صفقة روسية إماراتية جديدة تثير التساؤلات حول اختيار أبوظبي دوناً عن غيرها شريكاً في صناعة سيارات الشخصيات الحكومية الهامة على رأسها الرئيس نفسه فلاديمير بوتين.
ووفقاً لمعلومات مؤكدّة، فإن شركة "توازن" الاستثمارية اشترت ثلث أسهم مشروع "كورتيج" المتخصص في إنشاء سيارات الليموزين الحكومية الروسية من طراز "أوروس سينات".
ستستثمر الشركة الإماراتية ما لا يقل عن 110 ملايين يورو في هذا المشروع، ما يسمح لها بامتلاك حصة قد تصل إلى 30% من مجموع الأسهم، علماً وأنه سيتم الاتفاق على التفاصيل النهائية للصفقة في نهاية سنة 2018.
تقرير على صحيفة svabodnaya pressa الروسية كشف بعض تفاصيل الصفقة، وحسب ما أكد وزير الصناعة والتجارة الروسي، دينيس مانتوروف، فإن "هذه بداية مرحلة جديدة في مشروع "كورتيج"، واستثمار شركة "توازن" الإماراتية دليل على استمرار تطوير هذا المشروع". وأضاف الوزير أنه "دون شراكة العرب سيكون من المستحيل تطوير هذا المشروع".
المشروع يحاول استبدال سيارات الليموزين القديمة والأجنبية بأخرى محلية الصنع
يمثل مشروع "كورتيج" مصدر فخر بالنسبة لروسيا، فهو يوفر سيارات فخمة قادرة على أن تكون بديلاً لسيارات ليموزين زيل- 114 التي تنقلت فيها أهم الشخصيات في البلاد. وقد تداولت الصحافة الألمانية أخباراً حول المالكين المستقبليين لسيارات الليموزين التي سيستخدمها الكرملين، بينما ظهر فيها الرئيس بوتين في مراسم الاحتفال بإعادة انتخابه رئيساً في مايو/أيار الماضي.
على مدى الخمسة والعشرين سنة الماضية، استقل معظم الرؤساء الروس سيارات ليموزين مدرعة من نوع "مرسيدس" تابعة لمجموعة صناعة السيارات الألمانية دايملر كرايسلر، وكان ذلك مربحاً جداً بالنسبة لألمانيا.
وفقاً للصحافة الألمانية، يجب أن تكون سيارة "أوروس" فخراً وطنياً لصناعة السيارات المحلية، حتى الاسم الذي اختاره الروس لهذا المشروع الجديد يعني "الذهب".
ولكن لتحقيق ذلك يجب استثمار مبلغ 12.4 مليار روبل (204 ملايين دولار). لا يكفي هذا المبلغ لضمان إنتاج هذا النوع من السيارات بصفة متواصلة، لذلك تفاوضت روسيا مع الإمارات العربية المتحدة.
التقارب السياسي بين الدولتين لا بد أن يترجم بالمشاريع والاستثمارات والزيارات
والسؤال الذي طرحته الصحيفة هو: لما لا يستثمر رجال الأعمال المحليون في هذا المشروع، بينما يُسمح لجهات أجنبية بالاستثمار فيه مثل الإمارات؟
إن سبب اختيار الإمارات العربية المتحدة شريكاً في هذا المشروع، وفق الصحيفة، يعزى إلى السياسة الخارجية التي تتوخاها روسيا لتعزيز التقارب بين الدولتين.
مؤخراً، تم التوقيع على اتفاق بشأن إلغاء نظام التأشيرات. وفي الوقت الذي يحاول فيه الكرملين زيادة التفاعل مع السعودية وقطر، فإنه من الممكن أن تمثل مشاركة الإمارات العربية في هذا المشروع شكلاً من أشكال التأثير في هذا القطر العربي النفطي.
ومن الجدير ذكره أن شركة "توازن" تمكنت بمحفظتها الاستثمارية المتنوعة من ترسيخ موقعها كأحد اللاعبين الرئيسيين في قطاع المنتجات الدفاعية في الإمارات، صناعةً وتجارةً.
