خلال 15 عاماً في السلطة، نجح رجب طيب أردوغان في إحداث تغييرات عميقة في تركيا، ويحاول الآن ترسيخ سلطته نهائياً ودخول التاريخ على قدم المساواة مع مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك.
فلا السجن ولا التظاهرات الحاشدة ولا حتى المحاولة الانقلابية نجحت في وقف صعود "الريس" كما يحلو لأقرب مؤيديه تسميته، علماً أنه يحكم البلاد بقبضة تزداد حزماً منذ 2003.
وفي سن الرابعة والستين أصبح أردوغان قريباً من تحقيق هدفه، وهو أن يفوز في الانتخابات العامة التي تُجرى الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، كرئيس يتمتع بصلاحيات واسعة فُصلت على قياسه، بموجب مراجعة دستورية أقرت العام الماضي.
"نجح في تغيير تركيا"
أيا تكن نتيجة الاقتراع الذي يبدو أنه سيشهد منافسة حادة لم تكن متوقعة، نجح أردوغان في تغيير تركيا عبر مشاريع هائلة للبنى التحتية، واتباع سياسة خارجية أوضح، مجازِفاً بإغضاب الحلفاء الغربيين التقليديين.
بالنسبة لأنصاره، يبقى أردوغان على الرغم من الصعوبات الحالية، رجل "المعجزة الاقتصادية" التي أدخلت تركيا إلى نادي أغنى عشرين دولة في العالم، وبطل الأغلبية المحافظة التي تثير استياء نخبة المدن وحماة النظام العلماني.
لكن معارضي أردوغان يتهمونه بنزعة استبدادية، خصوصاً منذ المحاولة الانقلابية التي وقعت في يوليو/تموز 2016، وتلتها حملات تطهير واسعة. وتم توقيف معارضين وصحفيين أيضاً، ما أثار قلق أوروبا.
خطيب استثنائي
غالباً ما يصور أردوغان في الغرب كسلطان متمسك بالعرش، لكن الرجل الذي يحنّ إلى الإمبراطورية العثمانية، في الواقع، سياسيٌّ محنك، فاز في كل الانتخابات -حوالي عشر عمليات اقتراع- التي جرت منذ وصول حزبه، حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في 2002.
وفي مهرجاناته الانتخابية، يظهر موهبة خطابية استثنائية، ساهمت إلى حد كبير في استمراره سياسياً، مستخدماً القصائد القومية والقرآن لإثارة حماسة الحشود.
ولد أردوغان في حي شعبي في إسطنبول، وكان يتطلع إلى امتهان رياضة كرة القدم التي مارسها لفترة قصيرة، قبل أن ينتقل إلى العمل السياسي.
وقد تعلَّم أصول اللعبة السياسية داخل التيار الإسلامي، الذي كان يقوده نجم الدين أربكان، ثم دفع إلى الواجهة مع انتخابه رئيساً لبلدية إسطنبول في 1994.
في 1998، حُكم عليه بالسجن مع النفاذ، بعدما أنشد قصيدة دينية في حدث لم يؤد سوى إلى تعزيز موقعه.
وتمكن من الانتقام عندما فاز حزب العدالة والتنمية الذي شارك في تأسيسه، في انتخابات 2002. ففي السنة التالية أصبح رئيساً للحكومة، وبقي في هذا المنصب حتى 2014، عندما أصبح أول رئيس تركي يُنتخب بالاقتراع العام المباشر.
وما زال أردوغان المتزوج والأب لأربعة أولاد، والسياسي المفضل لدى غالبية من الأتراك، الرجلَ الوحيد القادر على "التصدي" للغرب، وقيادة السفينة في الأزمات الإقليمية بدءاً بالنزاع في سوريا.
وسمحت له خطبه العنيفة ضد "كراهية الإسلام" المنتشرة في أوروبا، ومواقفه المؤيدة للفلسطينيين باكتساب شعبية كبيرة في العالم الإسلامي.
"العمل باق"
لكن منذ التظاهرات الكبيرة المعادية للحكومة، والتي تم التصدي لها في ربيع 2013، أصبح أردوغان الشخصية التي تواجه أكبر انتقادات في تركيا، حيث يدين معارضوه ميله إلى إرساء حكم إسلامي يصفونه بالمستبد.
وواجه "الرئيس" أسوأ اختبار ليل 15 إلى 16 يوليو/تموز 2016، خلال محاولة انقلابية دامية.
وقد طبعت في الأذهان صورة أردوغان وهو يوجه نداءً إلى الشعب في تلك الليلة عبر شاشة هاتف نقال. ثم بعد ذلك وصوله مظفراً إلى مطار إسطنبول فجراً، معلناً هزيمة الانقلابيين.
واتهم الرئيس التركي حليفه السابق الداعية فتح الله غولن بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية، لكن غولن ينفي ذلك. وأطلقت بعد ذلك حملات تطهير واسعة.
وفي كل الأحوال يبدو أن أردوغان الذي يمجده مؤيدوه ويكرهه معارضوه، مقتنع بأنه سيترك بصمة لا تُمحى على صفحات التاريخ.
ويُكرر الرئيس الذي أمر ببناء مسجد كبير في إسطنبول كما فعل السلاطين قبله "الحمار يموت وسرجه باق. الرجل يموت وأعماله باقية".