تجدَّد هجومٌ بري، مدعوم من الولايات المتحدة، للقضاء على آخر جيوب مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) شرق سوريا خلال شهر أبريل/نيسان 2018، في محاولةٍ لكبح قدرة المسلحين على شن هجمات حرب العصابات.
وانتعشت المهمة ضد داعش بعودة قادة أكراد كبار، وزيادة القوات الفرنسية الخاصة، ووصول طائرات مقاتلة تابعة للبحرية الأميركية، وبعض عمليات التجسس السرية من جانب الجواسيس العراقيين. لكن، قد لا يكون أمام الهجوم إلا أكثر من 6 أشهر بقليل لملاحقة المئات القليلة من المقاتلين، وهي فترة لا تكفي لإبطال تهديدٍ ينتقل بسرعة إلى التواري والعمل في الخفاء.
ويظل الزخم الجديد معرَّضاً للخطر؛ بسبب تهديد الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بين الفينة والأخرى بسحب نحو 2000 من القوات الأميركية بسوريا، من بينهم مئات المستشارين والقادة في العمليات الخاصة.
حرب العصابات تطيل أمد وجود "داعش"
وعملت قوة من الحلفاء الأكراد والعرب شرق سوريا باعتبارها أكثر حلفاء الولايات المتحدة فاعلية في أرض المعركة ضد داعش. لكنَّ سلسلةً من الهجمات التركية، شنت الشتاء الماضي، ضد أكراد آخرين شمال غربي سوريا، دفعت المقاتلين الأكراد للانسحاب من الهجوم الذي تقوده الولايات المتحدة قرب الحدود العراقية.
وسمح غيابهم لكثيرٍ من مقاتلي داعش المتبقين بالفرار، واستعادة فتات من الأرض، وتجديد هجمات حرب العصابات انطلاقاً من مخابئهم في مختلف أنحاء البلاد. وقال مسؤولون بإدارة ترمب إنَّ وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس وقادة أميركيين كباراً مُنِحوا الآن 6 أشهر على الأقل للقضاء على داعش شرق سوريا.
قال سيث جونز، مدير مشروع التهديدات العابرة للحدود القومية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "تحوَّل داعش إلى عمليات حرب العصابات، ما يزيد احتمالية أنَّه سيواصل العمل شرق سوريا وغرب العراق لسنوات".
ومنذ سقوط عاصمة داعش التي أعلنها التنظيم لنفسه في الرقة العام الماضي (2017)، اعتمدت مقاتلات الحلفاء بالأساس على الميليشيات الكردية السورية لقتل المتمردين المتبقين، وإخراجهم من مخابئهم ومواقع القتال الحصينة، أو تحديد مواقعهم. ووفَّر هذا أهدافاً لقاذفات التحالف المقاتلة.
لكنَّ مقاتلي الميليشيات هؤلاء وقادتهم بدأوا يغادرون شرق سوريا في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي للدفاع عن أكراد آخرين ضد الهجمات التركية.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد هي الدعامة الأساسية لإخراج داعش من الرقة ومطاردة المتمردين الفارِّين جنوباً بطول وادي نهر الفرات إلى الحدود العراقية. ودونها، عانت الميليشيات السورية العربية الأقل قوةً لكبح المئات القليلة من المقاتلين الذين بقوا في جيبين رئيسيَّين.
محاصرة داعش في الحدود السورية – العراقية
قال الجمهوري دون باكون، عضو مجلس نواب ولاية نبراسكا الأميركية والجنرال المتقاعد بسلاح الجو والذي خَدَم سابقاً بالعراق، في جلسة استماعٍ عُقِدَت مؤخراً للجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب الأميركي: "حتى لو أسقطنا هاتين المنطقتين، فسيظل هناك تهديد. فبإمكانهم إعادة تأكيد أنفسهم في أي لحظة".
بدأ ذلك الجمود في التغير بعدما أعلنت قوات سوريا الديمقراطية هجوماً برياً جديداً في الأول من مايو/أيار 2018، أُطلَق عليه "عملية التجميع".
وقال مسؤولون إنَّ الميليشيات السورية الحليفة، مدعومةً بالقوة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة، طردت على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية مقاتلي داعش قرب الحدود العراقية-السورية. وأضافوا أنَّ المقاتلات الأميركية هاجمت مخابئ ونقاط قيادة داعش، وقتلت عملاء تابعين للتنظيم، ودمَّرت مباني ومعدات، وعطَّلت طرق إمداد.
وفي غضون ذلك، أعلنت القوات التي يقودها الأكراد شمال سوريا، الخميس 24 مايو/أيار 2018، أَسرها الجهادي الفرنسي أدريان غيهال، المعروف بأنَّه الصوت الذي أعلن تبنّى داعش المسؤولية عن هجمات 2016 في فرنسا.
كان القتال شرساً في رقعة يبلغ طولها 15 ميلاً (24 كيلومتراً تقريباً) من وادي نهر الفرات. وقال شريكو حسكة، وهو قائد كردي كبير مسؤول عن العملية البرية، في مقابلة جرت عبر تطبيق واتساب: "يستخدم داعش المدنيين كدروع بشرية ويمنعهم من المغادرة؛ لذا كان من الصعب علينا طلب شن ضربات جوية من التحالف".
وتوقَّف توقيت تجديد الهجوم على عدة عوامل، من بينها شعورٌ متزايد بالإلحاح؛ لأنّ المعركة تعطَّلت في وقتٍ محوري فوق ساحة المعركة، وفي وقتٍ أيضاً بلغ فيه غضب ترمب من تشابكات الجيش الأميركي في سوريا أوجَه.
