بعد المصافحات، ومراسم توقيع الاتفاقيات، والأبَّهة الدبلوماسية المحيطة باللقاء التاريخي بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون ، قد يصل كثيرٌ من الإيرانيون إلى استنتاجٍ واحدٍ فقط: علينا أيضاً التحدُّث إلى أميركا.
صحيحٌ أنَّ ترمب انسحب بالولايات المتحدة -بقرارٍ من جانبٍ واحد- من الاتفاق النووي المُبرم بين إيران ومجموعة من القوى الدولية. وصحيحٌ أنَّه فرض عقوباتٍ اقتصادية جديدة ضد إيران تُبعِد بدورها المستثمرين الأوروبيين عنها. وصحيحٌ أيضاً أنَّ لترمب تاريخاً طويلاً من تبدُّل الآراء.
وبرغم ذلك كله، يقول البعض، بحسب صحيفة The New York Times الأميركية، ربما يجدر بزعماء إيران القيام بخطوةٍ مشابهة لتِلك التي اتَّخذها كيم والتقدُّم باقتراح عقد اجتماعٍ مع الرئيس الأميركي. فإذا كان بإمكان ترمب الجلوس مع رئيس دولةٍ منعزلةٍ كتِلك، تحوي معسكرات اعتقال، وتُنفِّذ أحكام إعدامٍ دون محاكماتٍ كاملة، وتملك مخزوناً من الأسلحة النووية والصواريخ العابرة للقارات، لمَ لا يتحدَّث مع إيران إذن؟
يُذكَر أنَّ ترمب قال سلفاً إنَّه مستعد للتصريح بإجراء محادثاتٍ مباشرة مع القادة الإيرانيين لإعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي مع إيران.
وقال مسعود دانشمند، وهوَ عضوٌ في غرفة التجارة بالعاصمة الإيرانية طهران: "إنَّنا دولةٌ تُقيم انتخاباتٍ محلية، وبرلمانية، ورئاسية. ومُجتمعنا ذو الثمانين مليون نسمة مجتمعٌ منفتح وحيوي. ونتشارك حدوداً مع عدة دول. وتمتلك إيران مجتمعاً أكثر تقدماً وانفتاحاً بكثير، مقارنةً بكوريا الشمالية.
فلماذا لا يُمكن أن تجتمع إيران وأميركا معاً وأن يُجريا محادثاتٍ مباشرة؟
يكمن أحد أسباب ذلك في أنَّ قادة إيران يعارضون التحاور مع الولايات المتحدة من الناحية الأيديولوجية. ومثلها مثل كوريا الشمالية، لا تمتلك إيران أية علاقاتٍ دبلوماسية مع الولايات المتحدة. وعُرِف سلفاً عن بعض الرؤساء الإيرانيين الزائرين للأمم المتحدة أنَّهم كانوا يختبئون في المراحيض لتجنُّب رؤيتهم مع رئيس أميركي.
ويتمثل سببٌ آخر في أنَّ انسحاب ترمب من الاتفاق النووي المُبرم في عام 2015 برَّر موقف المتشددين كارهي أميركا في إيران. فهُم الآن يقولون إنَّ قرار دخول محادثاتٍ مباشرة مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، تحت مظلة المفاوضات النووية، لم يأتِ لهم إلا بالصعاب. وعليه يقولون إنَّهم لن يسمحوا بتكرار ذلك مجدداً.
لكنَّ تِلك الصعاب ذاتها -من اقتصادٍ متعثر وأسعارٍ متزايدة وإعادة فرض عقوباتٍ اقتصادية قديمة على البلاد- هي التي تدفع بعض الإيرانيين إلى القول إنَّه ليس هناك مخرجٌ من توترٍ ساد لعشراتٍ الأعوام مع واشنطن إلَّا بالمحادثات المباشرة.
وقال هادي مختاريان (40 عاماً) وهوَ يملك بستان برتقالٍ قرب بحر قزوين: "الاقتصاد في حالةٍ سيئة وقادة البلاد بحاجةٍ إلى بيع النفط، كيف يمكنهم ذلك في ظل العقوبات الاقتصادية؟ أعتقد أنَّنا لن نملك خياراً في النهاية سوى التحدُث إلى أميركا".
