بعد قرابة شهر من جريمة "الرحاب" أصدر النائب العام نبيل صادق بياناً طلب من خلاله انتداب لجنة ثلاثية برئاسة رئيس الطب الشرعي، لإعداد تقرير كامل عن هذه المذبحة التي ذهب ضحيتها رجل أعمال و4 من عائلته رمياً بالرصاص.
ويترأس هذه اللجنة الثلاثية بحسب البيان كبير الأطباء الشرعيين، مهمتهم تقديم التقرير للنيابة العامة فور إعداده.
ويوضح المستشار المصري في بيانه أن ذلك يأتي في إطار استكمال التحقيقات التي تجريها النيابة العامة، وخاصة أنها استمعت إلى شهود الواقعة سواء من أقارب القتلى أم من المتعاملين معهم وحتى الجيران ورجال الأمن في المنطقة والذين بلغ عددهم 45 شاهداً.
الجريمة التي هزّت الرأي العام باتت محاطة بالغموض أكثر من أي وقت مضى، وسائل الإعلام التي طرحت أكثر من رواية عن مقتل أسرة رجل الأعمال المصري عماد سعد وزوجته وثلاثة من أبنائه بمدينة الرحاب شرقي العاصمة بدأت تخفت وتدور مع موجة جديدة جعلت تفاصيل القضية مبهمة بشكل أكبر.
نقل مصدر قريب من التحقيقات لعربي بوست أن القضية برمتها قد تنتهي إلى الحفظ لأن مجريات الأمور تشير إلى أن ما جرى كان عملية قتل غير عادية ونفذَّها أو وقف وراءها أشخاص غير عاديين.
ما يؤكده مسار القضية في بدايتها الذي أقرته التحقيقات الأولية للنيابة العامة بأن ما جرى للعائلة كان قتلاً عمداً وليس انتحاراً بالنظر إلى ما تم رصده في مسرح الجريمة، ثم أعادت وسائل إعلام مصرية الحديث عن أن النيابة تسلمت التقارير النهائية للطب الشرعي والتي تتجه إلى اعتبار الواقعة واقعة انتحار لأسباب تتعلق بنوع الطلقات المستخدمة ولأمور أخرى منها أن الأب القتيل فارق الحياة بعد نحو 4 ساعات من مقتل زوجته وأولاده، ليبقى التساؤل.. من يقف خلف الجريمة!
من يقف خلف الجريمة!
تداولت وسائل إعلام قصصاً بشأن قيام الجناة بارتكاب الجريمة بسبب خلاف على قطعة أرض تابعة للأوقاف. لكن ما تؤكده المصادر أن القضية ربما ستقيد على أنها واقعة انتحار بالرغم من متابعة النيابة العامة هواتف الضحايا ورسائلهم، واشتباهها في ثمانية أشخاص، ضمَّت إليهم أفراداً من شركة الحراسة المكلَّفة بتأمين المدينة.
وبالفعل جرت تحقيقات مع الـ 14 مشتبهاً بهم، ثم احتجازهم نحو 10 أيام في قسم التجمع الأول في محاولة للتوصل إلى معلومات بشأن الواقعة، دون جدوى، حتى أفرج عنهم مطلع شهر رمضان.
فرضية القتل كان قد أكدها شقيق المجني عليه في مداخلة هاتفية مع برنامج مصري مستشهداً بأن الفيلا مسرح الجريمة كان بها متعلقات تكفي لسداد الديون على أخيه القتيل، سيما أنه اتجه بعد يوم من الحادث لزيارة أخيه وأكد له أمن المدينة أن العائلة بأكملها غادرت الفيلا، وعندما سألهم عن السيارة الواقفة أمام المنزل برروا بأنهم خرجوا بسيارة أخرى، الأمر الذي يرى أنه قد يورط أعضاء الأمن في التستر على الجريمة ليومين.
فريق تحقيق من 100 ضابط
وأضاف المصدر "هذه القضية يتولى التحقيق فيها 100 ضابط شرطة تقريباً، وهو عدد كبير، ومع ذلك فإن الغموض يسيطر ليس فقط على الواقعة وإنما على رب الأسرة القتيل. فهذا الرجل الذي كان الجميع يعلم أنه يمر بظروف مالية صعبة قيل إنها دفعته لإنهاء حياته وحياة أسرته، وُجد في بيته بعد الواقعة أموال ومقتنيات تتجاوز المليوني جنيه.
كما أن كاميرات مراقبة الفيلا والفلل المجاورة لم تقدم دليلاً على القاتل وحتى من تم رصدهم لم يثبت تورطهم في عملية قتل الأسرة، وأغلب الظن أنهم يقومون بوساطة ما ربما لإتمام صفقة معينة.
