أصابت التوقعات بالفعل وانتخب الأربعاء 7 نوفمبر/ تشرين الثاني الدكتور أحمد الريسوني، رئيساً للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين خلفاً للدكتور يوسف القرضاوي. وأظهرت نتائج الانتخابات، التي جرت في تركيا، حصول الريسوني على 93.4 في المائة من أصوات علماء المسلمين، فيما امتنعت نسبة قليلة من العلماء عن التصويت للقرضاوي، وصوت ضده 2.2 في المائة من العلماء.
ملفات شائكة في منطقة الخليج وصل صداها للمغرب، الذي كان في كثير من الأحيان جزءاً منها، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر. وحتى ثورات الربيع العربي، كان للمغرب نصيبه منه، لكن بشكل مختلف، يتحدث عنه الريسوني، وهو عضو مؤسِّس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وانتُخب نائباً لرئيسه.
للدكتور الريسوني (65 عاماً)، وهو مستشار أكاديمي لدى المعهد العالمي للفكر الإسلامي والرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، إنتاجات فكرية وعلمية غزيرة تُرجمت إلى عدد من اللغات كالفرنسية والإنكليزية والفارسية والبوسنية، من بينها "فقه الثورة" و"مقالات في الحرية" و"الفكر الإسلامي وقضايانا السياسية المعاصرة" و"فقه الاحتجاج والتغيير" وغيرها كثير.
حوار "عربي بوست" مع الريسوني سلط الضوء على قضايا المقاطعة في المغرب، ومسار حزب العدالة والتنمية بالحكومة وجدل المساواة في الإرث، بالإضافة إلى الأزمة الخليجية والقضية الفلسطينية.
- كل عام تقريباً، يشهد شهر رمضان في المغرب نقاشاً حول الفصل 222 من القانون الجنائي، (يجرّم الإفطار العلني في رمضان ويعاقب بغرامة مادية وبالحبس)، هل من جدوى أو أهمية لهذا الفصل في نظرك؟
أعتقد أن المغرب في غِنى عن هذا الفصل الذي لا يُقدِّم ولا يؤخِّر شيئاً، كما أن المغاربة لا يصومون بفضل هذا الفصل ولا بفضل القانون الجنائي، والمعروف أن المغاربة من أكثر الشعوب الإسلامية صياماً، ربما هم أقل تديُّناً في جوانب أخرى، إلا أنهم يقدرون فريضة الصيام دون من سواهم.
رغم ذلك، بعض الفئات والأفراد يريدون التشويش على كل ما له أصلٌ في الدين، وأحسَبُ أن الغرض من هذه الدعوات هو تصوير المغاربة على أنهم يصومون بسبب القانون، والحقيقة أن كل من يريد الإفطار اليوم لوجود عُذر أو بغيابه، لا يتدخل فيه أحد، وحتى الدولة لا تتدخل. أما إجراءات قوات الأمن تجاه البعض، فكانت في حق محاولات الإفطار الاستفزازي الذي يصب في خانة التبجُّح والتحدي.
عدد من المغاربة يُرَون وهم يتناولون الطعام في نهار رمضان داخل سياراتهم على سبيل المثال، ودائماً يتم افتراض أن لهم أعذاراً شرعية، فلدينا عشرات الأعذار للنساء والرجال؛ ومن ثم فلا أرغب في بقاء هذا الفصل، الذي لا يُقدم للمغاربة أو يحرمهم من شيء، فإن أرادت الدولة إلغاءه في أقرب تعديل جنائي فذاك ما أُحبذه.
- ما رأيك في خوض المغاربة حملة شعبية لمقاطعة عدد من الماركات التجارية من أجل تخفيض الأسعار؟
الخطوة في حد ذاتها من إيجابيات الوضع المغربي، فوجودها والاشتغال عليها بقدر من الاطمئنان والحرية، يدلان على أن المغرب في وضع إيجابي على كل حال.
هذه الخطوة تنم عن وعي متزايد في الأوساط الشعبية وروح المبادرة لهم، ساعدت عليها وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أتت بنتائج إيجابية.
في اعتقادي أن خطوة المقاطعة، وخاصة المنتجات الثلاثة، لها بُعد سياسي لا يخفى، فالأمر لا يقتصر على الغلاء فقط؛ لأن المغاربة يُعانون ارتفاع الأسعار في مواد أكثر من هذه، إلا أن المعنى الذي رُوعي هو الجمع بين سلطة المال والسياسة.
والحكومة أصبحت مُكبَّلة برجال الأعمال وبأصحاب الشركات، ومختلف الوزارات باتت مكبلة بهؤلاء الأشخاص ممن يملكون أحزاباً ويملكون شركات. أحزابهم عبارة عن شركات وشركاتهم عبارة عن أحزاب، وهذا مشكل كبير تتصدى له المقاطعة، وهذا نفسه ما انتقده ابن خلدون منذ القديم؛ وهو الجمع بين التجارة والإمارة، وقال إنه سبب الفساد.
