"أنا مجرد أميبا دموية"، هكذا قال زوج الملكة إليزابيث الأمير فيليب، قبيل حفل زفافه عندما علم بالاسم الذي سيُمنح لأطفاله.
كامرأة تمتهن مهنة استثنائية كانت حياة إليزابيث العادية غير عادية، في كثير من تفاصيلها الأساسية، بدءاً من طريقة تعليمها، وصولاً إلى تسمية أسرتها بعد الزواج، مروراً بقائمة الممنوعين من حضور زفافها، التي جمعت أقرب الناس للزوجين الملكيين، حسب تقرير لمجلة Time الأميركية.
ورغم أنها صاحبة أطول فترة حكم بين الملوك الأحياء على مستوى العالم، فإن مجيئها للحكم جاء صدفةً، ونتيجةً لقصة حب ملكية تعارضت مع التقاليد لتطيح بصاحبها، وتجعل إليزابيث ملكة للإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، محقِّقة العهد الأكثر امتداداً في تاريخ الملكية البريطانية.
لم يكن أحد يتوقع أن تكون ملكة على الإطلاق
لأنها ابنة الابن الثاني لملك بريطانيا، لم يكن يتوقع أن تكون ملكة.
فقد ولدت إليزابيث في 21 من أبريل/نيسان من سنة 1926، ووالدها هو الابن الثاني للملك جورج الخامس، الأمير ألبرت، دوق يورك. وحلت إليزابيث في المقام الثالث فيما يتعلق بالحق في اعتلاء العرش.
صحيح أن شقيق ألبرت الأكبر أمير ويلز، إدوارد، لم يكن قد تزوج بعد، لكن عائلته كانت على يقين بأنه سيستقر وينجب في وقت قريب، وهو ما دفع دوق ودوقة يورك (والداها) لوضع أسس حياة بعيدة عن الأضواء بالنسبة لإليزابيث وشقيقتها الصغرى مارغريت.
ولي العهد يطمئن أسرته بأن رفيقته المطلّقة مجرد صديقة جيدة.. لكن الصحافة الأميركية تدخّلت!
عندما كانت إليزابيث لا تزال صغيرةً، مال عمُّها إدوارد إلى قضاء معظم وقته مع واليس سمبسون، التي كانت امرأة مطلقة، وهو ما أثار مخاوفَ القصر الملكي، حيث لم يكن يسمح للملوك بالزواج من المطلّقات.
وعلى الرغم من تأكيد إدوارد لعائلته أن سمبسون كانت مجرد صديقة جيدة، إلا أن الشائعات سرعان ما بدأت تحوم حول علاقتهما. وفي نهاية المطاف، استدعى إدوارد صديقته الجديدة إلى حفل اليوبيل الفضي الخاص بالملك لسنة 1935، وهو ما أثار حفيظة الملك والملكة.
ومثَّلت العلاقة المحتملة بين الطرفين الموضوعَ الرئيسي لأعمدة صحف الفضائح الأميركية، فيما التزمت الصحافة البريطانية الصمتَ إزاء هذا الموضوع، طوعياً.
موت الملك يحوِّل المسألة لأزمة قومية ولكن مصاب إليزابيث كان مختلفاً
وتحولت المسألة إلى أزمة قومية في بريطانيا عقب وفاة الملك جورج الخامس، في 20 من يناير/كانون الثاني من سنة 1936.
وقد مثَّلت وفاته خسارةً كبيرة بالنسبة لإليزابيث، التي كانت تُكنّ لجَدِّها الكثيرَ من الحب، فضلاً عن كونها واحدةً من الأشخاص القلائل في البلاد الذين لم يكونوا يخشونه فعلاً.
ولعل أبرز دليل على ذلك، أنه وفي إحدى المناسبات، اعترت رئيس أساقفة كانتربيري الدهشة بعد أن شاهد إليزابيث بصدد اقتياد الملك عن طريق مسكه من لحيته، كما لو كان حصاناً.
أما على الصعيد الملكي، فقد شعر البالغون في العائلة بالقلق إزاء نوايا إدوارد بخصوص سمبسون، بعد أن تمت تسميته الملك إدوارد الثامن. وتم تأكيد هذه المخاوف عندما تقدَّمت واليس بطلب الطلاق من زوجها الثاني.