ويضيف "هناك احتمال وقوع القتل للحصول على أوراق وقف شرعي يقال إن القتيل قام بتزوير ملكيتها لكن هذه الأوراق لم تعد ذات قيمة حتى تتم تصفية الأسرة بهدف الحصول عليها بل إنها في الوقت الراهن تعتبر دليل إدانة، بالتالي هذا الاحتمال ضعيف".
الاحتمال الأقوى الذي تشير إليه التحريات كما يقول المصدر هو أن الأسرة كانت تمتلك قطعاً أثرية وأنهم جميعاً كانوا على علم بذلك، وهذا لا ينفي وجود خلافات مالية وقضائية تخص تجارة الوالد القتيل. لكن التحريات تشير إلى أن الواقعة تمت بدافع سرقة شيء من الفيلا. هذا الشيء غالباً قطعة أثرية ثمينة.
وتابع "يبدو أن هذه الجريمة نفذها أشخاص غير مصريين، وهم خليجيون على الأغلب، لأنه لا دليل واحد حتى اللحظة على تورط شخص مصري في الجريمة. وأكثر ما قام به طرف مصري في هذه الواقعة هو دور الوسيط".
ويضيف "قد يكون هناك من توسَّط لبيع قطعة أثرية لكنه لم يتفق مع المشترين على قتل الأسرة. بل وربما يكون قد قتل هو الآخر بعد إنهاء العملية ولا أحد يعرف كيف ولا أين".
عملية بطريقة المافيا
إذا تحدثنا عن تجارة آثار، يقول المتحدث، فإننا نتحدث عن عمل "مافيوي". ربما دخل القتلة على أنهم مشترون، وربما دخلوا فعلاً ليشتروا قطعة أثرية ثم لم يحدث توافق وبالتالي قرروا الحصول عليها والتخلص من أصحابها. والأكيد أن هؤلاء جميعاً خرجوا من مصر بمجرد ارتكاب الجريمة.
في الوقت الراهن اتخذت القضية منحى سياسياً إلى حد ما، ولعل دخول جهاز الأمن الوطني على خط التحقيقات يؤكد هذا. وإذا ثبت أن المتورطين في الأمر ينتمون لدول بعينها فسيتم حفظ القضية تماماً دون الإفصاح عن القتلة.
ومع ذلك، فإن المصدر يؤكد غياب شبهة الانتحار تماماً، ويؤكد أن ثمة ما يدعم فرضية القتل من أجل الحصول على شيء ما. لكنه في الوقت نفسه يبدي استغرابه من الأسرة التي كانت تمتلك بندقيتين آليتين وثلاثة مسدسات تم العثور عليها بعد الحادث، ما يعني أن الضحايا كان يمكنهم الدفاع عن أنفسهم أو محاولة الدفاع على الأقل.
وخلص المصدر الأمني إلى أن هذه القضية تمت على أعلى مستوى وأن رب الأسرة، إن لم تكن الأسرة كلها، كانوا على علم بأن في بيته شيئاً يجعله عرضة للخطر بدليل وجود أسلحة آلية في الفيلا، ومع ذلك فإن غياب الأدلة على هذا النحو، يشي بأن هذا الملف كله يتجه نحو الإغلاق دون معرفة حقيقة ما جرى.
تضليل النيابة
وعن إمكانية تورط النيابة في تمويت قضية كهذه، قال مصدر قضائي لـ"عربي بوست" إن النيابة في النهاية تستمد معلوماتها من أجهزة الأمن وتعتمد في التوصيف على تقارير المعامل الجنائية سواء في فحص الكاميرات والهواتف أو في تشريح الجثث.
وأضاف "في النهاية عدم وجود تسجيلات في كاميرات الفيلا والكاميرات المجاورة ليست مهمة النيابة، ووجود تقرير من الطب الشرعي يرجح فرضية الانتحار على القتل ليس أيضاً مسؤولية النيابة، ناهيك عن قضية بهذا الحجم وتعمل بها أجهزة أمنية مهمة بالدولة إلى جانب المباحث الجنائية، تعني أن الأدلة النهائية ستمر على أكثر من جهة قبل أن تصل للنيابة، وبالتالي يمكن إخفاء الكثير من هذه الأدلة وهي في طريقها إلى مكتب المدعي العام.
ومع ذلك، يضيف المتحدث، فإن كل ما يتم تداوله من معلومات أو تسريبات هو في النهاية جزء من محاضر التحريات التي أعدتها أجهزة الشرطة وليست بالضرورة جزءاً مما توصلت إليه النيابة العامة التي سيكون لها القول الفصل في هذه القضية.