استفاق العالم في الثاني من أغسطس/آب 1990، على واحدة من كبرى الكوارث العربية التي حدثت في القرن الماضي، عندما اقتحمت القوات العراقية التابعة لنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين دولة الكويت، مُعلنة غزوها والسيطرة الكاملة على أراضيها، الأمر الذي قلب الأمور رأساً على عقب، وجعل المجتمع الدولي والعربي يسارعان إلى احتواء الأزمة بين الجارتين العربيتين.
لكن الأمر لم ينتهِ ببساطة، وشهدت المنطقة وقتها حرباً عنيفة تدخَّلت فيها العديد من الدول العربية والغربية بالقوة؛ لفض النزاع وإعادة الأمور إلى نصابها، وهو الأمر الذي لم يحدث بسلاسة؛ بل نتج عنه عشرات الآلاف من الضحايا والخسائر المادية، والأكبر من هذا كُله، الزلزال النفسي الذي ضرب المنطقة العربية بأكملها.
العراق يريد البناء.. ولكن كيف يكون ثمن البناء هدماً؟!
بعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية التي استمرت 8 سنوات وانتهت في العام 1988، وأعطت الكثير من الخبرة والتمرُّس العسكري للعراق- لم يكن أمام النظام العراقي سوى الالتفات إلى إعادة ترتيب أوراقه وإصلاح ما خرَّبته الحرب الإيرانية، خاصة ومع حصارٍ وعقوباتٍ أميركيةٍ صارمةٍ، فلم يكن هناك بديل عن زيادة الاهتمام بإنتاج النفط لتدعيم الاقتصاد وإعادة بناء القوة العسكرية المنهَكة، لكن زيادة انتاج النفط الكويتي، الذي ارتفعت معدلاته في منتصف العام 1990، كانت أمراً غير مقبول بالنسبة للرئيس العراقي.
وهذا ما دفعه لإعلان غضبه واتهام الجارة العربية الكويت علناً بسرقة نفط الدولة العراقية الوفير في حقول منطقة الرملة على الحدود بين البلدين، كما اتهمها بالتعدي على الأراضي العراقية. وبعد تهديد عراقي بردٍّ على الكويت في أثناء خطاب الرئيس صدام حسين في ذكرى ثورة يوليو/تموز 1968 العراقية، دعت السعودية إلى مباحثات لحل الأزمة بين البلدين، لكنها لم تؤتِ ثمارها. وبنهاية يوليو/تموز، أخذت القوات العراقية في الانتشار على حدود الكويت، مُنذِرةً بالإقدام على عمل عدائي عسكري من جانب العراق، ولم يلبث أن تحوَّل الانتشار إلى اقتحام مباشر للأراضي الكويتية في صباح يوم 2 أغسطس/آب 1990، عن طريق قوات برية مدعومة بسلاح الطيران العراقي.
القوات العراقية اقتحمت الكويت بالحافلات وليس بالدبابات
لم يمضِ على الاقتحام العراقي أكثر من ساعات حتى كانت القوات العراقية تسيطر على العاصمة الكويت، وذلك رغم إعلان حالة الاستنفار بين صفوف الجيش الكويتي. ويسرد كواليسَ الغزو العراقي للكويت أحدُ الساسة الكويتيين والضابط السابق بالجيش الكويتي وقت الغزو ناصر الدويلة، في لقاء تلفزيوني له في العام 2014 على قناة "سكوب" الكويتية، موضحاً أن كتيبة من القوات العراقية اقتحمت الحدود الكويتية مساء يوم الأول من أغسطس/آب ثم تراجعت مرة أخرى. وعلى أثر ذلك، تراجعت رئاسة الأركان الكويتية عن الاستنفار، بعدما أدركوا أن تحركات القوات العراقية تبدو كـ"مناورة"؛ ما تسبب في تأخير تحميل الذخائر للرد على القوات العراقية.
