تسود حالة من التشكك في أوساط المستثمرين حول ما إذا كان المركز المالي اليافع لمدينة دبي قادراً على إعادة الإمساك بزمام أمور العمل فيه، في الوقت الذي يسلط انهيار شركة أبراج، ذات الشأن الكبير بالقطاع الخاص، الضوء على مخاوف أكبر حول الاستثمار في المنطقة، فقد أصبحت دبي تثير قلق المستثمرين .
لم يصدر عن سلطة دبي للخدمات المالية، الجهة الرقابية العليا في دبي، الكثير من التصريحات منذ بدء انتشار مزاعم حول إساءة مجموعة أبراج استخدام مئات ملايين الدولارات من أموال المستثمرين، وضمن ذلك أموال لمؤسسة بيل وميليندا غيتس والبنك الدولي، يقول تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأميركية.
ويوضح أنه لم يصدر عنها سوى بيانين قصيرين، وصادرت بعض الحواسيب المحمولة من الشركة، وتجري محادثاتٍ مع مدقق حسابات واحدٍ على الأقل من مدققي الشركة.
السلطة أثارت قلق المستثمرين والمسؤولين التنفيذيين
ويقول المستثمرون والمسؤولون التنفيذيون هنا إنّ رد فعل السلطة أثار قلقهم حيال البيئة الرقابية في دبي، التي بنت من الصفر حياً اقتصادياً من ناطحات السحاب البراقة منذ أكثر من عقدٍ من الزمان. وكان من المفترض أن تكون دبي ملاذاً استثمارياً مبنيّاً على القواعد ونقطة مضيئة في سماء العالم المالي المعتم بالشرق الأوسط، غير أنه بدأت تطفو على السطح مخاوف حول حوكمة الشركات وتضارب المصالح.
ووفقاً لشركة التقييم Standard & Poor's، فإن المنطقة تعاني نقصاً في المديرين المستقلين للعمل بمجالس إدارات الشركات. ومع أن المقرات الرئيسية لبعض الشركات تقع في دبي، إلا أنها من الناحية القانونية شركاتٌ أُسست في ملاذاتٍ خارجيةٍ مثل جزر كايمان، ما يخلق حالةً من الارتباك حيال القوانين التي يؤخذ بها في التقاضي. ويقول بعض المحامين العاملين هنا إنه حتى في ظل استضافة المدينة المقرات الإقليمية الرئيسية لأكبر البنوك العالمية، فإنها من الناحية الاقتصادية تشبه نادياً صغيراً يغض أعضاؤه الطرف عما يُقترف من أخطاء.
ويقول طارق فضل الله المدير التنفيذي لشركة Nomura Middle East، الذراع الإقليمية لإدارة الأصول لبنك الاستثمار الآسيوي: "يجب أن تزيد الحكومة والسلطات الرقابية الدعم لتشجيع تنمية القطاع؛ حتى يتمكن المستثمرون من استعادة الثقة بدبي".
خاصة في ظل ضعف معايير الحوكمة بالشركات
تقول شركة Standard & Poor's إنّ نقطة ضعف شركات الخليج العربي هي نقص معايير الحوكمة. وورد في تقريرٍ للشركة صدر العام الماضي (2017)، أنّ الشركات تستطيع تحسين نفوذها إلى سوق رأس المال وتخفيض تكاليف سداد الديون، إذا تبنت ممارسات أفضل.
تقول أليسا أميكو المديرة التنفيذية السابقة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، المقيمة في باريس، والتي تدير الآن مؤسستها الاستشارية الخاصة Govern: "تكمن المشكلة في تركيز القوة داخل معظم الشركات". وعكس ما يحدث في الغرب، حيث يتحمل المديرون التنفيذيون للشركات الكبرى المسؤولية أمام مجالس إشرافيةٍ، فإنه "في الشرق الأوسط لا توجد ضوابط وموازين داخل الشركات"، على حد قول أميكو. ورفضت سلطة دبي للخدمات المالية المشاركة في هذا المقال بالتعليق.
وفي بيانيها عن قضية شركة أبراج، قالت السلطة إنها كانت على علمٍ بما سمته "أموراً متعددة ذات صلة بمجموعة أبراج"، وأنها ستعمل على "حماية مصالح المستثمرين".
الأمر الذي اتضح بعد "فضيحة" مجموعة "أبراج"
يُذكر أن مجموعة أبراج أنكرت وقوع أي مخالفاتٍ، وقالت إن جميع الأموال المفقودة رُدَّت للمستثمرين. ولم يردَّ مسؤول التصفية المؤقتة لمجموعة أبراج على طلبٍ للتعليق.
