ما زالت كل من إسرائيل والولايات المتحدة في سباقٍ مع الزمن بقضية غزة، فالموضوع لغز صعب: كيف يمكن الاستمرار في عزل القطاع الساحلي الصغير عن العالم الخارجي وعن الضفة الغربية -وهذا خصوصاً لإحباط أي خطرٍ بتشكُّل دولةٍ فلسطينية- دون إشعال ثورة جماهيرية مِن جانب فلسطينيي غزة البالغ تعدادهم مليوني شخص؟
يقول موقع Middle East Eye البريطاني إنه ليس لدى إسرائيل رفاهية الوقت في غزة خلاف ما تملكه في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهما المنطقتان الفلسطينيتان الإضافيتان تحت الاحتلال الإسرائيلي.
ففي هذه المناطق، يُمكن لإسرائيل مواصلة اختزال الوجود الفلسطيني، مستخدمةً الجيش الإسرائيلي، والمستوطنين اليهود، والقيود الصارمة على حركة الفلسطينيين، في سبيل الاستيلاء على الموارد الأساسية مثل الأرض والمياه.
غزة المحاصَرة هدف لخطة السلام الأميركية النهائية
في حين تدخل إسرائيل حرب استنزافٍ مع قاطني الضفة الغربية، فإنَّ اتباع نهجٍ تدريجيّ مشابه في غزة قد أصبح أمراً لا يُمكنها التمادي فيه. وقد حذَّرت منظمة الأمم المتحدة من أنَّ القطاع قد يكون على بُعد عامين فقط من أن يُصنَّف "غير صالحٍ للمعيشة"، في ظلِّ اقتصاده المتهالك وموارده المائية غير الصالحة للشرب.
أكثر من 10 أعوامٍ فُرِض فيها حصارٌ إسرائيلي مُشدَّد تخللته سلسلة من الاعتداءات العسكرية قد هَوَت بالجزء الأكبر من قطاع غزة إلى مشهدٍ أشبه بالعصور المظلمة. إسرائيل الآن في حاجةٍ ماسة إلى حلٍّ قبل أن يصبح سجن غزة معسكراً للموت. والآن، تحت مظلة "خطة السلام النهائية" التي يتقدَّم بها ترمب، يبدو أنَّ إسرائيل على وشك إيجاد الحل ذاك.
وردت في الأسابيع الأخيرة تقارير عدة، بوسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية على حد سواء، عن تحرُّكاتٍ من جانب واشنطن وإسرائيل للضغط على مصر كي تُسلِّم منطقةً من أرضها بشمال سيناء، المجاورة لغزة، لتُقام عليها مشاريع بنية تحتية مصمَّمة لإغاثة "الأزمة الإنسانية" الحادثة في القطاع.
وقُرب نهاية الشهر الماضي (يونيو/حزيران 2018)، أرسلت حركة "حماس"، التي تحكم قطاع غزة، وفداً للقاهرة ليُناقش الإجراءات. جاء ذلك مباشرةً عقب زيارةٍ إلى مصر قام بها غاريد كوشنر، صهر دونالد ترمب والمشرف على خطة السلام في الشرق الأوسط.
ومع الأزمة الاقتصادية من الممكن أن تكون القاهرة أحد العوامل الجوهرية في إنجاح هذه الخطة
وفقاً لتقارير واردة، يأمل ترمب أن يرفع الستار قريباً عن صفقة -في سياق "اتفاقية القرن" لصُنع السلام بالشرق الأوسط- تتعهَّد بتشييد شبكةٍ من ألواح توليد الطاقة الشمسية، ومحطة تحلية لمياه البحر، وميناءٍ بحري، ومطار في سيناء، بالإضافة إلى منطقة تجارة حرة و5 مناطق صناعية. وستُموَّل تلك المشروعات بالأساسٍ من جانب دول الخليج الغنية بالنفط.
يبدو كذلك أنَّ المصادر الدبلوماسية المصرية قد أكَّدت صحة هذه التقارير. من المحتمل أن يساعد البرنامج في تخفيف المعاناة الهائلة التي تتعرَّض لها غزة، حيث يندُر التمتُّع بالكهرباء، والمياه النقية، وحرية الحركة. والمُتوقَّع أن يعمل المصريون والفلسطينيون معاً في بناء تلك المشاريع، ما سيوفِّر لهم أيضاً فرص عملٍ هم بأمسِّ الحاجة لها؛ إذ إنَّ معدلات البطالة بين الشباب بقطاع غزة تفوق نسبة 60 في المئة.