ولكن الملك عاشق أصرَّ على الزواج من حبيبته، فكان رد رئيس الحكومة الصادم!
وفي السادس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1936، استدعى إدوارد رئيس الوزراء البريطاني، ستانلي بلدوين إلى قصر باكنغهام لإعلان نيته الزواج من واليس وجعلها ملكة.
وقد أحاط بلدوين الملك علماً بأن الشعب البريطاني لن يقبل عروسه المستقبلية بسبب الأسس الأخلاقية. وبصفته رئيس كنيسة إنكلترا، يعتبر إدوارد ملزماً باتباع قوانينها الأخلاقية.
لكن إدوارد قرر أن يلبي نداء الحب، وأعلن التخلي عن العرش في العاشر من ديسمبر/كانون الأول، بعد 325 يوماً فقط من تسلمه مقاليد الحكم.
ألبرت المتلعثم يجهش بالبكاء ثم يصعد إلى العرش
"يا لك من مسكينة"، هكذا علَّقت مارغريت شقيقة إليزابيث عندما علمت باحتمال أن تصبح الأخيرة ملكة، بعد تخلي عمِّها عن العرش الذي آلَ إلى والدهما.
وحسب إفادة أحد الخدم، خاطبت مارغريت شقيقتها إليزابيث، البالغة من العمر 10 سنوات، عقب سماع الأخبار قائلة: "هل يعني ذلك أنه يجب عليك أن تكوني الملكة القادمة؟"، فما كان من أختها إلا أن صرَّحت بأن ذلك سيحدث يوماً ما، وهو ما دفع شقيقتها الصغرى للقول: "يا لك من مسكينة".
من المرجح أن مارغريت ورثت مثل هذه المواقف عن والدها ألبرت، الذي عرف بتردده فيما يتعلق بمسائل الحكم.
وقد كتب الملك المتردد أنه "انهار وأجهش بالبكاء مثل الطفل"، عندما كان بصدد مناقشة قرار شقيقه بالتخلي عن العرش مع والدته. ويبدو هذا طبيعياً نظراً لأنه لم يتم إعداد ألبرت ليكون ملكاً، فلم يسبق له أن شاهد وثيقة رسمية في حياته، فضلاً عن أنه واجه صعوبة في الحديث أمام الملأ، حيث لم يستطع التخلص من تلعثمه.
لكن ألبرت كان ملزماً بحكم الواجب، وارتأى أن يتم منحه لقب الملك جورج السادس، ليوجه رسالة مفادها قدرته على الاستمرار في وقت عصيب. وسرعان ما انتقلت عائلته إلى قصر باكنغهام.
مدفوعاً بآلامه.. والدها يرفض إعطاء معاملة تفضيلية للملكة القادمة
في سن الثالثة، ظهرت إليزابيث على غلاف مجلة Time. وقد باتت الأميرات هاجساً وطنياً في المملكة المتحدة في ذلك الوقت. من جهته، كان الملك جورج السادس يشعر بالاستياء على نحو دائم، نظراً لشعوره بأنه الشقيق الأقل تفضيلاً، لذلك كان يصر ألا يعامل أحد إليزابيث بشكل خاص على حساب مارغريت. نتيجة لذلك، كانت الشقيقتان ترتديان ملابس متماثلة على الدوام، فيما كانت ملابسهن تباع على الفور في المتاجر الكبرى.
وعلى الرغم من جهوده الرامية لمعاملة بناته في إطار المساواة، سرعان ما حدد الملك الأدوار المنوطة بكل واحدة من بناته. ولطالما اتسمت إليزابيث بالجدية، حيث اعتادت وضع فردتي حذائها بشكل مستقيم في غرفتها كل ليلة قبل النوم. وكانت تستيقظ فزعة في الليل في حال اعتقدت أن الفردتين ليستا في المستوى ذاته. في المقابل، كانت مارغريت الشقيقة الأكثر نضجاً، كما أنها كانت اجتماعية للغاية.
وقرر أَن يضحي بتعليمها من أجل سعادتها
وعلى الرغم من حقيقة أن إليزابيث أصبحت الوريث الواضح للعائلة، إلا أن الملك والملكة منحا الأولوية لسعادة إليزابيث ومارغريت على حساب تعليمهما. وحيال هذا الشأن، ذهب بعض كتاب السير الذاتية للاعتقاد بأن الملك لم يرد أن تتفوق ابنتاه عليه. ومن المؤكد أن الملكة اعتقدت أن النساء اللاتي سيحظين في نهاية المطاف بوظائف يجب أن يذهبن إلى المدرسة. ولكن النظام التعليمي للأميرتين اقتصر على الدراسة لساعة ونصف الساعة يومياً فقط.
