كان من المفترض أن تغمرها السعادة في اللحظة التي عادت فيها إلى عائلتها مجدداً بعد سنوات من الاستعباد على يد تنظيم الدولة الإسلامية، لكن بدلاً من ذلك كان ذاك اليوم من أسوأ الأيام في حياة سوهام.
قضت المرأة البالغة من العمر 23 عاماً المسافة التي تستغرق 5 ساعات من الموصل حتى دهوك في إقليم كردستان العراق وهي في حالة من الألم، بحسب صحيفة The Telegraph البريطانية.
تبكي سوهام على ابنتها التي أُجبِرت على تركها في العراق
تقول إنه لم يكن الخيار بيدها لتتخلى عن ابنتها التي تبلغ من العمر عاماً واحداً. لكن عمها أوضح أن الطفلة، التي وُلِدت نتيجة للاغتصاب من قبل أحد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، لن تُقبل أبداً في المجتمع الأيزيدي المغلق.
قالت سوهام "بكيت وصرخت، وأخبرت عمي أنها من لحمي ودمي، لكنه جعلني أوقع على الوثيقة وسلم الطفلة للمسؤولين العراقيين. وقال إنها ستذهب إلى مكان مخصص للأطفال أمثالها".
سوهام ليست وحدها، فقد تعرض أكثر من 6,400 امرأة وطفلة من الأقلية الأيزيدية للاستعباد
بدأت الحكاية عندما اجتاحت الجماعة المسلحة شمال العراق في عام 2014، وقاموا بإجبار النساء الشابات والفتيات المراهقات على الزواج من الجهاديين.
ورغم أن الشيوخ الأيزيديون أصدروا قراراً بأنه ينبغي الترحيب بهن مرة أخرى بصدر رحب عندما تحررت الموصل العام الماضي، إلا أنهم قضوا بأنه لا يُمكن لأي من أطفالهن المولودين لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية العودة معهن.
بالنسبة لهم، يعتبر الأطفال تذكيراً مؤلماً بسنوات العنف
لا توجد أرقام رسمية عن أعداد هؤلاء الأطفال الذين أُرسِلوا إلى دور الأيتام التابعة للحكومة العراقية في بغداد أو تركوا في سوريا، حيث أفادت تقارير بأن وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) تدير داراً للأيتام هناك.
بيد أن المنظمات غير الحكومية تحذر من أن فصل الأم عن طفلها قد يؤدي إلى حدوث صدمة دائمة يمكن أن نلمسها في العراق على مدار الأجيال القادمة.
أما ما تعرضت له سوهام فاستمر لثلاث سنوات..
بينما كانت تجلس في خيمة سيئة التهوية في أحد مخيمات المشردين المكتظة في منطقة دهوك حيث يستقر عشرات الآلاف من الأيزيديين في الوقت الحالي، تحدثت سوهام عن الرجل الثاني الذي اشتراها أثناء فترة استعبادها لمدة ثلاث سنوات على يد تنظيم الدولة الإسلامية.
في البداية، تلقت معاملة قاسية على يد المقاتل متوسط الرتبة التابع لتنظيم الدولة الإسلامية، وقام بضربها واغتصابها. ولكن بمجرد أن اكتشف أن سوهام تحمل طفلته، تغير موقفه قليلاً. وأطلق على الطفلة اسم زينب، ويعني "جوهرة الوالد الثمينة".
كان آخر شيء تريده هو أن تحمل من أحد مقاتلي داعش
قالت سوهام، لقد "كرهته، وكرهتهم جميعاً.. لكني بمجرد أن وُلِدت طفلتي، أحببتها على الفور، إِذْ تحب جميع الأمهات أطفالهن". وأخرجت صورة لطفلة صغيرة ذات شعر أسود مجعد وعينين بنيتين واسعتين وبشرة شاحبة.
وبعد مقتل المقاتل التابع لتنظيم الدولة الإسلامية في غارة جوية في صيف عام 2017، فرّت سوهام إلى مخيم حمام العليل للمشردين، الذي يقع جنوب الموصل. وعندما تواصلت مع أسرتها، ظنّت أنهم سيتقبلون طفلتها. وقالت "لو كنت أعلم أنني مخطئة في ذلك، لما عُدت إليهم أبداً".
سوهام ليست وحدها، هناك نساء كثر مثلها..
تحدثت صحيفة ذا صنداي تلغراف The Sunday Telegraph مع 4 نساء أيزيديات أنجبن أطفالاً من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في إقليم كردستان في العراق، وقد تعرضن جميعاً لضغوط من أفراد عائلاتهن للتخلي عن أطفالهن.
وأكد المتحدث باسم وحدات حماية الشعب YPG على وجود حالات مشابهة داخل المجتمع الأيزيدي في سنجار وروج آفا، وهي منطقة الإدارة الكردية في شمال سوريا.
وطلبن جميعاً عدم الكشف عن هويتهن، خوفاً من المعاملة التي ربما يتلقينها من المجتمع.