لم يتضح هنا ما إن كان سيحدث أن يُشجَّع فلسطينيو غزة على العيش بالقرب من مشروعات سيناء في قرى للعمال المهاجرين. وما لا شك فيه أنَّ إسرائيل ستأمل أن يتَّخذ العمال الفلسطينيون سيناء موطناً دائماً لهم بالتدريج.
وفي المقابل، ستستفيد مصر من ضخِّ رأس المال المهول ذاك إلى اقتصادها المتأزِّم من جهة، ومن مشروعات البنية التحتية الجديدة التي سيُتاح استخدامها أيضاً لمواطنيها بشبه جزيرة سيناء المضطربة من جهةٍ أخرى.
تجدُر الإشارة إلى أنَّ وزيراً بمجلس الوزراء الإسرائيلي اقترح طوال أكثر من عامٍ، أن تُقام مشاريع بنية تحتية مشابهة لغزة على جزيرةٍ صناعية تُبنى في المياه الإقليمية الفلسطينية. غير أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، رفض هذا الاقتراح مراراً.
لكنَّ البديل المنظور هنا، أي تنفيذ الخطة على أرض مصر، تحت قيادة القاهرة، سيربط المخاوف الأمنية المصرية تجاه قطاع غزَّة بتلك الإسرائيلية، وسيعمل على قتل القضية الوطنية الفلسطينية بإقامة دولتهم على أرضهم.
فضلاً عن أن الدعم الأميركي والإسرائيلي سيسهم أيضاً في إنجاح الخطة
من المهم أن نفهم أنَّ خطة سيناء ليست دليلاً بسيطاً على تفكيرٍ آمل من جانب إدارة ترمب الغرَّة أو المضلَّلة. وتقود كل الإشارات إلى أنَّ هذه الخطة قد تلقَّت دعماً قوياً وممتداً من مؤسسات اتخاذ القرار بواشنطن على مدار أكثر من 10 أعوام.
وفي الواقع، منذ 4 أعوام، عندما كان باراك أوباما لا يزال راسخاً في البيت الأبيض، رسم موقع Middle East Eye البريطاني مساراً لمحاولاتٍ نفَّذتها إسرائيل والولايات المتحدة للضغط على عدة رؤساءٍ مصريين متتابعين أن يفتحوا سيناء لفلسطينيي غزة.
كان ذلك طموحاً إسرائيلياً رئيسياً منذ أن سحبت إسرائيل عدة آلافٍ من المستوطنين من قطاع غزة فيما عُرف باسم "فك الارتباط" عام 2005، وزعمت بعدها -زيفاً- أنَّ احتلال القطاع قد انتهى.
أُفيدَ بأنَّ واشنطن علمت بالخطة الإسرائيلية منذ عام 2007، عندما أصبحت غزة تحت سيطرة حركة "حماس" الإسلامية، التي أطاحت بحركة "فتح" المنتمي إليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس. عندها كثَّفت إسرائيل، بدعمٍ من الولايات المتحدة، حصارها المُشدَّد الذي دمَّر بدوره اقتصاد غزة ومنع سلعاً أساسية من الدخول إلى القطاع.
إذا تم تطبيق الخطة فالمستفيد في المقام الأول هو إسرائيل
إنَّ خطة سيناء المطروحة تأتي بمميزاتٍ بديهية في صالح إسرائيل والولايات المتحدة؛ إذ إنَّها ستؤدي إلى:
* جعل الانقسام المناطقي بين غزة والضفة الغربية واقعاً دائماً، كذلك تقع النتيجة ذاتها على الفُرقة الأيديولوجية بين فصيلي "فتح" و"حماس" المتنافسين.
* الانتقاص من قضية غزة، بتقليل مكانتها من كونها قضية دبلوماسية إلى أزمةٍ إنسانية.
* جعل التأسيس التدريجي لدويلة فلسطينية واقعاً وليس اسماً في سيناء وغزة، بحيث يقع معظمها خارج حدود دولة فلسطين التي عرفها التاريخ.
* تشجيع استيطان ما قد يصل لملايين من اللاجئين الفلسطينيين الأراضي المصرية، ما يجرِّدهم بموجب القانون الدولي من حق العودة لبيوتهم، الواقعة الآن في إسرائيل.
* إضعاف مطالب عباس والسلطة الفلسطينية في الضفَّة الغربية، وهم مُمَثِّلو القضية الفلسطينية، وإحباط محاولاتهم للحصول على اعترافٍ بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.
* رفع الحرج عن دولة إسرائيل بإسناد مسؤولية قمع فلسطينيي غزة إلى مصر والعالم العربي بشكلٍ أعم.
