كشفت تسريبات كبيرة من قاعدة بيانات سرية، عن الممتلكات العقارية في دبي، أنَّ العصابات المتورطة في جرائم الاحتيال، التي تكلف الخزانة ما يقرب من 100 مليون جنيه إسترليني (نحو 132 مليون دولار)، قد ابتاعت سلسلة من الشقق الفاخرة في دبي.
ووصفت صحيفة The Guardian البريطانية، الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، دبي الآن، بأنها "أصبحت بديلة لمعقل غسيل الأموال في إسبانيا، كوستا ديل سول"، وفق تعبيرها.
وأشارت الصحيفة إلى أن قائمة المشترين للعقارات في دبي، ستخضع لفحصٍ دقيق على يد محققين بريطانيين يبحثون عن ملايين الدولارات المفقودة، التي يدين بها المحتالون للمملكة المتحدة ودولٍ أوروبية أخرى.
وجميع هؤلاء المحتالين متهمون بالتورط فيما يسمى بجرائم الاحتيال على ضريبة القيمة المضافة، التي يقدر أنَّها كلفت المملكة المتحدة نحو 16.5 مليار جنيه إسترليني (نحو 22 مليار دولار) من إيرادات الضرائب بين عامي 2005 و2016.
كيف تسير العملية؟
وقال رود ستون، المدير المساعد السابق لوحدة مكافحة الجريمة المنظمة بالمملكة المتحدة، إنَّ المحتالين بدأوا بإدخال البضائع عبر دبي في عام 2005، في محاولةٍ لتقويض قدرة سلطات الضرائب على تحديد تحركات البضائع التي تشير إلى حدوث جرائم الاحتيال.
وأضاف: "استخدم المحتالون بنوك دبي لتجنب كلٍّ من متطلبات الإبلاغ الصارمة لمكافحة غسيل الأموال في المملكة المتحدة، وقدرة السلطات على تجميد مكاسبهم غير المشروعة. يعتقد الكثيرون من كبار رجال القانون أنَّ دبي أصبحت الآن المكان الذي تُخفي فيه العصابات عائداتها وتستثمرها، بدلاً من كوستا ديل سول في إسبانيا"، على حد تعبيره.
ووفقاً للصحيفة البريطانية، حصل مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، وهي منظمة تحقيق دولية، على تسريباتٍ ضخمة من سجلات ملكية العقارات في دبي، يعود تاريخها لما بين عامي 2014 و2016، بحثت بداخلها هيئة Finance Uncovered للتحقيق الصحفي، عن رجال أعمال تحقق بشأنهم السلطات البريطانية.
وأحدهم هو مصطفى حساني، الذي تلقَّى تعليمه في لندن، وعمل في تجارة الجملة للهواتف المحمولة من خلال شركته Abyss International في لندن ودبي.
اشترى حساني (47 عاماً)، الشغوف بالسيارات الباهظة، ثمانية عقارات لم تكن معروفة سابقاً في دبي، بقيمة أكثر من 2.5 مليون جنيه إسترليني (نحو 3 ملايين دولار).
ومن غير المعروف ما إذا كانت ما زالت في حيازته أم لا. حيث توجد العقارات المعنية على شاطئ جميرا الفاخر، المُطل على ساحل الخليج، وفي مجموعة عقارات غرينز آند فيوز التي يواجه الجزء الخلفي منها نادي الإمارات للغولف.
وقالت The Guardian عن شركة الرجل حساني، إنها جزء من سلسلة تدين بمبالغ كبيرة لإدارة الإيرادات والجمارك الحكومية البريطانية، وتخضع للتصفية الآن بأمرٍ من المحكمة.
أما حيدر، الأخ الأصغر لمصطفى، الذي سعت إدارة الإيرادات والجمارك الملكية بالمملكة البريطانية لتغريمه ملايين الجنيهات، فقد اشترى أيضاً عقاراتٍ في دبي.
تهرّب ضريبي
ووجدت هيئة Finance Uncovered أنَّ المحتال المزعوم، الذي اتُّهم باستخدام شركاتٍ داخل المملكة المتحدة، وجزر فيرجن البريطانية للاحتيال على الخزانة العامة، قد امتلك (أو ما زال يمتلك) ثلاثة عقارات على الأقل في دبي.
وينضم إلى القائمة أيضاً محسن ساليا من برستون في المملكة المتحدة، الذي سُجِنَ في ألمانيا لمدة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، بتهمة التهرب الضريبي المرتبط بسوق الكربون في الاتحاد الأوروبي. وجاء في قرار الاتهام الصادر في عام 2016، أنَّ ساليا كان جزءاً من عصابة حاولت الاحتيال على السلطات الألمانية، واستعادة مبلغ من الضرائب قيمته 125 يورو عبر شركةٍ في دبي.
وبحسب البيانات المُسرَّبة، فإنَّ محسن ساليا كان هو المالك (أو ما زال) لثلاث شقق في مشروع Discovery Gardens العقاري "العائلي" في دبي. وقال ساليا، الذي خرج من السجن ويعيش في الإمارات الآن، إنَّه اشترى العقارات منذ وقتٍ طويل، قبل تورطه في عمليات الاحتيال التي أودت به إلى السجن.
ووفقاً لما قال والدهما، فإنَّ الأَخَوَان حساني يعيشان في دبي والعراق. وأضاف الأب في تصريحه لصحيفة The Observer البريطانية: "كان هذا منذ وقتٍ بعيد".
وفي جرائم الاحتيال على ضريبة القيمة المضافة، يستورد نشاط تجاري في المملكة المتحدة سلعاً عالية القيمة، معفاة من ضريبة القيمة المضافة، ويبيعها لشركة بريطانية بعد إضافة قيمة الضريبة إليها.
وتجمع شركة الاستيراد ضريبة القيمة المضافة، لكن لا تسددها لإدارة الإيرادات والجمارك الملكية بالمملكة المتحدة. ويُعاد بيع البضائع عدة مرات من خلال سلسلة من الشركات "المتوسطة".
وفي المعاملة النهائية، تطلب شركة استرداد ضريبة القيمة المضافة من إدارة الإيرادات والجمارك الملكية، في حين تختفي الشركتان الأولى والأخيرة في السلسلة، وبهذا تكون قد استردت ضريبة لم تُدفَع من الأصل.
استغل محتالون آخرون يمتلكون عقاراتٍ في دبي "الائتمانات الكربونية"، التي أسّستها خطة تجارة انبعاثات الكربون في الاتحاد الأوروبي. وقدرت يوروبول عمليات الاحتيال في الائتمانات الكربونية بحوالي 5 مليارات يورو (نحو 5.8 مليار دولار) بين عامي 2008 و2009.