ومعظمهن يدفعن ثمناً الآن، وهو الرفض الاجتماعي
وجرت المطالبة ببعض الأطفال الذين تُركوا في دور الأيتام من قبل عائلات مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية عن طريق إجراء اختبارات الحمض النووي. ولكن في مجتمع يمكن أن تُعرِّض فيه الروابط الضئيلة بالجماعة الجهادية الأسرة لخطر الاعتداءات من الأهالي، فقد كُتِب على الأغلبية أن يعيشوا في ظل الرفض الاجتماعي.
قالت هالة الصراف، مؤسسة منظمة مدخل العراق الصحي (IHAO)، التي ساعدت في العثور على منازل لهؤلاء الأطفال في دور الأيتام، "لا تكمن المشكلة في العيش داخل دار للأيتام؛ إنما تكمن المشكلة في أثر الحرب الذي سيستمر لفترة أطول بعد انتهاء الحرب".
أما ألم الانفصال عن أبنائهن فقصة أخرى
بالنسبة للنساء الأيزيديات ممن أُجْبِرن على التخلي عن أطفالهن، فإن صدمة الانفصال تتفاقم بسبب الوصمة العالقة، بغض النظر عن سياسة الصدر الرحب التي ينتهجها المجتمع.
قالت كريسين فيلبس، المدير الإقليمي لمنظمة أطفال الحرب War Child، إن معدلات الانتحار بين النساء اللاتي أُرغمن على التخلي عن أطفالهن مرتفعة، وأضافت أنه لا يوجد سوى القليل من الدعم أو الموارد في مخيمات اللاجئين التي تعاني من نقص التمويل حيث تعيش الآن الأيزيديات في حالة من التجاهل والإهمال.
لا شيء يمكن أن يحل مشكلتهن سوى تدخل الحكومة بتغيير القانون
وتعتقد بهار علي، مديرة منظمة EMMA لتنمية الموارد البشرية، وهي إحدى المنظمات التي تعمل مع النساء الأيزيديات، أن إجراء تغييراً في القانون العراقي لتمكين النساء من نقل أسماء عائلاتهن وديانتهن إلى أطفالهن يمكن أن يساعد على تخفيف بعضٍ من الشعور بوصمة العار.
بموجب القانون الحالي، يُعتبر الأطفال الذين يُولدون لأب مسلم مسلمين، والأيزيدية ديانة مغلقة؛ إِذْ يعتبر فقط الأطفال الذين يُولدون لأبوين أيزيديين جزءاً من الديانة القديمة.
لكن هناك مشكلة أخرى لدى القادة الأيزيديين..
وأضافت بهار، "يخشى القادة الأيزيديون من أنهم إذا قبلوا هؤلاء الأطفال، فسوف يؤدي ذلك إلى المزيد من حالات الزواج من غير الأيزيديين في المستقبل وأنه لن يكون هناك المزيد من الأيزيديين في غضون بضع مئات من السنين. فبالنسبة لهم، تعد هذه إحدى الطرق التي يحافظون بها على مجتمعهم".
وفي الوقت ذاته نبْذ هؤلاء الأطفال يمزق أواصر الأسر بالفعل
أثناء فترة أسرها التي استمرت لثلاث سنوات، التقت نديمة، التي تبلغ من العمر 31 عاماً، بالعديد من الأيزيديات ممن رفضن العودة إلى المنزل خوفاً من إجبارهن على الانفصال عن أطفالهن.
كما أنجبت نديمة أيضاً ولداً من أحد المقاتلين الأجانب لتنظيم الدولة الإسلامية. وعندما جرى تحريرها، أخبرت زوجها في كردستان، الذي أنجبت منه هو الآخر أطفالاً.
وقالت من منزلها الذي يقع في قرية بالقرب من مدينة دهوك، "وعدني زوجي بأنه يمكنني إحضار الطفل. وتبين أنها كذبة. وبعد أن هربت منذ 7 أشهر، أرغمني على تركه مع القوات المتواجدة على الحدود السورية العراقية".
فكثير من النساء رفضن العودة بعد أن علمن أن أهاليهن لا يفون بوعودهم
في البداية، اعتقدت أنها تستطيع زيارة ابنها كل شهر، لكن الآن ليس لديها أي فكرة عن مكان وجوده. وفي أحد الأيام، هربت من المنزل في محاولة للعثور عليه. وفشلت خطتها وأُعِيدت إلى عائلتها وهددها والدها بقتلها ما لم تنس ابنها.
قال سعيد، البالغ من العمر ثلاثين عاماً، إن عائلته وعدت شقيقته، بأنها يمكنها الإبقاء على طفلها إذا قبلت مساعدتهم على تهريبها خارج سوريا. لكنها سمعت قصص النساء الأخريات عدة مرات وترفض المجيء.
وقال سعيد "أعتقد أنها تعرف أن العديد من الأسر قالت نفس الشيء للنساء، ومازالوا يأخذون الأطفال منهن". وتابع قائلاً إنه لا يكترث لما يفكر به المجتمع، مضيفاً "أرغب فقط أن تعود أختي، حتى إذا كان ذلك يعني أن عليّ أن أشتري منزلاً بعيداً عن الجميع وأن أعتني بها وبالطفل بنفسي".