- سمح الملك محمد السادس للمرأة المغربية بالولوج لمهنة العدول، ما رأيك بالقرار الملكي؟ وهل ستُقدِّم المرأة إضافة لهذا المجال؟
القيمة المضافة هنا هي المرأة نفسها، وإلا فلن تقدم للمهنة شيئاً، المرأة اكتسبت مساحة جديدة للعمل والعطاء والإسهام في متطلبات المجتمع. أما مهنة العدول، فستُمارسها النساء كما يقوم بها زملاؤهن من الرجال.
أما من حيث إسناد مهمة من هذا القبيل إلى المرأة لأول مرة في تاريخنا المغربي، فأعتبر أن الأمر تطوُّر إيجابي، ولا يوجد ما يمنع الأمر بتاتاً، ذلك أن للمهنة تفاصيلَ وشروطاً وضمانات تتطلب بالضرورة رجلاً واحداً لا رجُلين.
أكثر من هذا، أرى أن مهمة التوثيق العدلي يجب أن تُسند إلى امرأة واحدة وليس لاثنتين؛ إذ تتعالى أصواتٌ مطالِبة بالاكتفاء بعدل واحد فقط عند التوثيق، ونعلم أن الشهادات العدلية يقوم بها عدلان اثنان، وحين يقوم العدلان بتوثيق أي وثيقة يكون مصحوباً بعدد من الضمانات وإمضاء المعنيِّين بالأمر الذين يُدلون بوثائق رسمية عديدة، وهذا توثيق كافٍ في حد ذاته.
- بالمغرب دائماً ما تتعالى أصوات لشخصيات سياسية ومدنية تطالب بإرساء المساواة في الإرث ما بين الرجل والأنثى، فهل يحتمل هذا الطرح الاجتهاد في رأيكم؟
لا أعلم أن هناك أحزاباً سياسية تقدَّمت بطلبات رسمية لتعديل نظام الإرث، وللأمر أهميته، بمعنى أن الهيئات ذات الوزن السياسي لم تدخل في هذا الموضوع. أما نظام الإرث، كجميع أبواب التشريع الإسلامي، ففيه ثوابت ومتغيرات وقَطعيات ثابتة منصوصة ومساحات اجتهادية.
ما هو منصوص عليه في القرآن بصفة قطعية وصريحة وواضحة وأجمعَ عليه المسلمون من عهد الصحابة إلى اليوم ولا مجال لتغييره، الآية الكريمة: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأُنثيَين"، هذه أمور مؤكدة بوصية من الله تعالى ولا مجال لتغييرها.
ومن أراد تغيير هذا الأمر فعليه أن يُقيم نظاماً جديداً للمجتمع والتشريع. أما مجالات الاجتهاد، فواسعة وموجودة، وتعزيز مكانة المرأة وإنصافها وإزالة أي غبن بشأنها موجود، إلا أن المنصوص الصريح يجب أن يظل ثابتاً. وإلا فهناك حالات ترث فيها المرأة كالرجل أو أكثر منه، وهناك امتيازات للمرأة كالإعفاء من النفقة واستحقاقها الحضانة وغيرها.
- سبع سنوات على اندلاع الثورات العربية، مع كل ما يقع اليوم في عدد من الدول. هل سيُزهر الربيع يوماً؟
نتحدث عن الربيع العربي وما بعده، الربيع كان كذلك بكل ما للكلمة من معنى، حيث طالبت الشعوب بالحرية والديمقراطية والكرامة بطريقة سلمية وحضارية، إلا أن من اعتبروا أنفسهم مهدَّدين أو متضررين منه انقضُّوا عليه. فمنهم من اعتبروا أنفسهم متضررين بالفعل كالطبقة العسكرية في مصر ورجال أعمال فاسدين وفنانين مرتزقة، تأهَّبوا وانقضوا على الربيع العربي بمصر.
كذلك، هناك فئة كانت مهدَّدة، ومن شدة هلعها وهشاشة أنظمتها رأوا أنه لو نجح الربيع واستمر فسيهدد أنظمتهم، هؤلاء جميعاً انقضوا على الربيع العربي؛ لذلك يجب التفريق بين الربيع العربي في ذاته والهجوم عليه، الذي كان دموياً بالانقلابات، والجيوش وإثارة الحروب الأهلية كما في ليبيا.
الربيع العربي تعرَّض للهجوم ومُني بهزيمة لا نعلم إن كانت مؤقتة أم نهائية، في حين استطاع الحفاظ على بعض مكتسباته في بعض الدول كما هو الحال بالنسبة لتونس والمغرب اللتين استفادتا من هذه الموجة وما زالت الآثار الايجابية مستمرة.
نرجو أن تضمد ليبيا جراحها وتتخلص من التدخل الخارجي. أما دول أخرى، فغارقة ويصعب التنبؤ بمستقبلها كمصر وسوريا واليمن، إلا أن كل هذه المآسي لا دخل للربيع العربي بها، إنما هو ذنب الثورات المضادة.
- بالنسبة للمغرب، هل استطاعت "الثورة الناعمة" التي أتت بحزب إسلامي على رأس الحكومة تحقيق إصلاح في ظل الاستقرار؟
ما حصل في 2011 و2012 بالمغرب كان إيجابياً وذكياً ومُقدِّراً للظرفية، وتفاعلَ معها بإيجابية بدرجة من الدرجات، هذه المكتسبات ما زالت مستمرة، ولو أنها تعرف بعض التضييق أو الصعوبات، فالدستور ما زال معمولاً به وقائماً، وهو عنوان هذه المكتسبات.
