لم يكن حادثا بالصدفة في مطار القاهرة، بل كان الإشارة المصرية الأولى بأن مصر ستطارد معارضي البشير.
منع السلطات المصرية لزعيم المعارضة السودانية صادق المهدي من العودة إلى القاهرة بعد حضور مؤتمر في ألمانيا كان جزء من صفقة مصرية سودانية، لتبادل التضييق على المعارضة، وفق تقرير لموقع Middle East Eye.
لم تقدم السلطات المصرية أي مبرر لرفض دخول المسؤول السابق البالغ من العمر 82 عاماً والذي يتواجد حالياً في لندن، في الأول من يوليو/تموز. والمهدي آخر رئيس وزراء سوداني منتخب قبل الانقلاب العسكري الذي تزعمه البشير عام 1989، ويقيم في مصر منذ عام 2014.
معارضون سودانيون بالقاهرة قالوا للموقع أن هناك العديد من المؤشرات السلبية على أن السلطات المصرية سوف تحظر وربما تقوم بترحيل نشطاء المعارضة.
وسبق لمصر حظر أنشطة المعارضة السودانية منذ شهور وتم فرض العديد من القيود على تصاريح الإقامة الخاصة بهم.
كل المعارضة السودانية بالقاهرة أصبحت في مرمى الإبعاد
يعتقد النشطاء السودانيون في المنفى بمصر الآن أنهم يواجهون قمعاً وتهديداً بالترحيل بعد واقعة المهدي في مطار القاهرة. ومع بدء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارة على مدار يومين إلى الخرطوم يوم الخميس، هناك تخوف من أن تتوصل الحكومتان المصرية والسودانية إلى اتفاق للتعاون معاً من أجل قمع المعارضة السياسية.
ونقل الموقع عن مريم، ابنة الصادق المهدي ونائبة رئيس حزب الأمة الوطني، قولها إن والدها قد حظي بعلاقة ودية مع السلطات المصرية على مدار فترة زمنية طويلة، ولكنها رفضت أيضا أي تدخل مصري في الشؤون السودانية. "المهدي مستعد للتشاور مع السلطات والقيادة المصرية بأسلوب ودي حول المستقبل السياسي للسودان بصفة عامة، إلا أن توجه إصدار الأوامر والتدخل في صنع القرارات المحلية مرفوض تماما".
وأضافت مريم المهدي: ترتبط رحلة المهدي بجهود تحقيق السلام والاستقرار والديمقراطية في السودان. وتعلق هذه القضايا بجوهر السيادة في السودان؛ ومن ثم، ينبغي اتخاذ أي قرار يرتبط بتلك القضايا بصفة مستقلة دون أي تدخل أو ضغط خارجي.
وجريمة المهدي هي دعوته لإسقاط نظام البشير سلميا
والمهدي يحظى بدعم واسع النطاق من جانب اتباع حركة الأنصار الصوفية ويترأس حالياً تحالف نداء السودان المعارض، الذي ولد في أديس أبابا نهاية 2017.
يضم تحالف نداء السودان قادة الحركات المسلحة، والأحزاب المعارضة، والحركات الشبابية، والنشطاء المقيمين بالخارج. ومن الحركات المشاركة "جيش تحرير السودان"، "العدل والمساواة، "حركة تمرد السودان"، بجانب عدد من الأحزاب منها "الأمة، الليبرالي". ومن المتوقع أن يحدث بعد هذا التجمع شيء على الأرض، إذا تم التنسيق بين كل القوى والحركات، وموافقة الأطراف الانضواء تحت راية "نداء السودان".
وإثر اختيار المهدي رئيساً للتحالف في آذار (مارس) الماضي، أصدر التحالف إعلانا دستوريا أقر بالعمل على إسقاط النظام بالوسائل السلمية، لكن حركة أركو مناوي المشاركة قالت إن موافقتها على العمل السلمي لا تعني تخليها عن النضال المسلح.
دونت السلطات السودانية بلاغات ضد المهدي تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام لتحالفه مع حملة سلاح، لكن المهدي قال إنه غير آبه بهذه الإجراءات، واعتبرها "كيدية"، ورهن عودته إلى السودان بـ "إنجاز مهام وطنية".
وقالت مصادر مطلعة على ملف العلاقات المصرية- السودانية، إن السلطات المصرية أبلغت المهدي بضرورة عدم حضور مؤتمر تحالف المعارضة "قوى نداء السودان" في ألمانيا، لأن ذلك سيضع القاهرة في حرج كبير أمام القيادة السياسية في الخرطوم، خصوصاً بعد اختيار المهدي رئيساً للتحالف، وكان منعه من الدخول عقابا على مشاركته بالمؤتمر، كما قال في تصريحات صحفية.
فيما يرى أنصاره أنه الشخص المناسب لقيادة هذه المرحلة
يذكر بعض أعضاء المعارضة أنه لا يكاد يوجد ما يفصل المهدي عقائديا عن الحركة الإسلامية السودانية التي تسيطر على زمام الأمور بالبلاد خلال الثلاثين عاماً الماضية.
ويُذكر أيضا أن إخفاقات حكومة المهدي، بما في ذلك عجزه عن وقف الحرب الأهلية مع المعارضة فيما أصبح حاليا دولة جنوب السودان، هي التي أدت إلى خلق الظروف التي تمكن من خلالها البشير والجيش من السيطرة على زمام الأمور.
ويرفض الصحفي السوداني الحاج وراج ذلك ويقول إن المهدي زعيم ديني معتدل يلتزم بتحقيق الديمقراطية، "المهدي سياسي حكيم يستطيع قيادة البلاد خلال هذه اللحظة الفارقة. إنه يستهدف التوصل إلى حل تفاوضي مع النظام الحالي في السودان، ولكن ذلك يرجع إلى حرصه على تجنب الفوضى بالبلاد وبسبب معتقداته السياسية الخاصة".
