شدّد فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، على ضرورة التزام جميع أطراف الصراع في بلاده بالاستحقاق الانتخابي، وإعداد الإطار الدستوري لإجراء الاقتراع في موعده المحدّد.
جاء ذلك في لقاء جمع السراج، اليوم الإثنين، بمقر المجلس بالعاصمة طرابلس، بوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
ونقل بيان صدر اليوم، عن المكتب الإعلامي للسراج، تأكيد الأخير على "ضرورة التزام الأطراف الأخرى (في إشارة إلى مجلس النواب وخليفة حفتر) بالاستحقاق الانتخابي، وإعداد الإطار الدستوري لإجرائه في الموعد المقرر، وأن ينتهي أسلوب المناورات الذي ساد في الفترات الماضية".
من جانبه، عبّر وزير الخارجية الفرنسي عن سعادته بزيارة ليبيا مرة أخرى، وتقديره الكبير لما يبذله السراج من جهود لتحقيق الاستقرار في ليبيا.
وقال لودريان، إن جولته إلى ليبيا، التي بدأها بلقاء السراج، تأتي للتأكيد على تفاهمات لقاء باريس، ومن أجل تذليل العقبات أمام المسار الديمقراطي، وإجراء الانتخابات وفقاً لتلك التفاهمات.
ودعا السراج أيضاً إلى "ضرورة التركيز على إنجاح المسار السياسي، والعمل على إنهاء محاولات العرقلة التي تقوم بها بعض الأطراف"، دون تفاصيل إضافية حول الجزئية الأخيرة.
وأشاد بعمق العلاقة بين بلاده وفرنسا، وما تبذله باريس "من جهود منذ توقيع الاتفاق السياسي (في 2015)، وحتى الآن لتحقيق الاستقرار في ليبيا".
إذاً البعض يعوّل على تفاهمات مؤتمر باريس
ووفق البيان نفسه، قدّم فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، للوزير الفرنسي لمحة عن التداعيات السلبية لما حدث، مؤخراً، من تطورات في منطقة الهلال النفطي، وعن محاولات البعض "التنصّل" من تفاهمات باريس.
واجتماع باريس "التاريخي" بحسب التوصيف الذي أطلقه عليه في حينه مضيفه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، جمع لأول مرة رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري ومقرهما في طرابلس، وغريميهما في شرق ليبيا المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ومقره طبرق.
واتفق المسؤولون الليبيون الأربعة يومها على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في العاشر من ديسمبر/كانون الأول واحترام نتائجها، كما اتفقوا على توحيد مؤسسات الدولة، ومن بينها خصوصاً البنك المركزي.
السراج سبق أن دعا للتفكير خارج الصندوق لحل أزمة ليبيا
والأربعاء الماضي، وأمام سفراء الدول الكبرى بتونس، دعا السراج للتفكير "من الآن في حلول خارج الصندوق، لإنهاء العرقلة المستمرة والمتزايدة لمجلس النواب".
والخميس الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبه كونته، معارضته تنظيم انتخابات بليبيا في ديسمبر/كانون الأول المقبل، مثلما تم الاتفاق عليه بين عدد من أطراف النزاع في ليبيا، بمؤتمر باريس، الذي رعته فرنسا، وأيدت الأمم المتحدة نتائجه.
كما تناول الاجتماع أيضاً ملف الهجرة غير الشرعية، حيث جدّد السراج تأكيده على الحل الشامل لهذه الظاهرة بأبعادها الأمنية والاقتصادية والإنسانية.
وفي الوقت نفسه، أعلن "رفضه التام" لفتح مراكز لاستقبال المهاجرين على الأراضي الليبية.
وبعد سبع سنوات على إطاحة نظام معمر القذافي في 2011، لا تزال ليبيا تتخبط بين سلطتين سياسيتين متنافستين هما حكومة الوفاق في طرابلس وأخرى في الشرق الليبي يسندها المشير خليفة حفتر. كما يعاني اقتصاد البلاد رغم الثروات النفطية الكبيرة.
وفي غياب سلطة مركزية ذات هيكلية باتت ليبيا نقطة انطلاق للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، رغم تراجع عدد العابرين إلى إيطاليا هذا العام.
كما أدى غياب سلطة مركزية تبسط سيطرتها على كامل أنحاء البلاد، إلى ظهور مجموعات إسلامية متطرفة ما زالت تنشط في مختلف المناطق في ليبيا.
وفي محاولة لبسط الاستقرار في البلد تراهن فرنسا على الانتخابات، وتدافع عن موقفها إلى جانب المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة، مخاطرة بإثارة حفيظة باقي الدول المؤثرة في ليبيا وأولاها إيطاليا.
ويريد الوزير الفرنسي، من خلال اجتماعاته في طرابلس، الضغط في هذا الاتجاه. وأوضح مقربون منه "يجب الاستمرار في الضغط مع مَن انخرطوا في مسار (باريس) وتوسيعه ليشمل آخرين".
والشرط الأوّلي لذلك هو التوصل إلى توافق بشأن "قاعدة دستورية" وقانون انتخابي بحلول 16 سبتمبر/أيلول، في وقت يستمر فيه تنازع الفاعلين السياسيين والميليشيات على السيطرة على البلاد.
