باتت إدارة الرئيس ترمب على وشك الكشف عن عرضها الذي طال انتظاره حول السلام في الشرق الأوسط، والذي أعلن مسؤولون أميركيون أنه سوف يعبر عن الأهداف الأميركية فيما يخص تسوية الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. يأتي ذلك على الرغم من الموقف الفلسطيني، الذي يعتبر أن دونالد ترمب لم يعد وسيطاً نزيهاً في هذا الصراع.
حسب صحيفة Washington Post، من المنتظر أن يتم الكشف عن هذا العرض الأميركي خلال أسابيع، وذلك بهدف الدخول في مفاوضات مباشرة بين الطرفين، قد تنطلق بالصيف الحالي، بحسب توقعات مسؤولين ودبلوماسيين في واشنطن. يُذكر أنه تم تأجيل الكشف عن هذا العرض مدة أشهر؛ بسبب مقاطعة الفلسطينيين للإدارة الأميركية، على خلفية قرار ترمب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهو ما عزز التكهنات بأن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يمكن أن يرفض العرض الذي يعكف البيت الأبيض على إعداده.
وقد صرح مسؤول رفيع المستوى في إدارة ترمب بأنه "إذا لم يمنح عباس أي فرصة لهذا العرض، وتمسك فقط بالخطاب نفسه الذي اعتمده منذ فترة، مثل القول بأن دور الولايات المتحدة كراعية للسلام قد انتهى، وأنه لن يلقي نظرة على هذا العرض، فإن المسؤولية سوف تقع على عاتقه. فكيف لهذا الموقف أن يخدم الشعب الفلسطيني؟".
ولم يتم تحديد موعد الكشف عن خطة السلام لحد الآن، حيث قال هذا المسؤول، الذي طالب بعدم الكشف عن هويته مثل كثيرين آخرين أدلوا بتصريحات لصحيفة Washington Post الأميركية: "سنترك الأوضاع على الأرض تحدد موعد الإعلان، لن نقرر نحن ذلك ولن نفرض حدوداً زمنية. أمامنا فرصة واحدة ويجب ألا نضيعها".
ويشار إلى أن مستشار ترمب وصهره غاريد كوشنر، وكبير المفاوضين الأميركيين جيسون غرينبلات المحامي السابق لدونالد ترمب، يزوران عدداً من العواصم العربية هذا الأسبوع، من أجل توضيح رؤية الإدارة الأميركية، والحصول على بعض الدعم أملاً في دفع الرئاسة الفلسطينية للجلوس على طاولة المحادثات.
ولن يلتقي المبعوثون الأميركيون عباس أو أياً من مستشاريه، بعد أن كان رئيس السلطة الفلسطينية وحركة فتح قد رفضا الالتقاء أو التحدث مع أي ممثل عن البيت الأبيض منذ ديسمبر/كانون الأول 2017، عندما أعلن ترمب خطوته التي مثلت تغييراً جذرياً على مستوى السياسة الأميركية تجاه القدس، وهي سياسة استمرت عقوداً طويلة.
كان ترمب قد أعلن اعترافه بهذه المدينة المقدسة عاصمة لدولة إسرائيل، وخاض حملة دعائية وعد خلالها بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، التي يطالب الفلسطينيون بجزء منها ليكون عاصمة لدولتهم مستقبلاً.
عريقات: الإدارة الأميركية وصلت لدرجات غير مسبوقة من الانحياز
وقد قال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات: "لن نلتقي الأميركيين، وهذا هو موقفنا". كما اتهم عريقات الإدارة الأميركية بالوصول لدرجات غير مسبوقة من الانحياز تجاه إسرائيل.
من المنتظر أن تتضمن خطة السلام المنتظرة، التي تم العمل عليها خلال الأشهر الـ18 الماضية، مقترحات أميركية لحل نقاط الخلاف الكبرى التي ظلت قائمة على مدى 70 سنة من الصراع، ومن بينها مصير القدس، إلى جانب المقترحات الاقتصادية والإنسانية المتعلقة بتحسين الحياة اليومية للفلسطينيين.
وعلى الأرجح، لن تلبي هذه المقترحات المطالب الأساسية للفلسطينيين، التي تتمثل أساساً في انسحاب إسرائيل من كل الأراضي التي احتلتها في عام 1967.
