يُعزِّز استسلام قوات المعارضة السورية جنوب غربي سوريا، عقب سقوط الغوطة الشرقية والتقدم العسكري للنظام في مناطق أخرى، التوقعات القاتمة بأنَّه لا شيء الآن يمكن أن يمنع رئيس النظام بشار الأسد من تحقيق نصرٍ نهائي – بصورةٍ ما – في الحرب السورية.
لكن على الرغم من ذلك فإن الاستعادة المادية الملموسة للأراضي لا تُترجم بالضرورة إلى استعادة للسلطة السياسية، وفقاً لما جاء في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، نشرته أمس السبت 21 يوليو/تموز 2018.
وبالنسبة للأسد المُحاصَر من جانب "الأصدقاء المفترسين"، والجيران المُتربّصين والمنبوذ دولياً، فإن السؤال الأكبر هو: بعد الصمود في الحرب، هل يستطيع الحفاظ على السلام؟
سوريا تحت نفوذ الدول
ويدين الأسد بشدة لروسيا التي حال تدخلها العسكري عام 2015 دون سقوط نظامه، وكذلك لإيران، التي هرعت أيضاً لنجدته، وحتى الآن يعتمد على دعمهما له، لكنه قد دفع كلاهما ثمناً باهظاً لتأمين حصتهما في تشكيل مستقبل سوريا. ولن يتخلوا عن ذلك سريعاً، الأمر الذي قد يؤثر على قوة الأسد نفسه.
وبالإضافة إلى النفوذين الإيراني والروسي، فهناك أيضاً نفوذ تركي واسع في الشمال، ففي عام 2016، قامت القوات التركية بمشاركة مع فصائل من المعارضة السورية، بعملية عبر الحدود ضد القوات الكردية السورية، وسيطرت خلالها على منطقةٍ غرب نهر الفرات، كما سيطر الأتراك ومعارضون سوريون على أراضٍ إضافية في عفرين شمالي حلب.
ولا تزال الميليشيات الكردية تتمتع بسطوة في شرق وشمال شرقي سوريا، وهي مدعومةً بحوالي 2000 من القوات الأميركية وسلاح الجو الأميركي، حيث تركز الولايات المتحدة على تعقُّب مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، لكنَّ وجودها في سوريا يمنحها انخراطاً في اللعبة الاستراتيجية الأكبر.
وإذا كان هنالك من منطقة تُعتبر معقل المعارضين للنظام الآن، فهي محافظة إدلب الواقعة في الشمالي الغربي لسوريا، والتي ينزح إليها المسلحون من جنوب البلاد.
أصبحت إدلب الملجأ الأخير لأكثر من مليوني مدني نازح. وتُمثّل أيضاً قاعدة لفصائل إسلامية، وفي ذات الوقت خصوم النظام العلمانيين.
إدلب المرحلة الأخيرة
وبحسب تقرير صحيفة The Guardian فإذا كان الأسد سينهي الحرب، فإنَّ إدلب هي المكان الذي سيستهدفه هو وحلفاؤه، لكن هذه الاحتمالية تثير ذعر الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، إذ يخشون تكرار شن غارات جوية وبراميل متفجرة وهجمات بالأسلحة الكيميائية قاتلة على غرار ما حدث في الغوطة.
ولا أحد يعرف بالظبط ما تم الاتفاق عليه بشأن سوريا عندما التقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنك، وهذا يشمل الأشخاص الذين ينبغي أن يعرفوا حقاً، مثل الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط. وقد اعترف فوتيل بأنَّه لم يتلقَّ "أي توجيهٍ جديد".
ومع ذلك، تصبح بعض النقاط في الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا أكثر وضوحاً. والنقطة الأهم هي اعتقاد كليهما أنَّه يجب تجنُّب مزيدٍ من عدم الإستقرار، لاسيما على طول الحدود السورية الإسرائيلية. وهذا يعني، من الناحية العملية، قبول الولايات المتحدة ببقاء الأسد في منصبه، ويبدو أنَّ ترمب قد امتثل بخنوع، بحسب الصحيفة البريطانية.