الخطة التي كانت مثار رفض واستهجان باتت على مقربة من أن تصبح واقعاً
في صيف عام 2014، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية تقارير أفادت بأنَّ المسؤولين الإسرائيليين، بمباركةٍ من واشنطن، يعملون على خطةٍ سُمِّيَت خطة "غزة الكبرى"، من شأنها أن تربط القطاع بشطرٍ كبير من شمال سيناء. وأشارت التقارير كذلك إلى أنَّ إسرائيل قد أحرزت تقدُّماً مع القاهرة بشأن موافقتها على الخطة.
ردَّ المسؤولون المصريون والفلسطينيون علناً على هذه التسريبات باستنكار الخطة، واصفين إياها بـ"المفبركة". لكن سواء تقبَّلت القاهرة الفكرة سراً أو لا، أكَّد ذلك وجود استراتيجية إسرائيلية استمرت 10 أعوام موجَّهة إلى غزة.
وقُرب الوقت نفسه، أجرت صحيفة عربية مقابلةً مع مسؤولٍ أُبقيَت هويته مجهولة، كان مقرَّباً من حسني مبارك، الرئيس المصري المعزول عام 2011. قال المسؤول إنَّ مصر قد تعرَّضت لضغطٍ جماعي، بدءاً من عام 2007 فصاعداً، لضمِّ قطاع غزة إلى شمال سيناء، بعد أن تولَّت "حماس" حكم القطاع عقب إجراء الانتخابات الفلسطينية.
ووفقاً للمصدر ذاته، فإنَّه بعد 5 أعوامٍ، أرسل محمد مرسي، الذي ترأَّس حكومةً قصيرة العمر تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وفداً إلى واشنطن، حيث اقترح الأميركيون أن "تتنازل مصر عن ثلث مساحة سيناء لقطاع غزة، في عمليةٍ تتمُّ على مرحلتين وتستغرق من 4 إلى 5 أعوام".
ويبدو أنَّه منذ عام 2014، تعرَّض خليفة مرسي، الجنرال عبد الفتاح السيسي، لضغطٍ مشابه.
الخليج يدخل على خط المواجهة ويضغط على القاهرة للتعجيل بالخطة
جاءت الشكوك بأنَّ السيسي كان على وشك الإذعان للخطة منذ 4 أعوام، على لسان محمود عباس نفسه آنذاك. وفي مقابلةٍ صحافية أجراها مع التلفزيون المصري، قال عباس إنَّ خطة سيناء التي تطرحها إسرائيل قد "ووفِقَ عليها لسوء الحظ من قِبل البعض هنا (في مصر). لا تسألني عن هذا الأمر أكثر. لقد أبطلنا هذا المقترح".
إنَّ المحافظين الجدد المهلِّلين لإسرائيل في واشنطن، والذين يُقال إنَّهم اعتمدوا على مبارك عام 2007 خلال رئاسة جورج بوش للولايات المتحدة، هم الآن يتلاعبون بسياسة الشرق الأوسط مجدداً تحت مظلة إدارة ترمب.
ومع أنَّه يبدو أنَّ السيسي لم يمتثل للضغط عام 2014، فإنَّ تغييراتٍ جذرية حلَّت بالمنطقة لاحقاً، من المُرجَّح أن تكون قد أضعفت موقفه.
الآن، ينعزل كلٌّ من عباس و"حماس" عن العالم أكثر من ذي قبل، كذلك يزداد الوضع في غزة يأساً. عقدت إسرائيل صلاتٍ أقوى من ذي قبل مع دول الخليج، صاغتها عداوتهم المشتركة لإيران. وتخلَّت إدارة ترمب حتى عن ادعاء كونها طرفاً محايداً في حلِّ النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.
وفي الواقع، تبنَّى فريق ترمب المعني بشؤون الشرق الأوسط، تحت قيادة كوشنر، منذ البداية، النموذج الإسرائيلي المدعو "من الخارج إلى الداخل"، للتوصُّل لاتفاقية سلامٍ في المنطقة.
تقوم فكرة ذلك النموذج على استخدام أسلوب العصا والجزرة -بمزيجٍ من الإغراء الماليّ من جهة والعقوبات التأديبية من جهةٍ أخرى- لترهيب عباس و"حماس"، لتقديم تنازلاتٍ كبرى أكثر فأكثر لصالح إسرائيل، من شأنها أن تُلغِي أيَّ شكلٍ ذي معنى للدولة الفلسطينية. كان السر في هذه الفكرة هو أنَّه أمكن تجنيد دولتي السعودية والإمارات لمساعدة إسرائيل في جهودها لابتزاز القيادة الفلسطينية.