وقد حاولت إدارة ترمب الضغط على عباس بمعية زعماء عرب آخرين، من بينهم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. وبعد أن التقى وفد يترأسه كوشنر مع الملك عبد الله، أكد الديوان الملكي أن العاهل الأردني "شدد على الحاجة للتوصل لاتفاق شامل وعادل للسلام".
وقد أخبر عبد الله الثاني المبعوثين الأميركيين بأن الأردن ما زال ملتزماً بدعم المطالب الفلسطينية، حول السلام وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود 4 يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
ولكن المشكلة تكمن في أن أغلب هذه الأراضي التي يطالب بها الفلسطينيون الآن، أقيمت عليها مستوطنات إسرائيلية.
كما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الملك عبد الله الثاني في الأسبوع الماضي، في حين التقى العاهل الأردني بعد ذلك مسؤولين فلسطينيين يوم الأربعاء 21 يونيو/حزيران 2018.
ورغم إصراره على أن أي اتفاق يجب أن يتضمن في النهاية حصول الفلسطينيين على أراضيهم وجزء من القدس، مارس الأردن في الوقت نفسه ضغوطاً على السلطة الفلسطينية للقبول بالاجتماع بالأميركيين والتحدث معهم، مع الاحتفاظ بحقهم في رفض كل ما يرونه غير مقبول.
دول خليجية ستقوم بتمويل الإغراءات الاقتصادية المقدمة للفلسطينيين
ولكن هذا الموقف الأردني يبدو مختلفاً نوعاً ما عن مواقف دول الخليج العربي، التي تنتظر منها الإدارة الأميركية تمويل الإغراءات الاقتصادية المقدمة للفلسطينيين. ولا يعتبر الملك عبد الله الثاني وصياً على الأماكن المقدسة للمسلمين في القدس فقط؛ بل تجمع الأردن أيضاً مسائل ثنائية عميقة مع إسرائيل، من بينها حقوق استغلال المياه، والأمن على الحدود. ويعيش أكثر من 2 مليون فلسطيني على الأراضي الأردنية، كما أن له حدوداً مع سوريا والعراق. وتستقبل البلاد اليوم ما لا يقل عن 1.3 مليون لاجئ سوري، ما يشكّل ضغطاً إضافياً على اقتصادها المتعثر.
أعلنت السعودية والإمارات عن دعمهما لموقف الفلسطينيين؛ ولذلك يعد التخلي عنهم في الوقت الحالي أمراً مكلفاً سياسياً. وقد باتت هذه القضية مصدر قلق لأبوظبي والرياض، حيث يركز كلا البلدين بشكل مطلق على ما يعتبرانه الخطر الإيراني، ويشعران بالرضا إزاء سياسة الإدارة الأميركية تجاه طهران.
وقد عرضت وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخراً العديد من التقارير حول استعداد السعوديين والإماراتيين لدعم الخطة الأميركية للسلام، ولي ذراع محمود عباس لإجباره على الأقل على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وفي الوقت نفسه، قررت السعودية والإمارات، إلى جانب دولة الكويت، التدخل لتقديم الدعم المالي للأردن، من خلال التعهد خلال هذا الشهر بدفع 2.5 مليار دولار لإنعاش اقتصاد الأردن المتعثر. كما تعهدت قطر أيضاً بدفع 500 مليون دولار.
ويبدو أن القرار بإعلان خطة السلام الأميركية، رغم غياب أي مؤشرات على استعداد عباس لقبول المقترح، يعد دليلاً على أن إدارة ترمب لا تهتم كثيراً بموقف رئيس السلطة الفلسطينية البالغ من العمر 82 سنة.
وقد ساهمت سياسات ترمب في توتر العلاقات الأميركية–الفلسطينية. ووجه البيت الأبيض لمحمود عباس وقيادات حركة فتح اتهامات عديدة، من بينها التقليل من احترام نائب الرئيس مايك بنس، وذلك من خلال رفض الالتقاء به منذ إعلان نقل السفارة في 6 من ديسمبر/كانون الأول الماضي. وكان ترمب قبل ذلك قد عقد لقاءات إيجابية مع محمود عباس، من بينها اجتماعات في البيت الأبيض، وتحدثا بكل تفاؤل حول التوصل لإبرام اتفاق نهائي وتسوية الصراع.