وفي المقابل، تريد الولايات المتحدة – بتحريضٍ من حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل – من الروس ضمان إبقاء القوات الإيرانية في سوريا بعيداً عن الحدود الإسرائيلية. وسيُفضِّل نتنياهو إبعادهم عن سوريا تماماً. لكن سيتعيَّن على ذلك الانتظار حتى تصل حرب الاستنزاف المتسارعة التي يشنها ترمب ضد إيران إلى ذروتها هذا الخريف.
سياسات ترمب خدمت بوتين
وساعد ترمب، من خلال سحب الدعم المُقدَّم للمسلحين في الجنوب والتخلي عن "منطقة خفض التصعيد" التي أُقيمت العام الماضي، بوتين والأسد على تسريع استسلام قوات المعارضة الأسبوع الماضي في الجنوب السوري.
وسار ترمب أيضاً في هلسنكي باستكانة على خطا بوتين حين بادر الأخير بالتأكيد على الحاجة لإعادة هدنة عام 1974 في هضبة الجولان.
وقالت The Guardian إن ترمب ربما لم يسمع إطلاقاً عن اتفاقية 1974. ومع ذلك، بدا مرةً أخرى راضياً للتنازل عن المبادرة الجيوسياسية لبوتين. هذه ستكون مواقف يعرفها الكثيرين في الكونغرس وحلفاء الناتو، الذين دعموا إسقاط الأسد منذ عام 2011، لأول مرة.
الخبر الجديد أيضاً هو ادعاء ترمب أنَّ القوات العسكرية الأميركية والروسية تُنسّقان مع بعضها البعض عن كثب في سوريا. وتجاهل بيانه الحوادث عندما قاتل المرتزقة الروس القوات الأميركية الخاصة وتصادمت الطائرات الحربية الأميركية والروسية تقريباً.
إيران تخشى الأسوأ
وأعلن بوتين، مُغتنِماً الفرصة لإضفاء مزيدٍ من الشرعية على هيمنته في سوريا وتطبيع العلاقات الثنائية، أنَّ سوريا بالإمكان أن تصبح "نموذجاً ظاهراً" للتعاون العسكري الثنائي. فيما أشار الجنرال فوتيل في وقتٍ لاحق إلى أنَّ هذا مخالف للقانون الأميركي.
ورأت الصحيفة البريطانية أن منح الثقة من جانب ترمب في الأسد وداعميه الروس سيسعِد أطرافاً خليجية، مشكلتها الرئيسية (كما هو حال إسرائيل) مع طهران. وسيتساءل ملالي إيران، بشكل معقول، ما إذا كان الأسد يُجهِّز لطعنةٍ في الظهر".
وبمجرد انتهاء الحرب، سيكون مستبعداً أن يرغب الأسد في استمرار استخدام سوريا كقاعدة أمامية لطموحات إيران الإقليمية، تماماً كما هو الحال مع احتلال تركيا المستمر في الشمال.
كذلك لا يمكن لإيران الثقة كلياً في بوتين. لكنَّ قدرتها على كبح جماحه تتضاءل، إذ تُقوِّضها عزلة دولية و أزمة اقتصادية متنامية. وقد تجد إيران نفسها غير قادرة على نحوٍ متزايد من تحمُّل تكلفة انخراطها في التعقيدات الأجنبية مثل سوريا واليمن، سواء سياسياً أو مالياً.
من جانبها، سيكون لدى إسرائيل مصلحة في وجود نظامٍ مستقر بقيادة الأسد، إن كان ذلك سيساعد في الحد من التهديد الإيراني، وفقاً لـ The Guardian، التي أضافت قائلة: "بينما تتجه الحرب نحو حلقتها الأخيرة في إدلب، فإنَّ بوتين في طريقه إلى الخروج كفائزٍ واضح، جارَّاً الأسد وراءه. ويبدو أنَّ أكبر الخاسرين هم إيران والقيادة الأميركية العالمية، والأهم من كل ذلك، الشعب السوري".