قبل سنوات تبادلت العاصمتان العداوة واستقبال المعارضين
كانت القاهرة مركزا لأعضاء المعارضة السودانية منذ وقت طويل، حيث كانوا يتمتعون بعلاقات طيبة مع الحكومات المصرية في ظل حكم الرئيسين حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي؛ ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تعاطف البشير مع جماعة الإخوان المسلمين المحظورة.
واتهمت مصر الخرطوم أيضا باستضافة أعضاء الجماعة الذين فروا إلى السودان بعد أن أطاح السيسي بالرئيس محمد مرسي خلال انقلاب عسكري عام 2013.
تم اعتقال مئات من مؤيدي الإخوان المسلمين وإصدار أحكام بإعدامهم في مصر خلال حملة لفرض النظام وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش باعتبارها "أسوأ أزمة حقوقية في البلاد منذ عقود".
وتتمثل مصادر الخلاف الأخرى بين الخرطوم والقاهرة في النزاع الحدودي المستمر على إقليم مثلث حلايب الغني بالمعادن والمطل على ساحل البحر الأحمر، والمخاوف المصرية بشأن بناء سد النهضة بإثيوبيا، والذي تدعمه السودان، ولكن تخشى مصر أن يهدد إمداداتها من المياه.
ومع ذلك، نقل موقع Middle East Eye عن نشطاء سودانيين اعتقادهم أن البشير والسيسي قد اتفقا على تجاوز الخلافات، نظرا لوجود مصلحة مشتركة في قمع أي معارضة سياسية لنظام الحكم في البلدين.
وأخبر ناشط يقيم في مصر طلب عدم ذكر اسمه بسبب تخوفه على سلامته الشخصية الموقع الإلكتروني أنه وآخرين يسعون وراء الانتقال إلى دول أخرى وقال إن السلطات المصرية قد بدأت بالفعل في تعطيل أنشطتهم السياسية قبل شهور.
ورغم أن الحكومة السودانية لم تدل بأي تعليق على قضية المهدي، نقل الموقع عن أحد الدبلوماسيين قوله إن المسؤولين السودانيين والمصريين قد اتفقا من قبل على تضييق الخناق على المعارضة في كلا البلدين كجزء من خطوات "التطبيع".
السودان بدأت بطرد معارضي السيسي من الإخوان قبل عام
يُذكر أن السودان طردت في العام الماضي عشرات المصريين المتهمين بالارتباط بجماعة الإخوان المسلمين، حيث سافر البعض إلى تركيا وآخرون إلى ماليزيا، بحسب ما أوردته صحيفة الحياة.
وذكر الدبلوماسي، الذي اشترط عدم ذكر اسمه نظرا لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام، أن القضية قد نوقشت بين البشير والسيسي خلال لقاءات قمة رئاسية.
وقال "كانت قضية تواجد زعماء المعارضة السودانيين بمثابة إحدى العقبات التي تحول دون إقامة علاقات طبيعية بين البلدين. وتلتزم السلطات المصرية حالياً بوقف أنشطة المعارضة".
التقى البشير والسيسي خلال شهر مارس/آذار من هذا العام بالقصر الرئاسي بالقاهرة، قبل أيام قليلة من إعادة انتخاب السيسي في الانتخابات التي لم يعارضه بها أحد.
ونقل موقع Middle East Eye عن المحلل الأمني السوداني عباس الأمين قوله إن الحكومتين في القاهرة والخرطوم يتبنيان جدول أعمال أمنيا قمعيا، متطابقا في وجه المشكلات السياسية المتماثلة.
وقال الأمين إن "المخاوف الأمنية تدفع الجانبين حالياً إلى تطبيع العلاقات. وتسعى الأجهزة الأمنية لكلا البلدين إلى قمع أو ترحيل أو طرد أي من أنماط المعارضة. وتحرص مصر للغاية على وقف أنشطة جماعة الإخوان المسلمين على حدودها الجنوبية".
وهذه هي ظلال الأزمة الخليجية على أحداث وادي النيل
يعتقد المحللون أيضاً أن النزاع الإقليمي بين المملكة العربية السعودية وقطر، والذي تتخذ به مصر صف الرياض بينما تسعى السودان إلى الاحتفاظ بعلاقاتها بكلا الطرفين، قد أجبر الدولتين على الوقوف على أرضية مشتركة.
ونقل الموقع الإلكتروني عن المحلل السياسي أحمد الإمام قوله إن السودان قد تعرض لضغوط من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتطبيع علاقاته مع مصر، وربما تكون المصالحة الأخيرة بين إثيوبيا وإريتريا بعد سنوات من العداوة قد شجعت حكومة كل من البلدين على تبني نهج أكثر توافقاً.
وقال الإمام إن "النزاع بمنطقة الخليج أدى إلى وضع كلا الدولتين تحت ضغوط، كما أنهما كانا يعانيان بالفعل من أزمات أمنية واقتصادية مماثلة. وجد نظام الحكم في كلا البلدين أنه يعاني من ضغوط من خلال أطراف مختلفة في الشرق الأوسط والمنطقة الأفريقية للتراجع عن أي مواجهة".
ومع ذلك، نقل الموقع عن المحلل السياسي حسن بركيا أن سياسة مصر الجديدة يمكن أن يكون لها ثمن فادح. "أوضح ذلك أن مصر تقف إلى جانب النظام السوداني ضد شعب السودان. ويمكن أن يكلف ذلك مصر الكثير من مصداقيتها ونفوذها في السودان في المستقبل".