قالت صحيفة Le Monde الفرنسية إن منطقة دول غرب إفريقيا تستورد ما يطلق عليه سماسرة تجارة النفط "الجودة الإفريقية"، أي منتجات نفطية رديئة الجودة ممزوجة بمواد كيميائية عالية يتم نقلها في صهاريج ناقلات متحللة.
تحتوي هذه الصادرات من المحروقات على كمية من الكبريت تتراوح ما بين 200 و1000 مرة أكثر من الكمية التي أقرتها المعايير الأوروبية، الأمر الذي يتسم بعواقب وخيمة على الصحة العمومية، في حين أنه ذو فوائد جمة بالنسبة لأصحاب ناقلات النفط.
وقد تمت إزاحة الستار عن هذه الفضيحة عبر تحقيق دقيق أجرته المنظمة السويسرية Public Eye خلال شهر سبتمبر/أيلول من سنة 2016.
وتقول الصحيفة الفرنسية إن هذه المرة لا يتعلق الأمر بـ"دعاية" تروج لها المنظمات غير الحكومية ولا نشطاء متعاطفون مع البيئة، كما يحاول تجار الشركات الكبرى، المتخصصة في تصدير هذا "الديزل القذر" غير القابل للبيع لا في إفريقيا ولا بمكان آخر، التسويق له. ففي تقرير رسمي نُشر الإثنين 9 يوليو/تموز 2018، أكدت تفقدية البيئة البشرية والنقل في هولندا أن "الوقود المصدَّر نحو غرب إفريقيا مختلط إلى حد كبير".
خليط من المنتجات البترولية
وتقول الصحيفة إنه بعد تفتيش 44 ناقلة متجهة إلى غرب إفريقيا، اكتشفت الشرطة البيئية الهولندية استخداماً "على مستوى عالٍ" لمادتي "المنغنيز والبنزين"، وهما من المواد عالية السرطنة.
كما اكتشفت أيضاً اعتماد مواد أخرى من البتروكيماويات المحظورة في معظم أنحاء العالم. واكتشفت الشرطة البيئية الهولندية أن الوقود المخصص للتصدير نحو هذا الجزء من العالم يحتوي على "300 أضعاف الكبريت أكثر مما تسمح به المعايير الأوروبية"، وذلك حسب ما كشفته منظمة Public Eye.
وفي الوقت الذي تُجري فيه هولندا هذا التحقيق، ليعرض بعد ذلك على البرلمان في تاريخ لم يتحدد بعد، يتم تصدير ما يقارب 50% من المنتجات البترولية نحو غرب إفريقيا عبر موانئ أمستردام وروتردام، بالإضافة إلى مدينة أنتويرب البلجيكية، وفقاً لما أكدته الأمم المتحدة، ويتم تجهيز المزيج السام في هذه المحطات عبر المصافي.
ذكر التحقيق الهولندي أسماء عشرات الشركات العملاقة المتخصصة في الوساطة بمجال النفط، لعل من أبرزها شركات سويسرية على غرار شركة Vitol وشركة Gunvor، بالإضافة إلى الشركة الإنكليزية السويسرية Glencore وشركة Trafigura، علاوة على فروعها المختصة في تقديم الدعم بمجالات التكرير والتوزيع والتجارة. وقد ذكر التقرير الهولندي أيضاً أسماء شركات نفطية عملاقة على اعتبار أنها من بين أبرز المتورطين الرئيسيين ضمن هذه السلسلة من الشركات.
تُنفَّذ هذه العمليات أحياناً في البحر حفاظاً على السرية، أي على بُعد أميال قليلة من الساحل الإفريقي والمدن الكبرى التي يعيش فيها 7 ملايين نسمة والتي يموت فيها، وفقاًً لمنظمة الصحة العالمية، العديد من الأشخاص كل سنة نتيجة تعرضهم للأمراض الناجمة عن التلوث الذي تسببه الجسيمات.
وتسجل المدن الرئيسية في الغرب اإلإفريقي،، على غرار داكار ولاغوس،، أعلى معدلات التعرض للجسيمات الدقيقة مقارنة بالمدن الآسيوية الأكثر تلوثاًً على ظهر الكوكب.