ويفخر مركز دبي المالي العالمي بأن له محاكمه الخاصة الناطقة بالإنكليزية، بمعزلٍ عن سائر الإمارات العربية المتحدة، وهي محاكم تتبع القانون العرفي وتراعي أحكام الشريعة الإسلامية. يخضع المركز من الناحية الرقابية لسلطة دبي للخدمات المالية، التي تشرف على ما يقرب من 629 شركةً، والتي يقود ذراعها التنفيذية محققٌ بريطانيٌ سابقٌ تولى مسؤولية التحقيق في فضيحة ليبور. وقد رفض مركز دبي المالي كذلك التعليق على هذا المقال.
لم يسبق أن واجهت سلطة دبي للخدمات المالية انهيار شركةٍ بحجم "أبراج"، التي وصل حجم أعمالها يوماً لنحو 14 مليار دولارٍ. وحتى الآن كانت أكبر قضيةٍ واجهتها هي قضية داماس للمجوهرات، وهي شركةٌ تديرها عائلةٌ اتهم 3 إخوة فيها باختلاس أموالٍ من الشركة بعد طرح أسهمها للاكتتاب العام. وقد غرَّمت السلطة الشركة والإخوة الثلاثة 2.9 مليون دولارٍ عام 2010.
وإخضاع مؤسِّسها للتحقيق في الإمارات
يخضع عارف نقوي، مؤسس شركة أبراج، للتحقيق بالإمارات مجدداً، بتهمة إصدار شيكات دون رصيد لرجل أعمالٍ في المنطقة بعد فشله الشهر الماضي (يوليو/تموز 2018)، في التوصل معه لتسويةٍ للديون، وفقاً لما قاله محامون مشاركون في القضية. ولم يكن نقوي متاحاً على الفور للتعليق على هذا الكلام. وقال محاميه إن كلا الطرفين يعمل على وضع اللمسات الأخيرة لتسوية يصلان إليها قبل جلسة الاستماع في المحكمة.
ووفقاً لأشخاصٍ مطلعين على الهيكل المؤسَّسي لشركة أبراج، فإن منظومتها القانونية، التي لا تعد فريدة من نوعها أو دخيلة على الكيانات التي تتخذ من دبي مقراً لها، ربما ساعدت في تعقيد إخضاع الشركة للرقابة. فقد تأسست الشركة القابضة التي تتبعها "أبراج" في جزر كايمان، بعيداً عن متناول أنظار الجهات الرقابية بدبي.
تواجه شركة أبراج اتهاماتٍ بخلط أموالها بأموال المستثمرين، وهو ما يعني استخدام أموال المستثمرين لأغراضٍ غير المتفق عليه بالأساس. وقدمت الشركة طلباً بالتصفية تحت إشراف المحكمة بعد عجزها عن سداد ديونها.
يُذكر أن موظفين سابقين بشركة أبراج قالوا إن سلطة دبي للخدمات المالية لم تجرِ بعض زيارات التفتيش المعتادة للشركة منذ سنوات. وأضافوا أنّه كان من الممكن رصد عمليات تدفق مريبة للأموال في مرحلة مبكرة. غير أن بعضهم شكك فيما إذا كانت لدى تلك الزيارات التفتيشية القدرة على الوصول لأي نتائج تُذكر.
ما جعل دبي تثير قلق المستثمرين
يُذكر أن معظم التحقيقات التي أُعلنت نتائجها في القضية أجراها محققون تابعون للمستثمرين أو لشركة أبراج نفسها، وليسوا تابعين للحكومة.
ومنذ عام 2006، اتخذت سلطة الخدمات المالية بدبي إجراءً في 74 حالةً، بمعدل 6 حالات سنوياً، فيما يتصل بمؤسساتٍ أو أفراد خرقوا قوانين المركز المالي، وفقاً لما نُشر على موقعها الإلكتروني. كانت الأغلبية الساحقة لتلك الحالات تخص شركاتٍ أو أفراداً أصغر حجماً من "أبراج"، باستثناء تغريم بنكين دوليين هما ABN Amro Group NV، وDeutsche Bank AG. وقد اعترف الأول بالمخالفات، في حين قال الثاني إنه راجع أنظمته وطوَّرها استعداداً لقبول عملاء جدد بعد الغرامة.
قالت مصادر مطلعةٌ إنّ الذراع التنفيذية لسلطة الخدمات المالية في دبي ربما تتخذ إجراءاتٍ ضد شركة أبراج؛ إذ إن السلطة تتابع سراً مستجدات القضية مع إحدى شركات التدقيق التابعة لأبراج.
وقال أوليفر شوتزمان المدير التنفيذي لمؤسسة Iridium Advisors التي تقدم استشاراتٍ في مجال العلاقات مع المستثمرين: "كلما استغرق ذلك وقتاً أطول، زاد الخطر على قدرة دبي على جذب الاستثمارات الأجنبية"، وهو ما يؤكد أن دبي تثير قلق المستثمرين
وتابع: "كم (أبراج) أخرى لدينا هنا، في ظل تفضيل السلطات التغطية على المشكلات؟!".