أما حزب العدالة والتنمية، فما زال في الحكومة رغم عرقلة تشكيلها وعدد من الانتقادات الموجهة لها، لكنها أمور جزئية، ويبقى الأهم أن التجربة ما زالت مستمرة لم يتم الانقلاب عليها؛ بل إنَّ أتمَّ ما بقي من الربيع العربي كان بالمغرب.
- بخصوص الأزمة الخليجية والحصار المضروب على قطر، كيف ستتطور الأمور في نظركم؟
لا يبدو أن شيئاً سيقع، لا في الأفق القريب ولا المتوسط، فلا يُنتظر وقوع أسوأ مما كان، ولا حتى أن يسير الملف نحو حل إيجابي؛ ذلك أن الاختلاف واسع، وقطر مُتمسكة بمواقفها وإيواء عرب ومسلمين ودعاة، ومتمسكة كذلك بقناة الجزيرة، التي لها هامش من الحرية الإعلامية والمهنية.
استقلالية الدولة الداخلية أكثر ما يزعج الآخرين ممن يُريدون تسليم الهاربين من ظلم أنظمتهم. أما قطر، فمُتمسكة بعدم طردهم ولا تسليمهم؛ ومن ثم فلا مؤشرات في تغيير أي موقف للطرفين.
في غضون ذلك، تسعى قطر إلى بناء علاقات اقتصادية وتجارية جديدة، وتؤسس داخلياً لتلبية احتياجاتها التي كانت متوقفة على السعودية. باختصار، الأزمة مستمرة، وستبقى الأمور على ما هي عليه جيلاً أو أكثر.
- بخصوص السعودية، تم مؤخراً افتتاح دُور السينما وتنظيم حفلات عامة والسماح للمرأة بالقيادة والاختلاط، ما رأيكم في هذا التوجه الجديد؟
ما تعرفه السعودية منذ ما يقارب السنة، يجب أن يُوضع ضمن مختلف التغيرات والتدابير التي تشهدها البلاد، وأولها الاعتقالات التي مسَّت جميع الفئات من أمراء ورجال أعمال ومفكرين وفقهاء وإعلاميين، وأرى أنه للتخفيف من وطأة هذه الاعتقالات عمَدت إلى التشجيع على الحفلات الفنية وقيادة النساء للسيارات وغيرها.
تصرفات أخرى قامت بها السعودية عليها علامات استفهام، كالأموال التي باتت تُعطى لأميركا دون أي مُبرر، فقبلاً كانت الأموال تعطى عبر مبادلات وصفقات وسلاح ولو لم يكن ذا منفعة. أما الآن، فبات إعطاء الأموال قصد التزام الصمت والحماية لا لشيء آخر.
هذه جميعاً هي التحولات التي يجب أن نضع فيها الخطوات نحو الانفتاح على السينما والحفلات وغيرها، فلطالما عُرفت السعودية بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي التي تم تجميدها وإحداث الهيئة العامة للترفيه، التي يصفها سعوديون بكونها هيئة تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف.
- في القضية الفلسطينية نجد أن لا تضامن بين الأطراف العربية أمام المجازر الإسرائيلية المرتكبة ضد الفلسطينيين، لماذا؟!
لم تعُد ردود فعل الدول العربية تقتصر على تصريحات أو بيانات متواضعة إزاء هذا الوضع، الجديد اليوم هو أن الخطوات الحالية التي تقوم بها إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، التي نقلت سفارتها نحو القدس باعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل كما يزعمون، تتم بإيعاز ومباركة وتزكية من دول عربية؛ كمصر والإمارات والسعودية.
يمكن القول إن هناك دولاً ما زالت صامدةً على مستوى البيانات التي تُعرب عن اعتراضها واستنكارها. أما حكام دول أخرى، فيدعون الفلسطينيين إلى القبول بما يُعرض عليهم والتوقف عن التعنت والممانعة، ولكن الشعب الفلسطيني والشعوب العربية ما زالت تؤكد كل مرة أنها لن تتنازل.
أومن بأن ما سيدوم هو ما تؤمن به الشعوب، أما ما تؤمن به الأنظمة فهو أمر مؤقت وإلى زوال، والشعوب الإسلامية من نواكشوط إلى جاكرتا تعبر عن رفضها لإسرائيل والتطبيع وتؤمن بأن القدس عاصمة فلسطين ومدينة عربية إسلامية.
كم من الوقت ستقاوم إسرائيل هذه الشعوب الممتدة المحيطة بها، إسرائيل إلى زوال ولا مستقبل لها، وهي رهينة بالأوضاع العربية المزرية والتواطؤ العربي والدعم الغربي والأميركي اللا مشروط، وهي أمور لا يمكن أن تدوم، فلا يمكن لإسرائيل أو لمن جُلِبوا إليها أن يتحملوا هذه الوضعية للأبد.