بشّر تصديق رئيس الفلبين، رودريغو دوتيرتي، الجمعة 27 يوليو/تموز 2018، على قانون يمنح أقلية "مورو" المسلمة حكماً ذاتياً، بإنهاء معاناة استمرت أكثر من نصف قرن، وتسببت في مقتل عشرات الآلاف.
فقد حشدت جبهة مورو الإسلامية للتحرير، الأحد 29 يوليو/تموز 2018، عشرات الآلاف من المؤيدين من مختلف أرجاء إقليم مينداناو الجنوبي؛ لبدء حملة ضخمة لدعم القانون.
يأتي ذلك عقب إقرار البرلمان، الثلاثاء 24 يوليو/تموز 2018، قانوناً بموجب تفاهمات توصلت إليها الحكومة مع "جبهة تحرير مورو الإسلامية"، في مسار السلام الذي استمر عدة سنوات، وشهد إيقاعه تسارعاً منذ تولي دوتيرتي الحكم منتصف عام 2016.
وبهذا القانون، سيتم الاعتراف بولاية مينداناو والجزر المحيطة بها، ذات الغالبية المسلمة، على أنها منطقة حكم ذاتي، وسيتم تنظيم استفتاء في المنطقة خلال 150 يوماً، كأقصى حد، منذ تاريخ تصديق الرئيس عليه (الجمعة).
كما سيتم انتخاب مجلس مؤلف من 80 شخصاً، أغلبهم من "جبهة تحرير مورو الإسلامية"، يقوم بدوره باختيار رئيس وزراء للإقليم الجديد، لولاية تنتهي عام 2022.
رحلة الحكم الذاتي بدأت
وقال مهاجر إقبال، كبير مفاوضي "جبهة تحرير مورو الإسلامية"، لوكالة رويترز، في اتصال هاتفي: "رحلتنا الحقيقية نحو الحكم الذاتي بدأت لتوها"، وأشار إلى تحديات يمكن أن توقف تنفيذ القانون.
وقال وسط تكبيرات الحشود، في كلمة تم بثها على الهواء مباشرة بشبكات التواصل الاجتماعي: "ما زلنا لا نعرف ما إذا كانت جماعات أو أفراد سيطعنون على قانون الحكم الذاتي الجديد أمام المحكمة العليا".
من جهته، أشار زعيم "جبهة تحرير مورو الإسلامية"، الحاج مراد إبراهيم، إلى أنّ تركيا كان لها دور فاعل ورسمي في عملية السلام مع الحكومة الفلبينية، ضمن المجموعة الدولية التي ضمَّت أيضاً بريطانيا والمملكة العربية السعودية واليابان، بحسب وكالة الأناضول التركية.
من هم مسلمو مورو؟
يطلق اسم "مورو" على المسلمين الذين يعيشون في جزر: مينداناو، وبالاوان، وأرخبيل سولو، والجزر الجنوبية الأخرى من الفلبين.
ويمثل شعب مورو نحو 11% من سكان البلاد، البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، واعتنقوا الإسلام في القرن الـ14، ويتمركزون في مدن ماغوييندانايو، ولاناو ديل سور، وسولو، وطاوي طاوي، وباسيلان.
أما كلمة "مور-Moor"، فتعني "مغربي"، وهي محوّرة من الكلمة اللاتينية "Mauru" التي كانت تطلق على سكان ولاية موريتانيا في الإمبراطورية الرومانية القديمة، التي تضم اليوم كلاً من الجزائر، وموريتانيا، والمغرب.
ويطلق الاسم على الكثير من الأقليات المسلمة التي اختلطت بالأندلسيين الذين هجّرهم الإسبان إلى مستعمرات ما وراء البحار.
دخول الإسلام للفلبين
على مدار قرون، دخل الكثير من سكان المنطقة الإسلام تأثراً بالتجار العرب، القادمين من شبه الجزيرة العربية، وخصوصاً في الجنوب، وأسهمت المصاهرة فيما بينهم في نشره.
وفي منتصف القرن الـ15، بدأ الإسلام بالانتشار من المناطق الساحلية إلى الجبلية والداخلية، ودخل المؤسسات التعليمية ومن ثمّ الإدارية.
وحتى منتصف القرن الـ20، كان شعب مورو يعيش في دولة مستقلة خاصة، ومع إلحاقهم بالفلبين، من قِبل الإدارة الاستعمارية الأميركية، باتوا أقلية في كيان أكبر.
وبدأ شعب مورو، عبر مفاوضات سياسية، السعي لاستعادة استقلاله من جديد، في حين سلكت عدة مجموعات الخيار المسلح؛ لتعثر المساعي السلمية.
كيف بدأ الكفاح المسلح؟
تحولت الهجمات ضد مسلمي المنطقة إلى تطهير عرقي؛ ما دفع العديد من أبناء الأقلية، في سبعينيات القرن الماضي، إلى إنشاء "جبهة تحرير مورو الإسلامية"، وحمل السلاح دفاعاً عن النفس.
وتسبب النزاع بين الدولة والمسلحين المسلمين، خلال 4 عقود، في مقتل أكثر من 120 ألفاً من أبناء مورو، ونزوح نحو مليونين.
بدأت اللقاءات بين الأطراف عام 1997، ومع انطلاق مفاوضات السلام في 2012، تم الاتفاق على وقف إطلاق النار.
وتنازلت "جبهة تحرير مورو الإسلامية"، في المفاوضات التي جرت بوساطة ماليزية، عن تأسيس دولة مستقلة في مينداناو، وتم الاتفاق على تأسيس منطقة حكم ذاتي تحمل اسم "بانغسامورو".
مفاوضات السلام تكتسب زخماً جديداً
اكتسبت مفاوضات السلام زخماً بعد انتخاب دوتيرتي رئيساً للبلاد، والذي ركز على "إنهاء الأزمة" في وعوده الدعائية.
وعرضت "جبهة تحرير مورو الإسلامية" مشروع قانون "بانغسامورو" الأساسي على الرئيس الجديد، وبعد مداولات صدَّق البرلمان الفلبيني أخيراً على صيغة القانون النهائية، بما يمنح الحكم الذاتي لولاية مينداناو والجزر المحيطة بها.
ما هو مصير "جبهة تحرير مورو الإسلامية"؟
سيترك 30% من عناصر الجبهة السلاح، بموجب الاتفاقات الموقعة، ليعودوا إلى الحياة المدنية، على أن يلتحق بهم البقية بحلول عام 2022.
كما ستتحول "جبهة تحرير مورو الإسلامية" إلى كيان سياسي خاضع لقانون الأحزاب، يتم الإعلان عنه في اجتماع نهائي لإعلان انتهاء مرحلة مفاوضات السلام.
ما هي مكاسب المسلمين من الاتفاقية؟
مع دخول قانون "بانغسامورو" حيز التنفيذ، يُتوقع أن يحقق المسلمون مكاسب قانونية واقتصادية.
إذ من المقرر أن يتم تأسيس حكومة بصلاحيات واسعة، وفتح محاكم تطبق أحكام الشريعة الإسلامية بشكل مستقل.
ومن شأن الاستقرار المرجو تحقيقه أن يفتح المنطقة للاستثمارات، سواء الداخلية أو الخارجية، وأن يعزز فرصها في التنمية ورفع مستويات التعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن الأمن.