واضطلعت ماريون كراوفورد، التي دعتها العائلة الملكية باسم "كراوفي"، بمهمة تدريس الأميرتين في المنزل. وركزت فصولها الدراسية على تلقينهما فنون الكتابة اليدوية أكثر من إيلاء الاهتمام للعلوم وفن الحكم، ناهيك عن كون الفتاتين تعلمتا تاريخ العائلة الملكية. وفي سن 13، بدأت إليزابيث حضور دروس خاصة برفقة نائب عميد كلية إيتون، هنري مارتن، حيث درست عموميات وخصوصيات الدستور البريطاني لمدة ست سنوات.
كما أنها فقدت الأمل في حياة طبيعية
عاشت كل من إليزابيث ومارغريت طفولة اتسمت بحماية الأهل. فعلى الرغم من أنهما اعتادتا على حضور حفلات أعياد الميلاد التي نظمتها بنات الجيران، إلا أنهما جذبتا الانتباه خلال ذهابهما في رحلات إلى العاصمة، لندن، الشيء الذي جعلهما تفقدان الأمل في حياة طبيعية.
وقد وكلت المربية كراوفي بنات العاملين في القصر والنبلاء بمهمة تكوين مجموعة من المرشدات أو Girl Guides (ما يعرف في الولايات المتحدة الأميركية بفتيات الكشافة أو Girl Scouts) خصيصاً للأميرات.
في هذا الإطار، قامت المجموعة بإشعال نيران المخيم مقابل الحصول على الشارات. ومن جهتها، باتت إليزابيث مولعة بالخيول والكلاب على حد سواء. وفي سنة 1933، قدم لها والدها كلباً من فصيلة كورجي، أطلقت عليه اسم دوكي، وهو أول كلب امتلكته من بين مجموعة كبيرة من الكلاب التي ستُربيها لاحقاً. في الواقع، امتلكت إليزابيث أكثر من 30 كلباً طوال فترة حياتها.
والداها ينقلانها مع شقيقتها لمكان آمن بسبب الحرب.. ويتبادلان النظر بحماقة أثناء القصف
تلاشت جميع آمال بريطانيا في نمط حياة طبيعي، تزامناً مع اندلاع الحرب العالمية الثانية. ففي سنة 1940، تم نقل الأميرتين إلى قصر وندسور، الذي يبعد حوالي 20 ميلاً عن لندن، لأسباب متعلقة بسلامتهما، وظلتا هناك على مدار خمس سنوات، إلى أن تمكن الحلفاء من هزيمة ألمانيا. في المقابل، ظل والداهما مقيمين في قصر باكنغهام، غير عابئين بالقصف. ومن المتداول أنه لم يتم نقل الملكة إلى أي ملجأ أثناء الغارات.
وفي إحدى المرات، تعرض قصر باكنغهام لضربة مباشرة، كادت تودي بحياة الزوجين الملكيين. وفي وقت لاحق، راسلت الملكة والدتها وذكرت أنها كانت تحاول إزالة رمش من عين الملك حين سمعت صوت طائرة تحوم فوقهم، حيث كتبت قائلة: "حدث كل هذا بسرعة لدرجة أننا لم نتمكن سوى من النظر بحماقة إلى بعضنا البعض عند سماعنا لصوت الدوي الذي ألحقه صوت انفجار، لينجم عنه انهيار ضخم في الباحة". كما أشارت الملكة لاحقاً أنها كانت ممتنة لتعرّض القصر للقصف نظراً لأن ذلك مكّنها من الشعور بمعاناة المواطنين الساكنين في المنطقة الشرقية، والذين عايشوا وطأة الهجمات الألمانية.
