أعاد لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي بماتيو سالفيني، الأربعاء 18 يوليو/تموز 2017، إلى الأذهان، قضية الطالب جوليو ريجيني، الذي عثر على جثته، في الذكرى الخامسة لثورة يناير/كانون الثاني 2011، وحمل الجثمان آثار تعذيب شديد استمرَّ ﻷيام، وأسفر عن مقتله. ووجه اتهام إلى أجهزة اﻷمن المصرية بسبب آثار التعذيب التي وُجدت على جثمانه.
السيسي في لقائه جدَّد رغبة بلاده القوية في التوصل إلى نتائج نهائية في تحقيقات قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني.
الملف بدأ قوياً، جراء تصعيد إيطالي ضدّ القاهرة، بدأ بتهديدات في أبريل/نيسان 2016، بأنها ستتخذ إجراءات "فورية وملائمة" ضد مصر، إذا لم تتعاون بشكل كامل في الكشف عن الحقيقة وراء مقتل الإيطالي جوليو ريجيني، وردَّت مصر بأن ذلك يزيد "تعقيد الموقف".
واستمراراً للتصعيد في ذلك الوقت، استدعتْ إيطاليا سفيرها لدى مصر للتشاور، بعد إخفاق محقِّقين مصريين في تقديم أدلة طلبتها السلطات الإيطالية، وانتهاء بتصويت مجلس الشيوخ الإيطالي، في يونيو/حزيران 2016، لصالح قرار بوقف تصدير قطع غيار الطائرات الحربية (إف-16) إلى مصر؛ احتجاجاً على ما وصفه بعض أعضاء المجلس بأنه بطء في سير التحقيق.
غير أن المتابع للملف الآن يرى فتوراً من جانب الرأي العام الإيطالي، فضلاً عمَّا يبدو مماطلةً من جانب الحكومة الإيطالية، وأيضاً من قِبَل الحكومة المصرية، في حسم قضية ريجيني بشكل نهائي وحاسم.
هذا الفتور دَفَعَ الكثيرين للتساؤل: لماذا لم تُحسم القضية رغم مرور أكثر من عامين عليها؟
ربما تكون المصالح المشتركة بين البلدين
لا يخفى على المتابعين أن من أهم الملفات التي تشهد تنسيقاً بين القاهرة وروما، ملف الهجرة غير الشرعية، ومساعي القاهرة للحصول على امتيازات مالية من الجانب الإيطالي والاتحاد الأوروبي، كل على حدة، بغرض وقف الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
وكانت مصر وإيطاليا أطلقتا، في مارس/آذار 2018، مبادرةً مشتركة لتدريب الآلاف من رجال الشرطة من 22 دولة إفريقية، على مكافحة تهريب البشر، والهجرة غير الشرعية. وتتضمن المبادرة تنظيم دورات تدريبية لمدة عامين في القاهرة؛ بهدف تعزيز مهارات رجال الشرطة الأفارقة، الذين سيقومون بدورهم بتدريب زملائهم في بلادهم الأصلية.
ويتضمن المشروع، الذي سيستمر لمدة عامين، ويحمل اسم "إيتيبا"، إنشاء مركز تدريب دولي داخل مقر أكاديمية الشرطة المصرية، للتدريب على مكافحة تهريب البشر.
وتأتي هذه المبادرة الرائدة في أعقاب الاتفاق الفني الذي تم توقيعه في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، على أن تبدأ أواخر مارس/آذار من العام الحالي، بورشة عمل لمدة يومين، يشارك فيها فرانكو جابرييلي قائد الشرطة الإيطالية.
مجلس النواب المصري كان الداعم الأول لتنسيق مصري إيطالي في ملف الهجرة
وكان الاتفاق المصري الإيطالي بخصوص ملف الهجرة غير الشرعية بناء على قانون أقرَّه البرلمان المصري، في أكتوبر/تشرين الأول 2016، يهدف إلى الحدِّ من عمليات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وذلك بعد نحو شهر من مقتل 202 مهاجر، انقلب قاربهم في البحر المتوسط بعد انطلاقه من السواحل المصرية.
وفي ظلِّ تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا، التي تعد نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، وتحديداً سواحل إيطاليا، تزَايَد استخدام عصابات تهريب البشر للشواطئ المصرية، لتكون نقطة انطلاق رحلات إلى إيطاليا أو اليونان
وتوتَّرت العلاقات بين القاهرة وروما بشكل حادٍّ، إثر العثور على جثة ريجيني (26 عاماً) ملقاةً على طريق خارج القاهرة، في فبراير/شباط 2016، وعليها آثار تعذيب، قبل أن تتحسن العلاقات مؤخراً.
تساؤلات حول بيانات النائب العام المصري
ومن اللافت للانتباه، أنه -وفقاً لبيان أصدره النائب العام المصري في مايو/أيار 2018- تم تسليم نسخة من تسجيلات كاميرات مترو الأنفاق المتعلقة بالتحقيقات، في قضية خطف وقتل ريجيني، للنيابة الإيطالية، بالإضافة لمستندات آخر عمليات التحقيق التي أجرتها النيابة المصرية.
لكن في يونيو/حزيران 2018، أصدر كلٌّ من النائب العام المصري ونظيره الإيطالي، بياناً مشتركاً، قالَا فيه، إن تفريغ كاميرات فيديو مترو الأنفاق المتعلقة بقضية اختفاء ومقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، لم تظهره داخل، أو بالقرب مِن أيٍّ مِن محطات المترو يوم اختفائه، لكنها أظهرت وجود فجوات ضائعة من الصور واللقطات.
وأكد البيان ضرورة إجراء تحقيقات إضافية، للبحث وراء أسباب اختفاء بعض اللقطات، ووجود فجوات زمنية.
وهي كلها مؤشرات تُرسِّخ ربما لما يعد مماطلة، يقوم بها الطرفان، لدفع الرأي العام الإيطالي إلى تناسي الحقيقة وراء مصير جوليو ريجيني.
وعُثر على جثمان الطالب الإيطالي، أوائل فبراير/شباط 2016، بعد أيام من اختفائه، يوم الذكرى الخامسة للثورة، في 25 يناير/كانون الثاني 2016، على طريق اﻹسكندرية الصحراوي. وحمل الجثمان آثار تعذيب شديد استمرَّ ﻷيام، وأسفر عن مقتله. ووُجِّه اتهام إلى أجهزة اﻷمن المصرية بسبب آثار التعذيب التي وُجدت على جثمانه.
واعترف الجانب المصري بخضوع ريجيني لمراقبة الشرطة المصرية، لكن الأخيرة نفت تورُّطها في الحادث. ووجَّهت إيطاليا الاتهام لعشرة مسؤولين مصريين، حمَّلتهم المسؤولية عن القبض على ريجيني وتعذيبه وقتله، والتخلص من جثته.