ولكن منذ حدوث القطيعة بين الطرفين، ركزت إدارة ترمب على المبادرات الاقتصادية والإنسانية في الضفة الغربية، التي يديرها محمود عباس، إلى جانب قطاع غزة الذي يشرف على إدارته خصومه في حركة حماس.
وقد أدخل محمود عباس المستشفى عدة مرات خلال الشهر الماضي، وبقي فيه فترة طويلة نسبياً للتعافي من التهاب في الرئة. ورغم أن عباس لم يعلن عن نيته التنحي عن السلطة، فإن تساؤلات عن الشخصية التي ستخلفه خيمت على المشهد السياسي الفلسطيني هذا العام.
وقد أكد مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية، أن بلاده ليس لديها موقف واضح بخصوص هذه المسألة. ولكن جزءاً من استراتيجية واشنطن يتمثل في تجاهل الحرس القديم بمنظمة التحرير الفلسطينية والترويج لمقترح الاتفاق مع إسرائيل. وقال هذا المسؤول: "نريد أن يسمع الشعب الفلسطيني رسالتنا بشكل مباشر، فهو يتعرض للكثير من المغالطة الإعلامية، ونحن نريد معالجة هذا الأمر"، وفق صحيفة Washington Post.
وأضاف المصدر ذاته: "هذا لا يعني أنه يمكننا أن نحل مشكلة مسار السلام بهذه الطريقة. ففي النهاية، إذا لم نحل الخلاف حول القدس، فلن يتم حل المشاكل الأمنية، وربما لن يكون هنالك اتفاق سلام. ولكن ما يمكن أن نحققه هو تحسين الحياة اليومية للناس، فهم يبحثون عن السلام وحياة أفضل على حد السواء، ولا يعتقدون أن القيادة الفلسطينية الحالية قادرة على تحسين ظروف عيشهم".
بدا التوتر واضحاً بين إدارتي ترمب ومحمود عباس خلال الأسابيع الأخيرة. فقد تصاعدت وتيرة الاتهامات والمشاحنات المتبادلة بين صائب عريقات وجيسون غرينبلات، في مقالات الرأي على أعمدة الصحف الإسرائيلية.
كوشنر وغرينبلات يسعيان لفرض حل عبر جعل القدس عاصمة لإسرائيل
كتب غرينبلات افتتاحية خلال الأسبوع الماضي، في صحيفة Haaretz، تحت عنوان "الفلسطينيون يستحقون من هو أفضل من صائب عريقات". وفي حوار صحفي، اتهم عريقات الولايات المتحدة بالسعي لتغيير القيادة الفلسطينية والمفاوضين. كما صرح بأن الفلسطينيين عقدوا 35 لقاء مع مسؤولين في إدارة ترمب قبل قرار نقل السفارة؛ ولذلك لا يرون داعياً للعودة للحوار.
وقال عريقات: "ليس هناك أي خطة سلام، كوشنر وغرينبلات يسعيان لفرض حل عبر جعل القدس عاصمة لإسرائيل، وإضفاء الشرعية على المستوطنات، وتغيير صبغة الصراع من صراع سياسي إلى صراعٍ إنساني".
كما انتقدت القيادة الفلسطينية ما ورد في بعض التقارير، حول سعي كوشنر وغرينبلات لحشد الدعم العربي عبر جمع 1 مليار دولار من الاستثمارات لقطاع غزة، خلال جولتهما في المنطقة.
من جهتها، قالت حنان عشراوي، عضو المكتب التنفيذي لمنظمة التحرير الفلسطيني: "بالطبع، نريد وضع حد لمعاناة سكان قطاع غزة. لكن ما يحاول الأميركيون فعله هو فصل القطاع عن فلسطين وإيجاد حل للمسألة التي تشغل بالهم فعلاً وهي أمن إسرائيل، عوضاً عن إيجاد حل سياسي".
وأردفت عشراوي أن "الإدارة الأميركية على ما يبدو ستعتمد استراتيجية السلام الاقتصادي من خلال قطاع غزة، مع جعل الدول العربية تدفع الثمن".