بين تعهّد الرئيس أردوغان بزيادة الإنفاق في مشاريع المئة يوم، وبين تأكيد وزير الخزانة والمالية بيرات البيرق أن الأولوية لمكافحة التضخم بتخفيض الإنفاق.
7 البيروقراطية تزداد مع النظام الرئاسي
والمظهر الثاني هو البيروقراطية والغموض في الآليات الثانوية لاتخاذ القرادات وتنفيذها. "يتردد وزراء وبيروقراطيون في اتخاذ خطوات ملموسة، خوفاً من ارتكاب خطأ في ظل غياب التوجيهات والإرشادات السياسية الواضحة".
لاحظ هذه الظاهرة مؤخراً ممثلو السفارات والبنوك والشركات الأجنبية في تركيا، في الوقت الذي تدعو فيه تركيا إلى مزيد من الاستثمارات المباشرة لتعزيز النمو الاقتصادي.
8 خروج رأس المال من البلاد إلى الخارج
بإمكان تركيا محاولة وقف تراجع الليرة عن طريق منع تدفقات رأس المال من البلاد إلى الخارج. لكن من المستبعد أن يكون ذلك خياراً قابلاً للتطبيق.
ونقلت صحيفة The Financial Times عن جاكسون من شركة Capital Economics، قوله إنَّ الضوابط على رأس المال تعمل كأفضل ما يكون حين يكون لدى الدولة رقابة مُحكَمة على القطاع المالي، ويكون الهدف وقف إرسال السكان الأموال للخارج، كما في الصين.
وأضاف أن "معظم التدفقات التركية هي من جانب أجانب مُقرِضين أو مستثمرين في البلاد. ولن تمنع ضوابط رأس المال إلا أي إقراض جديد فقط".
9 وبعد الأزمة: زيادات مبيعات العملة التركية وسنداتها
أطلق تدهور الليرة سيلاً من مبيعات الليرة التركية وسندات الليرة التركية، في مسعى للمستثمرين للتخلص من خطر تدهور أصولهم المالية، لكن البنوك التركية أكّدت أن هذه المخاوف لا أصل لها.
إلا أن حسين آيدن، رئيس جمعية البنوك التركية، أكد أن هناك تطورات إيجابية من ناحية الإيداع في البنوك، الذي وصفه بأنه مؤشر يطمئن البنوك ويدفعها لتقديم المزيد من القروض، متوقعاً زيادة في القروض بحلول نهاية العام بنسبة 15-16%.
10 حرب الرسوم الأميركية على صادرات تركيا
قررت الولايات المتحدة مضاعفة التعرفات على الصلب والألومنيوم التركيين، وكتب الرئيس ترمب على توتير "لقد سمحت للتو بمضاعفة التعرفات الجمركية على الصلب والألمنيوم من تركيا في وقت تنزلق عملتهم، الليرة التركية، متراجعة بسرعة مقابل دولارنا القوي جدا. علاقاتنا مع تركيا ليست جيدة في هذا الوقت".
القرار الجديد يعني أن هذه المنتجات ستخضع للضريبة الآن بنسبة 50% على واردات الصلب و20% على الألمنيوم.
إقرأ أيضا
الكثير يتساءلون عن خيارات تركيا لإيقاف سقوط الليرة المدوي وفقدانها لقيمتها.. إليك الإجابة بالتفصيل