وهناك في قصر وندسور عاشت طفولة متأخرة
كان قصر وندسور محمياً وبعيداً عن هذه الفوضى. وعلى الرغم من كون إليزابيث اعتادت على استضافة الأصدقاء والضباط في القصر، إلا أنها بدت وكأنها تعيش مرحلة طفولة متأخرة. فقد تغيبت الأميرة عن مراسم حفلات "الديبيوتنت"، التي تظهر فيها الفتيات اللواتي ينتمين إلى الطبقة الراقية للمرة الأولى في الاحتفالات الاجتماعية، كما واصلت ارتداء الملابس الطفولية حتى بلوغها سن الثامنة عشرة نظراً لإلحاح والدتها على ذلك.
وكانت إليزابيث قد حظيت بأول فرصة للحصول على استقلالها في مطلع سنة 1945، بعد أن سمح لها والدها بالالتحاق بمركز للتدريب على النقل الميكانيكي لمدة ثلاثة أسابيع كجزء من سياسة المجهود الحربي.
وبعد ذلك وقعت في حب بحار أجنبي أشقر
وفي مايو/أيار سنة 1945، عادت كلتا الأميرتين، إليزابيث ومارغريت، إلى لندن. ونجت إنكلترا وابن عم إليزابيث الثالث، فيليب، من تداعيات الحرب. خلال تلك الفترة، وقعت الأميرة في حب البحار الأشقر، الطويل القامة، الذي كان يكبرها بخمس سنوات، منذ أن كانت في ريعان شبابها، إذ لم تكن حتى الاضطرابات الدولية كفيلة بتغيير مشاعرها تجاهه.
إنه فيليب الذي ينتمي للأسرة التي كانت تحكم اليونان، والذي جاء إلى بريطانيا منفياً مع عائلته.
وكان لويس "ديكي" مونتباتن، عم فيليب، قد تمكن من منح فيليب فرصة حضور مأدبة غداء مع العائلة الملكية في الكلية البحرية الملكية البريطانية بمدينة دارتموث، عندما كانت إليزابيث في الثالثة عشرة من عمرها. ولاحظت كروفورد أن إليزابيث لم تتوقف عن النظر إلى الشاب فيليب الذي كان يبلغ من العمر آنذاك ثماني عشرة سنة.
وحين تطوّع للخدمة في البحرية الملكية البريطانية، ظلَّ الاثنان على اتصال. وعندما كانت إليزابيث في السابعة عشرة من عمرها، زار فيليب العائلة الملكية خلال عيد الميلاد، وشاهد إليزابيث أثناء تأديتها تمثيلية صامتة عن علاء الدين. وبعد فترة وجيزة، كتبت جدّة إليزابيث إلى أحد أصدقائها بأنّهما "كانا يعيشان قصة حب خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية. وفي الواقع، أعتقد أن هذه القصة دامت لفترة أطول من ذلك".
قبلت عرضه دون استشارة والديها.. ولكن الملك يفرض شرطاً عليهما
كانت إليزابيث متشبثة بقرارها. فعندما عرض عليها فيليب الزواج في صيف عام 1946، قبلت الشابة العشرينية على الفور دون استشارة والديها. وتجدر الإشارة إلى أن والدها وافق على هذا الزواج شرط أن تنتظر حتى عيد ميلادها الحادي والعشرين للإعلان عن الخطوبة. وفي فترة لاحقة، تم تحديد موعد الزفاف ليقام في 20 نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 1947.
ووفقاً لأحد الخدم، أقلع فيليب عن التدخين "فجأة وعلى ما يبدو بسهولة أيضاً" في صباح يوم الحفل، وذنب في خطوة كانت أشبه بلفتة رومانسية، خاصة أن إليزابيث كانت تكره هذه العادة بسبب المضار التي ألحقتها بصحة والدها. وسمح الملك بزواج إليزابيث، ولاحقاً، كتب الملك إلى إليزابيث، قائلاً: "عندما زوّجك رئيس الأساقفة، شعرت وكأنني فقدت شيئاً ثميناً للغاية".
قدّمت وعداً بـ "الطاعة" رغم تحفظات الحكومة.. وتم منع بعض أقرب الناس من الحضور
تغيّب العديد من الضيوف عن حفل الزفاف في وستمنستر آبي، حيث لم تتم دعوة شقيقات فيليب، نظراً لأن أزواجهن كانوا من الألمان. كما تم منع دوق ويندسور، عم إليزابيث، من حضور الزفاف لأسباب سياسية، إذ اعتقدوا أن قدوم الملك السابق، قد يراه البريطانيون تهديداً لعرش شقيقه.