الأمور تسير نحو التغيير
أفاد المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، النرويجي إريك سولهايم، ببأن "تزويد غرب إإفريقيا بالوقود السام لا يمكن وصفه بأقل من فضيحة بيئية وصحية شاملة". وأضاف سولهايم أن "الفكرة التي تحيل إلى أن بعض المناطق من هذا العالم لا تستحق الحماية نفسها التي تتمتع بها بقية المناطق، تعد في الأصل رؤية صادمة".
وقد وقع دعوة أصحاب الصناعات إلى التوقف عن البحث عن تعزيز الأرباح عبر استغلال نقاط الضعف التي تعانيها المعايير التي تتبعها بعض الدول بهذا المجال. ففي مثل هذه الدول في غرب إفريقيا تتراوح مستويات الكبريت المسموح بها ما بين 2000 و5000 جزء في المليون بالنسبة للديزل وما بين 150 و3500 جزء في المليون للبنزين. وتتعارض هذه النسب مع المعايير الأوروبية التي تم تحديدها بـ10 أجزاء في المليون منذ سنة 2009.
بدأت الأمور تتغير بشكل تدريجي في غرب إفريقيا. فقد فتحت غانا، وهي بلد منتِج للنفط، الطريق أمام اتباع التوصيات التي جاء بها برنامج الأمم المتحدة للبيئة. ومنذ غرة شهر يوليو/تموز سنة 2017، أضحت هذه الدولة الناطقة باللغة الإنكليزية تمتلك أكبر قدر من الوقود منخفض الكبريت (بحد أقصى بلغ 50 جزءاً في المليون مقابل 3000 جزء بالمليون في السابق). أما فيما يتعلق بمصفاة النفط الوطنية، فتنوي أكرا التخلي عن استخدامها إلى موفى سنة 2020 بهدف الالتزام بالمعيار الجديد.
ومن جهته، نوه مارك غينيا، أحد الممثلين عن منظمة Public Eye، إلى أن "غانا قد قررت تبني تغير جذري للبحث عن حل لمصفاتها التي لا تنتج وقوداً يتوافق مع هذه التوصيات الجديدة. وبدلاً من إجبارها على إغلاق مصفاتها، يسمح لها بمزج إنتاجها من المحروقات بوقود مورد لكي يتطابق مع المعايير، الأمر الذي يجعل من غانا مثالاً يحتذى به بالنسبة لباقي دول المنطقة".
ضغوط مسلَّطة من قبل لوبيات النفط
وتقول الصحيفة الفرنسية إن كلاً من دول بِنين وساحل العاج ونيجيريا وتوغو تعهدت بالحدّ بشكل كبير من نسبة الكبريت في الوقود المرخص وتطوير منشآتها القديمة بحلول شهر يتموز من سنة 2017. لكن هذه الدول لم تحقق الأهداف المرسومة إلى الآن. والجدير بالذكر أن تنفيذ مثل هذه الخطط يختلف من بلد إلى آخر، حيث يرتبط الأمر بالضغوط التي تسلطها اللوبيات النفطية ومدى ارتفاع أسعار الوقود المستورد الذي يتم بيعه للمستهلك.
في الوقت الراهن، لم تنطلق دولة ساحل العاج بعد في أية إصلاحات فعلية. كما وجب على نيجيريا، التي تعد عملاق نفطي إفريقيّاً وأكبر مستورد للوقود في غرب إفريقيا، أن تتبع النموذج الغاني، وفقاً لنسقها الخاص. وتنوي نيجيريا تركيز مصافٍ إلى موفى سنة 2021، للتكيف مع المعايير الجديدة التي أضحت تستخدم 150 جزءاً في المليون بعد أن كانت توظف 3000 جزء في المليون للديزل، وسيتم تطبيقها خلال شهر أكتوتشرين الأول سنة 2019 للبنزين. لكن هذه العملية ستكون أكثر تكلفة، حسب ما أدلى به أنيبور كراغا، المشرف على مصافي النفط في شركة البترول الوطنية النيجيرية (NNPC).
وأشار أنيبور كراغا إلى أنه "من المتوقع أن يكلف أول تحول إلى إنتاج البنزين الأكثر نقاء قرابة 11.7 مليون دولار في الشهر. كما من المنتظر أن يكلف تخفيض معدل الكبريت في الديزل قرابة 2.8 مليون دولار في الشهر".
ويبدو أن هذه الدول مصممة على التخلص من الوقود السام الذي يتم تصديره حتى الآن من قبل عمالقة تجار النفط والقضاء على خدعة "الجودة الإفريقية".