ركز العاهل المغربي الملك محمد السادس مطولاً في كلمة متلفزة، مساء أمس الأحد 29 يوليو/تموز 2018، على "الشأن الاجتماعي" وحضّ الحكومة على القيام "بإعادة هيكلة شاملة وعميقة" خصوصاً في ما يتعلق بالصحة والتعليم.
وألقى الملك كلمته في الحسيمة (شمالي المغرب) التي شهدت لعدة أشهر احتجاجات ضد "التهميش" بعد وفاة بائع سمك شاب في عربة جمع نفايات. وحكم القضاء على قادة الحراك بالسجن حتى 20 عاماً في أواخر حزيران/يونيو الماضي.
ولم يذكر الملك (54 عاماً) في كلمته الأزمة التي مرّت بها المدينة وضواحيها، كما لم يعفُ عن المعتقلين الذين قادوا احتجاجات الحسيمة، إلا أن وسائل إعلامية حكومية قالت إنه وجه عقب الخطاب بالإفراج عن 1200 شخص، لكن لا يُعرف ما إذا كان بينهم ناشطون.
وصرح الملك في كلمته بمناسبة الذكرى الـ19 لاعتلائه العرش بأنه "إذا كان ما أنجزه المغرب وما تحقق للمغاربة على مدى عقدين من الزمن يبعث على الارتياح والاعتزاز، فإنني في نفس الوقت أحس بأن شيئاً ما ينقصنا في المجال الاجتماعي".
وانتقد الملك برامج الدعم والحماية الاجتماعية التي "تُرصد لها عشرات المليارات من الدراهم مشتتة بين العديد من القطاعات الوزارية.. وتعاني من التداخل وضعف التناسق في ما بينها وقدم قدرتها على استهداف الفئات التي تستحقها".
ودعا الملك أيضاً إلى تسريع إقامة "السجل الاجتماعي الموحد، وهو نظام وطني لتسجيل الأسر لتستفيد من برامج الدعم الاجتماعي"، ودعا إلى "إعادة هيكلة شاملة وعميقة للبرامج والسياسات الوطنية".
ويعاني المغرب من تفاوت اجتماعي ملحوظ على خلفية ارتفاع البطالة بشكل كبير بين الشباب. وفي عام 2071 صُنفت البلاد في المرتبة 123 من أصل 188 دولة على مؤشر النمو البشري.
وكان البحث عن "نموذج جديد للتنمية" الشعار الأبرز للهيئات العامة في الأشهر الأخيرة.
ودعا الملك في كلمته أيضاً إلى "إعطاء دفعة قوية لبرامج دعم الدراسة وإعادة النظر، بشكل جذري، في المنظومة الوطنية للصحة، التي تعرف تفاوتات صارخة، وضعفاً في التدبير".
وترأس الملك بعد خطابه اجتماعاً مخصصاً لـ"تفعيل الإجراءات" التي أعلنها في كلمته وشارك فيه رئيس الحكومة ونحو 10 وزراء بحسب بيان للديوان الملكي.
وكان مراقبون قالوا قبل الزيارة إنه من شأن هذه الزيارة الملكية أن تعيد الأمل إلى المنطقة بطيّ ملف الحراك والاحتجاجات، خصوصاً بعد الأحكام التي صدرت بحق النشطاء من أبناء المنطقة، والتي وصفت بـ"القاسية".
كما أشارت مصادر إعلامية إلى الترقب الكبير المعلق على المكان الذي سيلقي منه الملك خطاب العرش، إضافة إلى تفقد الملك محمد السادس مشاريع كبرى تندرج ضمن برنامج "الحسيمة منارة المتوسط"، والذي كان قد تسبب في احتجاجات للسكان أدت إلى إعفاء وزراء ومسؤولين واعتقالات في صفوف محتجين.
زيارة خاصة وترقب للخطاب
وقبل الخطاب أكد إدريس الكنبوري، الكاتب والمحلل السياسي، أن زيارة الملك محمد السادس إلى الحسيمة "في حد ذاتها لديها رسالة سياسية"، مرجحاً أن يكون خطاب العرش من هناك.
وأوضح الكنبوري، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن خطاب الملك بمناسبة عيد العرش سيحمل مفاجآت، على رأسها العفو عن المعتقلين في قضايا حراك الحسيمة، عكس ما ذهبت إليه مجلة جون أفريك الفرنكوفونية.
بدوره، توقع عز الدين خمريش، أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن يكون "خطاب العرش محملاً بمجموعة من القرارات الهمة بالنسبة لمنطقة الريف؛ منها العفو عن المعتقلين من نشطاء حراك الحسيمة".
كما شدد أستاذ العلوم السياسية، في حديثه لـ"عربي بوست"، على أن "الزمن له بعده في التحليل السياسي"، وهو ما يعني أن زيارة الملك للحسيمة في هذا الوقت بالذات، "لها طابع خاص وتعطي مجموعة من الإشارات والرسائل للمواطن الحسيمي والمغربي بصفة عامة".
وذكر نفس المصدر أنه "سيكون هناك انفراج لطيّ الملف"، خصوصاً في "ظل هذه الوضعية المتأججة، وبعد الأحكام التي صدرت بحق النشطاء التي أثارت حفيظة الحقوقيين والمراقبين".
رسائل سياسية في زيارة مالكية
"ليس مصادفة أن ينتقل الملك محمد السادس إلى الحسيمة، في نفس اليوم الذي حلت فيه ذكرى رحيل الملك الحسن الثاني، وهو 23 يوليو"، يقول إدريس الكنبوري، الكاتب والمحلل السياسي.
المصدر نفسه، لم يستبعد أن تكون "هناك رسالة سياسية، مفادها أن مشروع المصالحة الذي دشنه الملك عام 1999 مع الريف، لم يكتمل بعد".
وقد ظلت منطقة الريف "تعاني في الماضي من كونها على هامش النموذج التنموي الوطني، والتقط القصر تلك الإشارات التي صدرت عمّا يسمى حراك الريف، فأعلن الملك صراحة في خطابه أمام البرلمان في أكتوبر الماضي، عن فشل النموذج التنموي المغربي والحاجة إلى صياغة بديل مختلف متكامل يدمج مختلف جهات المملكة"، يردف إدريس الكنبوري، الكاتب والمحلل السياسي.
بهذا الخصوص، لا يستبعد عبدالإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن يتطرق الخطاب الملكي لعيد العرش لـ"موضوع المشروع التنموي، الذي أصبح محطّ انتقاد".
كما أنه من المحتمل أيضاً أن تكون هناك إشارة في خطاب الملك إلى "الاحتجاجات، وإلى مسألة ربط المسؤولية بالمحاسبة، في سعي الملك إلى تكريس دولة المؤسسات"، يضيف الفاعل الحقوقي، في اتصال بـ"عربي بوست".
ودعا رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، إلى "تصحيح الأحكام الصادرة بحق نشطاء حراك الحسيمة بعفو ملكي شامل؛ خصوصاً أن هؤلاء دافعوا عن العدالة الاجتماعية والحق في العيش الكريم".
___________________________
اقرأ أيضاً
رئيس الحكومة المغربية: الفساد يأكل 7% من ناتجنا المحلّي.. إنّه رقم ضخم!