وعلى غرار الملكة فيكتوريا من قبلها، أصرت إليزابيث على تقديم وعد "بالطاعة" لزوجها خلال مراسم الزفاف، على الرغم من حث عائلتها وبعض أعضاء الحكومة على تجنب ذلك. وعلى مدار فترة زواجهما، ستحاول إليزابيث القيام ببعض التنازلات نحو زوجها المستقل.
الآن بدأت حياة جديدة ومختلفة بعيدة عن الملكية حتى إنهم عانوا لكي يصلوا إليها لإبلاغها بالحدث الجلل
رزقت إليزابيث بطفلهما الأول، تشارلز، بعد حوالي سنة، وقد تولى فيليب مهمة تجديد منزلهما، لينتقل أفراد العائلة سنة 1949 إلى منزلهم الأول معاً. وخلال نفس السنة، عُين فيليب في المرتبة الثانية في قيادة مدمرة قبالة سواحل جزيرة مالطا، وانتقلوا إلى البحر الأبيض المتوسط. ثم رزق الزوجان بطفل آخر، أطلقا عليه اسم آن. لقد عاشوا حياة سعيدة، حيث باشر فيليب عمله في البحرية، وخاضت إليزابيث تجربة العيش خارج دائرة الضوء للمرة الأولى والوحيدة في حياتها.
كان الملك جورج السادس يعاني من مشكلات صحية منذ وقت طويل، وفي سنة 1951، تدهورت حالته الصحية. وفي شهر سبتمبر/أيلول، أزال الجراحون الرئة اليسرى للملك، بعد أن شخصت إصابته بورم خبيث.
لقد حجبت العائلة هذا الخبر عن الصحافة، لكن السكرتير الخاص لإليزابيث، مارتن تشارتريس، أخذ على عاتقه مسؤولية حمل إعلان اعتلاء العرش في حالة وفاة الملك، عندما كانت إليزابيث خارج البلاد. وفي يناير/كانون الثاني من سنة 1952، انطلقت إليزابيث وفيليب إلى كينيا، وهي أول محطة في جولة ملكية كان من المفترض أن يقوم بها الملك. وعندما وصلا، أمضى الزوجان أمسية في غرفةٍ بفندق معلق على الأشجار، وصوّرت إليزابيث -التي عرف عنها شغفها بالتصوير الفوتوغرافي- الأفيال وهي تمشي في الأسفل.
في صباح السادس من فبراير/شباط، توفي الملك جورج السادس عن عمر يناهز 56 عاماً، وانتشر الخبر في جميع أنحاء إنكلترا. وتفيد تقارير بأن رئيس الوزراء وينستون تشرشل كان يتذمر من حقيقة أن إليزابيث، البالغة من العمر 25 عاماً، ليست سوى "مجرد طفلة". ومع ذلك، لم يتمكن أحد من الوصول إلى إليزابيث وفيليب، اللذين كانا لا يزالان يحدقان في الحياة البرية من فندق الشجرة في كينيا.
لقد استغرق الأمر أربع ساعات للتواصل مع الزوجين وإخبارهما بما جدَّ في المملكة. وقد أخبر فيليب إليزابيث بخبر وفاة الملك، بينما سألها تشارتريس عن الاسم الذي ستطلقه على نفسها (إذ كثيراً ما يتبنى الملوك أسماء جديدة، كما فعل والد إليزابيث، ألبرت) فأجابت إليزابيث قائلة: "إنه اسمي، إليزابيث بالطبع، وماذا بعد؟"
المشكلات تبدأ مع الاستعداد للتتويج.. تشرشل مستاء وفيليب يرفض الانتقال للقصر
ربما بسذاجة البسطاء لم تتوقع إليزابيث وفيليب أنها سترث العرش قريباً. فقد خطط فيليب لمسيرة مهنية طويلة في البحرية، قبل أن يصبح زوجاً متفرغاً، ليضطلع فيما بعد بلعب دور القرين.
في البداية، عارض انتقالهما إلى قصر باكنغهام، واتخذ موقفاً معادياً من سلطة إليزابيث الجديدة. وبعد وفاة الملك، طغت الرتابة على حياة والدة إليزابيث وأختها. وحيال هذا الشأن، كتبت إليزابيث قائلةً لا بد أن حياتهما "كانت مملة للغاية"، بينما اكتسبت حياتها معنى جديداً.
