قالت صحيفة The Financial Times البريطانية إن هناك تراجعاً عن الاستثمار في المملكة من قبل عائلات تجارية سعودية ثرية، وذلك في ظل التوتُّر الناجم عن حملة الرياض ضد الفساد التي فاقمت مشكلات مناخ الأعمال الهشّ بالفعل.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مصرفيين قولهم إن أصحاب الأعمال الخاصة لجأوا إلى الاحتفاظ بأموالهم، بينما يبحث الآخرون عن سبل لنقل أموالهم إلى خارج البلاد. ومع ذلك يقول المصرفيون إن بعض الأثرياء السعوديين يخشون من أن شؤونهم المالية، بالأخص محاولات تحويل الأموال، يجري رصدها لمنعهم من نقل أصولهم إلى خارج الدولة.
وصرَّح أحد مديري الثروة السعوديين قائلاً: "لقد حقَّق أحد موظفي الحكومة بالبنك في حوالة بـ30 ألف دولار أرسلها أحد أقرباء رجل أعمال واسع النفوذ. هذه مراقبة رأسمالية مسُتَهدَفة، لكنها على نطاقٍ واسع".
وقال مدير الثروة أيضاً إن حوالات أكبر أجراها أمراء ورجال أعمال سعوديون قد حُظِرَت. وأضاف قائلاً في حديثه إلى صحيفة The Financial Times البريطانية: "طلب أحد الأمراء تحويل الملايين إلى عقار في لندن، لكنه مُنِعَ من ذلك". وقد طلب المدير، مثل الآخرين الذين تحدثوا إلى الصحيفة البريطانية، عدم الكشف عن اسمه نظراً لحساسية الموضوع.
تقويض جهود بن سلمان
وترى الصحيفة البريطانية أن مثل هذا التوتر وفقدان الرغبة في الاستثمار من شأنه أن يهدد بتقويض جهود وليّ العهد محمد بن سلمان لإصلاح الاقتصاد المعتمد على البترول بصفة أساسية وخلق 1.2 مليون وظيفة في القطاع الخاص للسعوديين بحلول 2020. فقد بلغت البطالة نسبة 12.9% في الربع الأول من العام الجاري، وهي أعلى نسبة مُسجَّلة.
يقول المصرفيون إن عدة عوامل قد أسهمت في كبح الاستثمار، منها رفع تكاليف توظيف الأجانب، الذين يشغلون أكثر من 80% من القوى العاملة في القطاع الخاص، ومخاوف من إطلاق وليّ العهد حملة أخرى ضد الفساد.
وفي وقت سابق، كان قد أُلقي القبض على أكثر من 300 من كبار رجال الأعمال والأمراء والمسؤولين الحكوميين في تطهير الفساد في نوفمبر/تشرين الثاني واحتُجِزوا في فندق ريتز كارلتون في الرياض.
وتُصِرُّ الحكومة على أن الإجراءت الصارمة كانت ضروريةً لمعالجة الاحتيال في مجتمع التجارة. وأُطلِقَ سراح معظم المُحتَجَزين بعد موافقتهم على تسوياتٍ سلَّموا بموجبها أصولهم ونقودهم إلى الدولة. تقول الرياض إنها ستحصل على 100 مليار دولار من حملة التطهير.
الاحتفاظ بالثروات
ويقول المصرفيون إن على عائلات الأمراء ورجال الأعمال الذين ما زالوا قيد التحقيق التقديم على معاشاتٍ من أرصدة البنوك المُجمَّدة. وبعضهم ممنوع من تبديل الريالات بعملاتٍ أخرى، وبذلك يُضمَن الاحتفاظ بثرواتهم داخل الحدود السعودية.
يقول مصرفي آخر إن بعض العائلات السعودية كانت تبحث عن طرق خفية لتهريب الأموال خارج المملكة، بما في ذلك الاستثمار في عروضِ أعمالٍ في إحدى دول العالم الثالث الصديقة، مثل مصر.
وقال المصرفي: "يحاولون إرسال مبالغ أقل من ذي قبل كي لا تلفت الأنظار، فهم ما زالوا قلقين من أنهم يجري رصدهم".