كما ذكر أن خطط الجيش العراقي للاقتحام انقسمت إلى خطتين؛ واحدة في حال جاهزية الجيش الكويتي للحرب ستحتل العراقُ الشريطّ الحدوديَّ وبعض حقول النفط للتفاوض عليهما، في حين كانت الخطة الثانية اقتحامَ الكويت بالكامل في حال عدم جاهزية الجيش الكويتي للحرب، وذكر أن عدم جاهزية الجيش هو ما تسبب في جنوح الجيش العراقي لاستكمال الغزو الكويتي بالكامل، دون رد كويتي لائق.
ويروي الدويلة أنه في ساعات الصباح الأولى من الغزو، كانت هناك أرتال عسكرية عراقية تقتحم شوارع الكويت دون وجود جندي كويتي واحد، وأن القوات العراقية الخاصة المسماة "المغاوير" دخلت إلى إحدى مناطق الكويت الحيوية في حافلات مدنية، وصل عددها إلى ما بين 40 و50 حافلة، رغم اشتباكات أحد الألوية الكويتية معها دون إحداث خسائر كبيرة برتل الحافلات، ما يعني أن هناك أخطاء جسيمة ارتكبتها قيادات الأركان الكويتية أدت إلى احتلال الكويت بالكامل، حتى بعد اشتباك القوات الكويتية لاحقاً مع الجيش العراقي وفقاً لحديث السياسي الكويتي.
القيادة الكويتية في السعودية.. والكويت تُعلَن محافظةً عراقيةً
لجأت القيادة الكويتية، وعلى رأسها أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، بحلول الخامس من أغسطس/آب 1990، إلى المملكة العربية السعودية، وأقاموا في مدينة الطائف، واتخذ الصباح هناك مقراً رئاسياً مؤقتاً لمتابعة الموقف، وكان ذلك بعد يوم واحد من تعيين الرئيس العراقي صدام حسين العقيدَ الكويتي علاء حسين علي رئيساً لحكومة الكويت بتاريخ الرابع من أغسطس/آب 1990، ومعه عدد من المسؤولين الكويتين كحكومة مؤقتة؛ الأمر الذي أسفر عن محاكمته بعد انتهاء الغزو في العام 1993، والحكم عليه بعد فراره بالإعدام بتهمة الخيانة والتآمر مع العدو، وبعد عودته إلى الكويت خُفف الحكم عليه إلى السجن المؤبد في العام 2001، بعدما كشف عن العديد من التفاصيل التي حدثت من جانب الجيش العراقي في أثناء الاقتحام، وضمنها وقوعه في الأَسر واختياره لترؤُّس السلطة المؤقتة المُعيَّنة من جانب العراق.
قرر مجلس الأمن الدولي بعد ذلك، في جلسة طارئة حتمية عُقدت يوم السادس من أغسطس/آب 1990، خروج الجيش العراقي من الكويت بالكامل بلا شروط، كما قرر فرض عقوبات اقتصادية موسعة على العراق. وبعد مرور 24 ساعة فقط، كانت القوات الأميركية تتجه إلى السعودية يوم 7 أغسطس/آب، بهدف وقف تقدُّم القوات العراقية إلى الحدود بين الكويت والسعودية، ورغم التحركات الكبرى من جانب القوات الأميركية ومجلس الأمن، فإن الرئيس صدام حسين لم يتراجع عن الغزو؛ بل أعلن رسمياً ضم الكويت إلى الدولة العراقية، وأعلن أن اسمها "كاظمة"، مدَّعياً أنها كانت محافظة عراقية في الأصل رُدَّت إلى وطنها الأم، وذلك رغم اعتراف العراق رسمياً بحدود الكويت في العام 1961.