قال مختاريان إنَّه -مثل معظم من يعرفهم- لا يرغب في الثورة على قادة إيران، مضيفاً: "لكنَّهم إن تحدَّثوا مع ترمب وتحسَّن الوضع، أعتقد أنَّ هذا سيكون أمراً رائعاً وسيُرضي الكثير من الناس".
وفي متجرٍ صغير غربي طهران، حيث يبيع محمد شاهدادي (33 عاماً) أدواتٍ بلاستيكية وأغراضاً للاستعمال مرةً واحدة مثل الأكواب والدلاء، كان العمل راكداً، واعترف شاهدادي أنَّ الوضع مستمرٌ على هذا الحال منذ فترة. وقال: "أتساءل لمَ علينا الاستمرار باتِّباع سياستنا الخارجية الحالية؟ حان وقت التغيير. فمن أجل مصلحة الإيرانيين، ولإنقاذنا من هذا الوضع السيئ، ينبغي لقادتنا الاجتماع بترمب وتسوية الخلافات القديمة بين البلدين".
تاريخ سيئ من العلاقات بين البلدين
جديرٌ بالذكر أنَّ قائمة هذه الخلافات القديمة تطول. ففي عام 1953، نظَّمت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) انقلاباً ضد محمد مصدق رئيس الوزراء الإيراني المُنتخب ديمقراطياً آنذاك، وكذلك دعمت واشنطن الشاه المُستبِد محمد رضا بهلوي بقوةٍ لأعوام.
وفي عام 1979، احتلَّ طلبةٌ ثوريون إيرانيون مقر السفارة الأميركية في إيران واحتجزوا 52 رهينة من الأميركيين، وبعد ذلك ساندت واشنطن العراق في أثناء حربها الدموية، التي استمرت ثمانية أعوامٍ ضد إيران. وعلى مرِّ عشراتٍ من الأعوام، شهدت العلاقة بين البلدين عقوباتٍ اقتصادية، وهجماتٍ إلكترونية وغيرها من العمليات السرية، وهجماتٍ إرهابية، وخلافاتٍ دبلوماسية عديدة. والآن، بجانب انسحابها من الاتفاق النووي، تلوم إدارة ترمب القيادة الإيرانية على معظم المشكلات التي يواجهها الشرق الأوسط، وتتحدَّث عن ضرورة تغيير النظام الإيراني.
وقال سعيد ليلاز، وهو عالم اقتصادٍ مقرَّب من الحكومة الإيرانية: "في الواقع، لا تعد المحادثات المباشرة خياراً واقعياً في ظل الظروف الراهنة". وقال ليلاز إنَّ الأمر لا يقتصر على وجود ضغائن قديمة بين الدولتين، بل فَرَض ترمب على إيران شروطاً مختلفة عن الشروط التي فرضها على كوريا الشمالية. وقال ليلاز: "يريد أن تتنازل إيران عن كل شيء، دون تقديم أي حافز في المقابل. لمَ قد نجتمع بِه تحت شروطٍ كهذه؟".
كذلك يتوجس المسؤولون الإيرانيون خيفةً من طبيعة ترمب المتقلِّبة. إذ حذَّر محمد باقر نوبخت المتحدث باسم الحكومة الإيرانية كوريا الشمالية في الأسبوع الجاري من أنَّ كلمة ترمب ليست محل ثقة، مشيراً إلى قرار الرئيس الأميركي بإبطال توقيعه على البيان المشترك لاجتماع مجموعة السبع في كندا.
وقال نوبخت: "لا أدري مع مَن يتباحث زعيم كوريا الشمالية. هذا الرجل ليس ممثلاً حكيماً للولايات المتحدة. أتمنى أن تفعل الأمَّة الأميركية نفسها شيئاً بخصوصه".
اقرأ أيضاً..
"لقد أدخلتنا في نفق مظلم".. انسحاب ترمب من الاتفاق النووي يدمر أحلام الإيرانيين