بالإضافة إلى التخوُّف الناجم عن حملة الفساد، تعاني الشركات السعودية من ارتفاع التكاليف وفترة من ركود النمو الناتج عن فترة مُطوَّلة من انخفاض أسعار النفط. لقد أُصيب أكبر اقتصاد في العالم العربي بركودٍ العام الماضي 2017 قبل العودة إلى النمو بنسبة 1.2% في الربع الأول.
تفاؤل حكومي
يتفاءل المسؤولون الحكوميون بأن عودة النمو، بالإضافة إلى ما جرى حديثاً من ضم البورصة إلى مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة، سيسهمان في إنعاش المناخ الاقتصادي.
إذ صرَّح وزير المالية محمد الجَدعان الشهر الماضي، يونيو/حزيران: "سيكون هناك دورٌ كبير للمشاركة المُرتقَبة من مزيدٍ من المستثمرين الدوليين في تنمية السوق، وتطويرها وإنضاجها".
خلال الأشهر الـ18 الماضية رفعت الرياض أسعار الطاقة والوقود بوقف الدعم الحكومي لأجل الحدِّ من الاستهلاك ومعالجة العجز الثقيل في ميزانية الحكومة. ورفعت المملكة كذلك رسوم توظيف المغتربين ما أسفر عن رحيل الأجانب بأعدادٍ قياسية، إذ غادر أكثر من 700 ألف الدولة منذ بداية 2017.
وهبط الاستثمار الأجنبي المباشر أيضاً من 7.45 مليار دولار في 2016 إلى 1.42 مليار دولار العام الماضي، وفقاً للبيانات الصادرة من الأمم المتحدة الشهر الماضي.
وقال باسم السلوم، نائب محافظ الهيئة العامة السعودية للاستثمار، إن هناك زيادةً كبيرةً هذا العام عن سابقه في عدد الشركات المقَدِّمة على رخص لافتتاح مقرات لها في المملكة.
وجاء في تصريحاته: "هناك كثير من الفرص الناشئة في السعودية، وهناك اهتمام، بالذات من المستثمرين الأجانب، باستكشاف السوق السعودية في ظل التغييرات والتشريعات الجديدة المُقَرَّرة لتمكين الأعمال".
خوف من الاستثمار وبيع للقصور
إلا أن مديراً عاماً سعودياً كان قد وصف الحملة ضد الفساد بكونها "صدمة"، لكنها أيضاً "خطوة في الاتجاه الصحيح". وقال إن المناخ العام يوحي بأن "النقود هي الحاكمة، فاحتفِظ بها أطول فترة ممكنة".
وقال المدير العام: "أجد صعوبةً أشد بكثير الآن لجمع المال لأجل أي صفقة استثمارية؛ لأن الناس تساورهم الشكوك ويريدون التأكد من أنهم يتخذون القرار الصائب". وأضاف أن مقارنةً بالحال منذ عِقدٍ مضى، يتطلب الأمر "خمسة أضعاف" الجهد لأجل "إقناع عائلة بوضع نقودهم في أي صفقة، سواء كانت محليةً أو دوليةً".
وصرَّح مصرفيٌّ سعودي بأن الشعور العام بالتشاؤم يؤثر في سوق العقارات، مع سعي العائلات الثرية إلى بيع القصور، إذ قال: "أعتقد أنني أتلقى اتصالاً كل أسبوع من أشخاص يعرضون هذه القصور، قائلين: أتعرف أحداً يريد شراء القصر؟".
وتابَع: "ارتفعت قاعدة التكاليف، بسبب الضرائب والضرائب غير المباشرة، وعلى الطرف الآخر من المعادلة هناك حملة التطهير. فمع استمرار ذلك المناخ، سيظل الناس في حالة توتر".
وأضاف أن تحسُّن الشعور العام سيتطلب بعض الوقت، فقال: "يجب أن يحدث أحد أمرين: إما أن تؤتي هذه الإصلاحات ثمارها وتسير الأمور على خير، أو ترتفع أسعار النفط مجدداً".
اقرأ أيضاً