أعلنت وزارة العدل الأميركية، الأربعاء 6 يونيو/حزيران 2018، أنه سيتم الإفراج في سوريا، عن أميركي-سعودي، يشتبه بأنه ينتمي إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، ومعتقل منذ أكثر من ثمانية أشهر في العراق، سعياً لإيجاد مخرج لقضية شائكة تواجهها إدارة الرئيس دونالد ترمب.
وبعدما فشل البيت الأبيض في توجيه تهم للرجل، المعروف باسم "جون دو"، حاولوا تسليمه إلى السعودية، إلا أن محكمة في واشنطن منعت ذلك، لتتجه وزارة العدل إلى الإفراج عنه في سوريا، حيث اعتُقل أساساً.
لكن ممثله القانوني "الاتحاد الأميركي للحريات المدنية"، أكد على الفور أنه سيعمل من أجل منع الإفراج عنه في سوريا، معتبراً أن ذلك سيكون بمثابة "حكم بالموت" على الرجل، نظراً لسوء الأوضاع الأمنية هناك، وصعوبة ضمان خروجه إلى مكان آخر أكثر أمناً.
تغير في موقف البيت الأبيض
ويشكل قرار الإفراج عن المعتقل تبدلاً مفاجئاً في موقف الحكومة الأميركية، بعدما أمضت أشهراً منذ أسره، في سبتمبر/أيلول 2017، تدافع عن صلاحياتها في احتجازه إلى ما لا نهاية، باعتباره "مقاتلاً عدواً" في سوريا، حارب في صفوف "داعش"، وهو ما نفاه "دو".
وأثارت هذه القضية تساؤلات عما إذا كان البيت الأبيض سيرفع القضية إلى القضاء الأميركي، أو يسلم المعتقل إلى السعودية، أو يقوم بنقله إلى معتقل غوانتانامو العسكري في كوبا، مثلما هدد ترمب من قبل.
ونجح الاتحاد الأميركي للحريات المدنية منذ شهرين، في منع اتخاذ قرار بنقله إلى بلد آخر يرجح أنه السعودية بدون موافقته.
ووافقت المحكمة على حجة المنظمة التي قالت إن خطوة كهذه ستشكل انتهاكاً للحقوق الدستورية الأميركية للرجل المولود في الولايات المتحدة لعائلة سعودية.
وفي قرارها الأربعاء، قالت وزارة العدل الأميركية إن الجيش الأميركي عرض على "جون دو" أن يتم الإفراج عنه في بلدة لم يذكر اسمها في سوريا أو خارج مخيم سوري للنازحين.
وأضاف قرار المحكمة أن المعتقل "لم يحدد أي خيار بين الموقعين، لكنه لن يوافق على الإفراج عنه". وتابع "بناء عليه، وفي إجراء وقائي، أصدرت الوزارة هذا البلاغ للإفراج عن المعنيّ (دو) في البلدة المحددة".
أميركيون في صفوف داعش
وتفيد تقديرات عدة بأن نحو مئة إلى مئتي مواطن أميركي سافروا إلى سوريا والعراق، بعد العام 2010، للانضمام إلى صفوف تنظيم الدولة.
ورغم وجود معلومات تفيد بأن عدداً منهم قتلوا، فإن الرقم غير مثبت، إذ لم تقدم الولايات المتحدة أي بيانات رسمية في هذا الشأن.
وفي 14 سبتمبر/أيلول الماضي، قالت واشنطن، إنها تمكَّنت من احتجاز أول أميركي متهم بالانتماء إلى التنظيم الإرهابي، بعدما سلَّم نفسه لما يعرف بـ"قوات سوريا الديمقراطية"، في إشارة إلى "جون دو".
وتم نقل المتهم إلى العراق، حيث استجوبه الجيش الأميركي ومحققون من مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي). وسمحت القوات الأميركية للجنة الدولية للصليب الأحمر بلقائه، لكنها سعت منذ ذلك الحين لمنعه من الحصول على تمثيل قانوني، وجلسة استماع في المحاكم الأميركية.
تعتيم على قضية "دو"
وجرى التعتيم على الجلسات التي جرت بشأن وضع "جون دو"، بين سبتمبر/أيلول ويناير/كانون الثاني الماضيين، إذ أصرَّ محامو الحكومة على أنه لم يُعرب قط عن رغبة في الحصول على تمثيل قانوني، رغم أنهم لم يُفصحوا إن كان ذلك قد عُرض عليه.
وأوضح المحامون كذلك أن اتحاد الحريات المدنية لا يملك صفة لتمثيله، إذ إن ذلك لم يطلب منه، وحتى لو طُلب من الاتحاد القيام بهذا الدور، فسيكون ذلك غير ممكن لعدم معرفته هوية "دو".
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، رفضت القاضية تانيا شوتكان حجج الحكومة، وأمرتها بالسماح لاتحاد الحريات المدنية الأميركي بالاتصال بالموقوف.
وقال المحامي التابع للاتحاد جوناثان هافيتز، إن الاتحاد أجرى عدة اتصالات عبر الفيديو مع المشتبه به، في حين لا يزال بانتظار قرار كامل بشأن الالتماس الذي تقدَّم به الاتحاد من أجل مثوله أمام المحكمة. لكن الحكومة تفيد بأن لديها الحق في نقله إلى بلد آخر، دون توضيح سبب لذلك.
حقوق أساسية
وقال هافيتز لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الموقوف "يستحق الحصول على الحق الأساسي الممنوح للمواطنين الأميركيين، بعدم تسليمهم من قبل حكومتهم إلى دولة أجنبية بين ليلة وضحاها، دون مراجعة قضائية لسبب نقلهم". وأضاف "لا يمكنهم نقل مواطن أميركي بشكل غير قانوني إلى حكومة أخرى لتجنب مثوله أمام المحكمة".
وأكد هافيتز أن الاتحاد بات حالياً يعرف هويته، لكن لا يمكنه الكشف عنها، حيث إنه لم يتم توجيه اتهامات له بشكل رسمي، إذ لا يزال على الحكومة تقديم دليل بأنه انخرط في صفوف تنظيم الدولة. وقال إن "مقاتلاً عدواً هو وصف فظيع وشنيع. ولم تقدم الحكومة أي أدلة بأنه مقاتل عدو".
ولم تعلن إدارة ترمب عن سبب رفض تسليمه إلى القضاء الأميركي بالتحديد، رغم اتباع ذلك مع أميركيين آخرين اتُّهموا بالإرهاب.
لكن محللين يعتقدون أن البيت الأبيض يريد تجنب السؤال الأساسي بشأن إن كان للمواطنين الأميركيين الذين يُلقى القبض عليهم أثناء قتالهم لصالح تنظيم الدولة، أي حقوق، علاوة على نقص الأدلة.
ويعتقد المحللون أن ترمب يريد على الأرجح إرساله إلى معتقل غوانتانامو، حيث يُحتجز الموقوفون الأجانب في إطار "الحرب على الإرهاب".
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية، إن وزارة العدل الأميركية رفضت التعليق، عند سؤالها عن موقفها من تلك المسألة. وقال هافيتز "برأينا، إن كانوا يريدون اعتقال مواطن أميركي فلا خيار سوى توجيه اتهام له، وإلا فيجب الإفراج عنه".
يشار أن ترمب ألغى، مطلع العام الجاري، أمراً أصدره سلفه باراك أوباما، بإغلاق معتقل غوانتانامو، حيث لا يزال يقبع به 41 معتقلاً.