وكانت أزمة النفط من المشاكل التي تُعيق التوصل لحلول
وفي نهاية حزيران/يونيو جرى صراع بين السلطتين المتنافستين بشأن السيطرة على موانئ تصدير النفط التي انتزعها "الجيش الوطني الليبي" بقيادة حفتر من ميليشيا محلية.
وعهد حفتر، الذي يطالب بنصيب أكبر للشرق من العائدات النفطية، بإدارة العديد من المواقع النفطية للسلطة الموازية، قبل أن يتراجع عن موقفه.
ورأى المحلل جلال الحرشاوي أنه بعد هذه التطورات "حدث تراجع تدريجي إزاء الطموح المعلن في 29 مايو/أيار" بباريس.
كما تملك الدول المؤثرة في المشهد الليبي و"الراعية" لقوى ميدانية مختلفة، أجنداتها. وبين هذه الدول إيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وإقليمياً هناك تركيا وقطر ومصر والإمارات.
ويرى كثير من المراقبين أن الجدول المعلن طموح أكثر من اللازم بالنظر إلى الخصومات الميدانية وينصحون بالبدء بالعمل على استقرار الاقتصاد.
وحذر الباحث بواشنطن ألكسندر دوسينا من أن تنظيم "انتخابات بشكل متسرع سيؤدي إلى موجة عنف وربما استئناف الحرب الأهلية على نطاق واسع في هذا البلد".
فقد تسعى ميليشيات تخشى فقدان السيطرة على بعض موارد البلاد، إلى عرقلة تنظيم الانتخابات.
كما رأى السيناتور الفرنسي سيدريك بيرين وهو أحد مؤلفي تقرير أولي عن ليبيا، أنه لا يجب على ماكرون أن يخلط بين "السرعة والتسرع وبين العمل والاتصال".
وأوضح "أن تنظيم انتخابات مع نهاية العام، يبدو أمراً بالغ التعقيد، مع أن هذا هو الاتجاه الواجب سلوكه".
وزير الخارجية الفرنسي جاء من تونس لليبيا
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان زار تونس أمس الأحد، وأكد ضرورة المضي قدماً في العملية السياسية في ليبيا وفقاً لبنود اتفاقية باريس التي تنص على إجراء انتخابات في ديسمبر/كانون الأول في البلد الغارق في الفوضى.
وقال لودريان عقب لقائه في تونس الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي "لقد تباحثنا سوياً في الوضع الأمني والسياسي في ليبيا (وضرورة) إنجاز المسار الذي تم إقراره خلال اجتماع باريس".
وأوضح الوزير الفرنسي أنه سيزور ليبيا قريباً، لدعم تنفيذ خريطة الطريق التي أُقرت في اجتماع باريس في 29 مايو/أيار الماضي.
وتتنازع على السلطة في ليبيا الغارقة في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011 سُلطتان: حكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن عملية رعتها الأمم المتحدة، وتعترف بها الأسرة الدولية، وحكومة موازية في الشرق تحظى بتأييد آخر برلمان منتخب.
وكانت تونس اعتبرت في الأسبوع الماضي على لسان وزير خارجيتها خميس الجهيناوي، الذي التقى القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، أن الاتفاق السياسي الليبي، المبرم في منتجع الصخيرات بالمغرب نهاية عام 2015 "يظل هو الإطار الأنسب من أجل استكمال المرحلة الانتقالية في ليبيا، عبر تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية في ديسمبر/كانون الأول المقبل".
وبينما اكتفى حفتر، في بيان مقتضب أصدره مكتبه، بالإشارة إلى أنه بحث مع الجهيناوي في مقر القيادة العامة للجيش بالرجمة، الكثير من المستجدات المحلية والدولية، نقلت وكالة الأنباء التونسية عن الجهيناوي قوله: إن تنظيم الانتخابات الليبية "من شأنه أن يفسح المجال أمام إرساء دولة القانون والمؤسسات الجمهورية، وتركيز الجهود على إعادة الإعمار السريع للبلاد، بما يتماشى والتوصيات الصادرة عن الندوة الدولية حول ليبيا، المنعقدة في شهر مايو/أيار الماضي بباريس تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة".
أما القاهرة فسبق أن التقى السيسي بوزير الخارجية الفرنسي نهاية الشهر الماضي
وسبق أن التقى الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، مع وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في 29 يونيو/حزيران 2018 وأكد الطرفان خلال اجتماعهما على أهمية إجراء الانتخابات الليبية وسبل الدفع بالحل السياسي لتسوية الأزمة في ليبيا.
وحول مخرجات اللقاء، قالت الرئاسة المصرية في بيان لها: "إن الجانبين أكدا إرادتهما الواضحة للعمل على إعادة الأمن والاستقرار في ليبيا، خاصة في ظل ارتباط ذلك المباشر بأمن مصر ومنطقة البحر المتوسط".
وأكد الطرفان أهمية توحيد الجيش الليبي، وما تحمله هذه الخطوة من تأثيرات إيجابية على الوضع في ليبيا، كما شددا على أهمية إجراء الانتخابات التي تعد الطريق الوحيد نحو الاستقرار.