انعقد بعد ذلك اجتماع للدول العربية في 10 أغسطس/آب 1990، في العاصمة المصرية القاهرة، بحضور عربي موسع للخروج بحل للأزمة، وكان قرار القمة العربية هو التدخل العسكري في الكويت، وقد أيَّدته دول الخليج ومصر والمغرب وسوريا، في حين عارضته بعض الدول الأخرى مثل الأردن وليبيا والسودان والجزائر واليمن وفلسطين وموريتانيا، وكان على رأس الدول التي قررت التدخل عسكرياً قوات مصرية وسورية توجهت إلى الحدود بين الكويت والسعودية؛ لمساعدة القوات الأميركية في حال وجود أي تهديد عراقي.
صدام يشترط والعالم يتكالب على العراق
في حين كانت الأمور تجري على قدم وساق بكواليس صنع القرار في الدول العربية وأميركا، عرض الرئيس العراقي صدام حسين، يوم 12 أغسطس/آب، شرطاً للانسحاب من الكويت؛ وهو انسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها؛ تنفيذاً لقرارات سابقة للأمم المتحدة، لكن هذا الاقتراح رفضته أميركا والأمم المتحدة؛ بل وكان الرد الدولي عليه هو فرض حصار بحري على العراق، وحشد تحالف دولي وصل إلى 30 دولة، أيدت جميعها قرارات الأمم المتحدة بانسحاب العراق الفوري من الكويت، ومواجهة عدم الانصياع بكل الوسائل اللازمة، وضمنها التدخل العسكري المباشر ضد العراق.
وفي خضم العناد من قِبل الأطراف جميعها، لم ينصع الرئيس العراقي لأي من قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولم تُثمر أيه مفاوضات له مع الولايات المتحدة أو غيرها، وهنا كان الحشد الأميركي العسكري يستعد للتدخل العسكري الصارم ضد العراق. وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 1990، كان قد تَشكّل تحالف دولي بقيادة حلف الناتو والولايات المتحدة وقوات دولية من 38 دولة وصل عددها إلى 750 ألف جندي، ومُنحت القوات العراقية مهلة للانسحاب وإلا فسيكون الحل هو التدخل العسكري المباشر ضد العراق.
العراق يعاني تبعات القرار ويُهزم في 42 يوماً
فجر يوم 17 يناير/كانون الثاني 1991، دكّت قوات التحالف الدولي العراق بغارات مكثفة، فيما عُرف بعملية "عاصفة الصحراء"، التي كانت بداية لمعاناة العراق تبعات قراراته غير الحكيمة، وأعلن الجيش العراقي استنفاره ودخوله حرباً مباشرة على الدول المجاورة التي اشتركت في هذا التحالف، وكانت أولاها السعودية، التي قصفها الجيش العراقي في اليوم التالي مباشرة (18 يناير/كانون الثاني 1991)، فاستهدف مدينتي حفر الباطن والرياض، كما قصف أهدافاً داخل إسرائيل، وأعلن العراق بعدها بيومين إلغاء جميع المعاهدات مع السعودية.
وخلال يومين من اشتعال الحرب، جاءت واحدة من أشد تبعات غزو الكويت قسوةً وضراوةً؛ وهي تدمير النفط الكويتي، عندما ضخَّت القوات العراقية ما يقارب 11 مليون برميل من النفط في مياه الخليج العربي، وكان ذلك بمثابة عمل انتقامي ضد ثروة النفط الكويتية؛ ما تسبب في أزمة بيئية كبرى بعد تكوُّن بحيرات كاملة من النفط السائل.
بحلول نهاية فبراير/شباط 1991، كان العراق قد عاني خسائر مادية وبشرية كبيرة داخل العراق وفي المناطق المحتلة؛ لذلك وافق في يوم 25 فبراير/شباط على الانسحاب الكامل من الكويت، وكان الانسحاب السريع أحد الأسباب التي جعلت من قوات العراق هدفاً سهلاً للقصف من جانب قوات التحالف والتي دمرت أغلبها. وقد أعلن بعدها الرئيس الأميركي وقتها، جورج بوش الأب، انتهاء الغزو، وتحرير الكويت رسمياً في 27 فبراير/شباط 1991، معلناً بذلك انتهاء أحد أقسى الفصول في تاريخ المنطقة العربية.