وتعرَّضت مصر هي الأخرى، وفقاً لتقارير حالية، لضغطٍ مشابه من الخليج في سبيل أن تتنازل عن جزءٍ من سيناء لمساعدة ترمب في عقد "صفقة القرن"، التي تأخَّر بالفعل في إتمامها.
إذاً القاهرة مهيّأة للتنفيذ خاصة أن "إسلامية" حماس وعلاقتها بـ"الإخوان" حافز قوي للسيسي
لدى السيسي وجنرالاته سببٌ وجيه يمنعهم عن تقديم المساعدة. فبعد أن استولوا على السلطة من حكومة الإخوان المسلمين في عهد مرسي، فعلوا كلَّ ما بوسعهم لسحق الحركات الإسلامية المحلية، لكنهم واجهوا ردَّ فعلٍ عنيفاً في سيناء.
و"حماس"، التي تحكم غزة، هي المنظمة الشقيقة للإخوان المسلمين في مصر. وقد قلق الجنرالات المصريون إزاء أن يتسبَّب فتح معبر رفح الحدودي بين سيناء وغزة في تعزيز الهجمات الإسلامية التي تكافح مصر من أجل احتوائها. وهناك مخاوف أيضاً في القاهرة من أن خيار سيناء سيضع عبء غزة على كاهل مصر.
وهنا يأمل ترمب وكوشنر أن تتمكن مهاراتهما في إبرام الصفقات من تحقيق انفراجة للقضية.
وقد اتضحت قابلية مصر للاستجابة تجاه الإغراءات المالية من الخليج العام الماضي (2017)، عندما وافقت حكومة السيسي بحماسة على التنازل عن جزيرتين استراتيجيتين في البحر الأحمر، هما تيران وصنافير اللتان تمثلان مدخلاً إلى خليج العقبة وقناة السويس، للمملكة العربية السعودية.
في المقابل، تلقَّت مصر استثماراتٍ وقروضاً بمليارات الدولارات من المملكة، من ضمن ذلك مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق في سيناء، وقد نُقِلَ عن الإدارة الإسرائيلية موافقتها على هذه الصفقة.
وأشار مُحلِّلون إلى أن تسليم الجزيرتين إلى السعودية كان يهدف إلى تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين إسرائيل ومصر والمملكة في التعامل مع المقاتلين الإسلاميين بسيناء. ويبدو ذلك مثيراً للريبة الآن كأنه مُقدِّمةٌ لخطة ترمب في سيناء.
مع تهيئة المنطقة تُجري الإدارة الأميركية جولات مكوكية للانطلاق في التنفيذ
في مارس/آذار 2018، استضاف البيت الأبيض 19 دولة بمؤتمرٍ للنظر في أفكارٍ جديدة للتعامل مع أزمة غزة المتصاعدة. وبالإضافة إلى إسرائيل، ضمَّت قائمة المشاركين مُمَثِّلين من مصر والأردن والسعودية وقطر والبحرين وعُمان والإمارات العربية المتحدة، في حين قاطع الفلسطينيون الاجتماع.
وكان أكثر ما فضَّله فريق ترمب هو ورقة قدَّمَها يوآف مردخاي، وهو جنرالٌ إسرائيلي ومسؤولٌ بارز يُشرِف على استراتيجية إسرائيل في الأراضي المحتلة. ويُذكَر أن العديد من مقترحاته -لمنطقة تجارة حرة ومشاريع بنية تحتية في سيناء- صارت تُطرَح الآن.
وفي الشهر الماضي (يونيو/حزيران 2018)، زار كوشنر السعودية وقطر ومصر والأردن لكسب دعمهم. ووفقاً للمقابلات التي أجرتها صحيفة Israel Hayom، فإن الدول العربية الأربع جميعها متفقةٌ على خطة السلام، حتى لو عَنَتْ تجاهل عباس.
وقد لخَّصَ المُحلِّل الفلسطيني جاكي خوري، في صحيفة Haaretz الإسرائيلية، عناصر خطة غزة كالتالي: "ستلعب مصر، التي لها مصلحةٌ حيوية في تهدئة الوضع بغزة بسبب تأثير الإقليم على سيناء، دور الشرطي الذي يُقيِّد حركة حماس. وستدفع السعودية وقطر، وربما الإمارات، تكاليف المشاريع التي ستكون تحت رعاية الأمم المتحدة".