وأوروس شركة متخصصة بالسيارات الحكومية حصراً
إن العلامة التجارية "أوروس" متخصصة في إنتاج سيارات الليموزين الحكومية، بالإضافة إلى تصنيع سيارات الدفع الرباعي والحافلات الصغيرة. ومن المنتظر أن يتم إنتاج بين 200 و220 سيارة بحلول سنة 2019، بتكلفة 140 ألف يورو، وستكون الأسواق الرئيسية في الصين والإمارات. ويبدو أن التجارة الدولية مربحة أكثر مقارنة بالتجارة المحلية.
ولكن هل سيكون للإماراتيين صلاحيات عديدة مع شراكة على هذا المستوى؟
حسب الأستاذ في قسم الإدارة المالية للأكاديمية الروسية للعلوم والتكنولوجيا، أندريه غلوشيتسكي، فإنه من الصعب معرفة إلى أي مدى يمكن الاعتماد على المستثمر الإماراتي فيما يتعلق بمشروع "كورتيج"، نظراً لغياب أي معلومات حول الاتفاق.
وقال: "إذا كنا نتحدث عن إنشاء مشروع مشترك فهذا يعني أنه ستتم إقامة شراكة اقتصادية وستمنح حصة 30% من رأس المال لأحد المستثمرين في هذا المشروع".
واعتبر غلوشيتسكي أن الرقم 30% لا يؤكد شيئاً ولا يوضح احتمال سيطرة المؤسسة على كافة القرارات، ولكن الاتفاقية تفرض على الشركاء تحديد أشكال التفاعل فيما بينهم، وحقوق كل طرف والتزاماته.وأوضح أن للمساهمين بنسبة 30 بالمائة عادةً الحق في استخدام حق النقض في أي مسألة هامة، بالإضافة إلى الحق في المطالبة بائتمان إضافي وما إلى ذلك، مع ضرورة وجود محامين أجانب.
لكن للإمارات استثماراتها في مدن روسية أخرى وتحديداً القوقاز
أما فيما يتعلق بأسباب اختيار روسيا للإمارات العربية المتحدة لتكون من بين المستثمرين في هذا المشروع، تحدثت الصحيفة إلى نائب رئيس لجنة التعاون الاقتصادي الخارجية في غرفة التجارة والصناعة الروسية، إيفغيني غولوتسان.
وقال غولوتسان إن العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين روسيا والإمارات العربية المتحدة متقاربة جداً، إذ يستثمر الطيران الإماراتي في العديد من المشاريع في عدد من المناطق الروسية مثل كالينينغراد وأوريول. كما كشف عن إيلاء الإمارات اهتماماً خاصاً بمنطقة القوقاز.
وأكد أن الوضع السياسي والاقتصادي من بين العوامل التي تفسر اختيار الإمارات للاستثمار في هذا المشروع.
والمبلغ المطروح غير مكلف لأبوظبي التي يعتبرها الروس "البوابة الاقتصادية للخليج"
أما عن الدافع الإماراتي لدخول السوق الروسي من هذه البوابة، فأشار غولوتسان إلى أن الإمارات عكفت على استثمار أموالها في عدة مشاريع، مثل المشاريع التكنولوجية المتطورة، ليس في روسيا فحسب بل في العديد من الدول الأخرى، وكذلك مجال الطيران وصناعة السيارات.
واعتبر دخول أبوظبي في مشروع مثل "كورتيج" غير مكلف بالنسبة لها، بالمقارنة مع مشاريع مماثلة في البلدان المتقدمة. ولهذا كلما أسرعت أبوظبي في الاستثمار في هذا المشروع كانت أرباحها أعلى.
وقد لا يقتصر الأمر على الاستثمار فقط في روسيا، إذ أن وجود اتحاد جمركي يوحد دولة الإمارات مع المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الخليجية، قد يعني رغبة الإمارات في الترويج لهذه العلامة التجارية الروسية في دول الخليج نفسها.
ووصف غولوتسان الإمارات بـ"البوابة الاقتصادية للمنطقة"، إذ أنها تتمتع من وجهة نظره "ببنية تحتية ممتازة على مستوى النقل البري والجوي والبحري". كما توجد بها مناطق اقتصادية خاصة بالاستيراد المعفى من الرسوم الجمركية، وهي أقرب إلى الغرب بالمقارنة مع المملكة العربية السعودية، على حد تعبيره.