ولكن كان هذا الخبر مفرحاً بالنسبة للبعض. فقد كتبت مارغريت ثاتشر، التي أصبحت فيما بعد أول امرأة تتولى منصب رئاسة الوزراء، في عمود في إحدى الصحف في ذلك الوقت: "إذا استطاعت إليزابيث الثانية اعتلاء العرش، كما يأمل الكثيرون، فإن هذا سيساعد على إزالة آخر أشكال التحامل ضد النساء اللاتي يطمحن إلى الرقي". ولكن عندما وصلت إليزابيث إلى لندن، كان تشرشل من بين أول المؤيدين: "ما أشهر ملك ملكاتنا. سيكون هذا العهد بداية إحدى أعظم الفترات في تاريخنا، تحت صولجانها".
ليس من حقك حتى أن تورث اسمك
رحب عم فيليب، ديكي مونتباتن، بالخبر بشكل غريب قائلاً: "آل مونتباتن سيحكمون المملكة الآن".
وقد سمعت جدّة إليزابيث شائعات عن هذا الإعلان، وتعاونت مع تشرشل لإقناع إليزابيث بالإبقاء على اسم بيت ويندسور، خشية رد فعل العامة ضد زوجها الألماني (إذ إنه أحد أحفاد المنزل الألماني- الدنماركي شليسفيغ-هولشتاين-سوندربرج-غلوكسبورغ، والذي قدم أعضاؤه سلالات ملكية إلى الدنمارك والنرويج واليونان، وكان يتحدث الألمانية، وقد ولد باعتباره الأمير فيلبيوس لليونان والدنمارك، وخدم في البحرية البريطانية خلال الحرب وأصبح مواطناً بريطانياً عام 1947).
ووافقت إليزابيث على ذلك، بينما أعرض فيليب عن ذلك، وشكا أمره لأحد أصدقائه قائلاً: "أنا الرجل الوحيد في البلاد الذي لا يُسمح له بمنح اسمه لأطفاله، أنا لا شيء سوى الأميبا الدموية" (في عام 1960 سيُقرران منح لقب ماونتباتين وندسور لمن يشاء استخدامه من أسرتهما).
ثم اعترضت على فكرته بإذاعة حفل التتويج تلفزيونياً.. ولكن يبدو أنها كانت فكرة سابقة لعصرها
ولتهدئة فيليب الثائر من حرمانه من توريث لقبه، منحته إليزابيث منصب رئيس اللجنة المسؤولة عن تنظيم حفل تتويجها. وقد دفع نحو تحديث حفل تتويج الملكة الشابة من خلال إحضار الكاميرات إلى كنيسة وستمنستر، إلا أن الملكة إليزابيث وتشرشل رفضا في البداية هذه الفكرة، ولكنهما غيَّرا رأيهما عندما وجدا أن الجمهور كان يؤيد البث التلفزيوني لهذا الحدث. وقد كان حفل تتويج الملكة إليزابيث الثانية أولَ حدث دولي كبير يبث على التلفاز.
استُثني دوق وندسور مرة أخرى من قائمة المدعوين. وحسب ما ورد في بعض التقارير، علق دوق وندسور على هذه المسألة قائلاً: "يا لهم من متعجرفين، إنهم يفسدون الكثير من علاقاتي". لكن الملك السابق، الذي لم يتوج أبداً، كان على دراية بمختلف تفاصيل الحفل، الذي أقيم في الثاني من يونيو/حزيران سنة 1953، إلى جانب 20 مليون شخص آخر حول العالم.
لقد تجمَّع ثلاثة ملايين متفرج في الشوارع للترحيب بوصول الملكة إلى كنيسة ويستمنستر على متن عربة ذهبية طولها 24 قدماً. كانت الملكة ترتدي ثوباً مطرزاً برموز بريطانيا العظمى والكومنولث، بما في ذلك الوردة والشوك ونبات النفل وورق القيقب والسرخس. وكان الجزء الأقدس من الحفل في الكنيسة مخفياً عن الكاميرات، إذ مُسحت إليزابيث بالزيت المقدس خلف ستارة. وأثناء اعتلائها العرش، كانت الملكة تحمل صولجاناً وتحاول موازنة تاج ذهبي بوزن خمسة باوندات على رأسها.