وقد نستدل على جهود إسرائيل لضمان امتثال "حماس"، من خلال تهديداتها الأخيرة بغزو غزة وفصلها إلى قسمين، وهو ما أفصح عنه الصحفي الإسرائيلي المخضرم رون بن يشاي. وتحرَّكَت الولايات المتحدة لتعميق الأزمة في غزة عن طريق تعليق المدفوعات لـ"الأونروا"، وهي وكالة بالأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين. ويُعد غالبية سكان غزة لاجئين يعتمدون على معونات الأمم المتحدة.
الميزة بالنسبة لـ"حماس"، التي ستجنيها من الموافقة على خطة سيناء، هي أنها ستتحرَّر أخيراً من سيطرة السلطتين الإسرائيلية والفلسطينية على غزة. وستكون في وضعٍ أفضل يسمح لها بالحفاظ على حكمها، طالما لن تُثير غضب المصريين.
إذا ما تم تنفيذ خطة السلام الكبرى فستعيد إلى الأذهان تفاصيل اتفاق أوسلو
لدى إسرائيل وواشنطن خططٌ لغزة، نجد فيها صدى قوياً لنموذج "التهدئة الاقتصادية"، الذي كان إطاراً لعملية أوسلو للسلام في أواخر التسعينيات.
وبالنسبة لإسرائيل، مَثَّلَت أوسلو فرصةً ساخرة لتدمير الاقتصاد الريفي في معظمه بالضفة الغربية والذي اعتمد عليه الفلسطينيون قروناً. ولطالما رغبت إسرائيل في الإقليم من أجل إمكاناته الاقتصادية وجمعياتها التوراتية.
تعتمد مئات المجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية على هذه الأراضي لأغراض الزراعة؛ ما يؤدي إلى توثيق علاقتهم بالأماكن التاريخية من خلال الحاجة الاقتصادية والتقاليد. لكن اقتلاع القرويين -ودفعهم إلى جزء صغير من المدن الفلسطينية وتطهير الأرض للمستوطنين اليهودـ يتطلَّب نموذجاً اقتصادياً مختلفاً.
وكجزءٍ من عملية أوسلو، بدأت إسرائيل إنشاء سلسلة من المناطق الصناعية -بتمويل من المانحين الدوليين- على ما يسمى "منطقة التماس" بين إسرائيل والضفة الغربية.
حينها، افتتحت الشركات الإسرائيلية والدولية مصانع، ووظفت العمالة الفلسطينية الرخيصة بأقل ضمانات. وتحوَّلَ الفلسطينيون من مزارعين مرتبطين بشدة بأراضيهم إلى قوةٍ عاملةٍ متفرِّقة تتركَّز في المدن.
وكانت إحدى الميزات الإضافية لإسرائيل هي تحويلها التام للفلسطينيين إلى طبقة من "البريكاريا". وإذا ما بدأوا في المطالبة بدولة أو حتى بالاحتجاج من أجل حقوقهم، يمكن لإسرائيل ببساطة أن تمنع الدخول إلى المناطق الصناعية حتى يُهدِّئ الجوع غضبهم.
وتبقى في النهاية سيناء هي ملعب الخطة وموطئ الصراع المقبل
ثمة الآن أسباب كافية لاعتقاد أن هدف مبادرة إسرائيل/ترمب هو النقل التدريجي للفلسطينيين إلى سيناء من خلال الاستثمار في مشاريع البنية التحتية.
ومع اتحاد المصالح الأمنية للبلدين، يُمكن لإسرائيل أن تعتمد على مصر لتهدئة الفلسطينيين في غزة نيابة عنها. وبموجب هذا المُخطَّط، سيكون لدى القاهرة العديد من الطرق لترويض قوتها العاملة الجديدة من العمال المهاجرين.
فيُمكنها إيقاف مشروعات البنية التحتية مؤقتاً، والكف عن استخدام القوى العاملة، حتى يسود الهدوء. وتستطيع إغلاق معبر رفح الحدودي بين غزة وسيناء، وإيقاف محطات الكهرباء وتحلية المياه؛ لتحرم غزة من الكهرباء والمياه النظيفة.
بهذه الطريقة، يمكن إبقاء غزة تحت السيطرة الإسرائيلية دون أن يُلقى عليها أي لوم. وفي صدارة المشهد، ستصبح مصر حارساً على سجن غزة، تماماً كما تحمَّل عباس وسلطته الفلسطينية عبء العمل كحراسِ سجنٍ في معظم أنحاء الضفة الغربية.
هذا هو النموذج الإسرائيلي لغزة، وربما نعرف قريباً ما إذا كانت مصر ودول الخليج تشاركها الرؤية ذاتها.