وعاد العديد من القادة الأكراد، الذين يوفِّرون القيادة والتنسيق بساحة المعركة، من المعركة الفاشلة ضد الأتراك في الشمال الغربي. وصعَّد قادة سلاح الجو الأميركي، الذين حظوا بمساعدة نتيجة وصول مقاتلات من حاملة الطائرات "هاري ترومان" شرق البحر المتوسط، الضربات ضد أهداف داعش، وبلغت 44 ضربة في الأسبوع الذي انتهى في 24 مايو/أيار 2018، بدلاً من 3 ضربات فقط في الأسبوع الذي انتهى في 5 أبريل/نيسان 2018.
ونفذت المقاتلات العراقية أيضاً العديد من الضربات العابرة للحدود ضد أهداف تابعة لداعش بسوريا في الأسابيع القليلة الماضية. وفي الوقت نفسه، قال مسؤول عراقي كبير إنَّ جواسيس عراقيين تسللوا إلى خلايا داعش في سوريا، ونقلوا معلوماتٍ إلى القوات العراقية، التي عزَّزت الدفاعات ونسَّقت الجهود مع الميليشيات السورية بطول 30 ميلاً (48.3 كيلومتر تقريباً) من الحدود العراقية-السورية.
وقال الجنرال البريطاني فيلكس غيدني، أحد نواب قائد التحالف الدولي ضد داعش، على تويتر: "يواصل العراق سحق داعش في عملية التجميع! ضربة جوية عراقية أخرى في سوريا تدفع معركة هزيمة داعش إلى الأمام، وتحمي مواطني العراق وحدودهم الوطنية".
#Iraq continues to pound #Daesh in #OperationRoundup! Another Iraqi Air Force strike in #Syria moves the #DefeatDaesh campaign forward, protecting Iraq's citizens and their national borders. @CJTFOIR #ISF #CoalitionProgress #AfterDaeshhttps://t.co/0bxcaiy6Ka
— Maj Gen Felix Gedney CJTF-OIR Dep Cmdr (@oirdcomss) May 26, 2018
وقال الجنرال الإيطالي روبرتو فاناتشي، أحد نواب القائد العام للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق: "أغلَقوا (العراقيون) الحدود مع سوريا عبر حراس حدود ذوي تدريبٍ عالٍ للغاية، يمنعون إرهابيي داعش من الفرار من ساحات المعركة".
وفي شهادةٍ أمام مجلس الشيوخ الأميركي الشهر الماضي (أبريل/نيسان 2018)، كشف ماتيس عن الهجوم الوشيك الذي يضم الأكراد والعرب السوريين، والعراقيين، والحلفاء الغربيين. وقال ماتيس أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في 26 أبريل/نيسان 2018: "سترون جهوداً يُعاد تنشيطها. وسترون زيادة في العمليات على الجانب العراقي من الحدود. وعزَّز الفرنسيون للتو وجودنا بسوريا بقواتٍ خاصة، هنا، في الأسبوعين الأخيرين".
خسائر لقوات النظام السوري وحلفائه
لكنَّ مسؤولي الاستخبارات ومكافحة الإرهاب الأميركيين والغربيين يقولون إنَّ هزيمة داعش على الأرض في سوريا والعراق، وحرب الظل المتنامية ضد أفرع التنظيم في غرب إفريقيا وصولاً إلى أفغانستان، فشلت في كبح قدرة التنظيم على إيجاد حركة عالمية قوية لحشد الأتباع عبر الشبكات الاجتماعية.
قال جوشوا غيلتزر، وهو مدير سابق بارز لمكافحة الإرهاب بمجلس الأمن القومي إبَّان إدارة الرئيس باراك أوباما، في شهادةٍ أمام الكونغرس الأسبوع الماضي: "لرسائل داعش على الإنترنت موضوعات عدة، وإذا أجبرت خسائر التنظيم في ساحات المعارك إياه على الابتعاد عن رسائل تأكيد السيطرة على الأرض، فقد يتحول التنظيم إلى ادِّعاء التضحية".
وتأتي التكتيكات المتغيرة في وقتٍ استطاع داعش فيه استعادة السيطرة على أراضٍ، خصوصاً غرب نهر الفرات، بمنطقة يسيطر عليها النظام السوري ورعاته العسكريون الروس. وقال محللون أميركيون ومحللون غربيون آخرون إنَّ مقاتلي داعش يشنون المزيد من الهجمات على الجانب الغربي من نهر الفرات ضد القوات المتحالفة مع حكومة الرئيس بشار الأسد.
وفي نهاية هذا الأسبوع الماضي، قُتِل 4 جنود روس على الأقل يعملون مع قوات الجيش السوري، وجُرِح 5 آخرون في هجومٍ ليلي شنَّه مقاتلو داعش بمحافظة دير الزور شرق البلاد.
وقال الجنرال فيلكس غيدني لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، الأسبوع الماضي: "لا نزال قلقين من أنَّ النظام السوري إمَّا غير مستعد وإما غير قادر على التعامل مع التهديد".
وأقرَّ مسؤولون ومحللون أميركيون بأنَّه حتى لو أُسِر آخر المسلحين المقاومين أو قُتِلوا، فإنَّ التوصل لخطةٍ من أجل ضمان الاستقرار والأمن في المنطقة لا يزال أمراً بعيد المنال.
وقال جونز من مركز الدراسات الاستراتيجية: "ما هو النهج السياسي الأميركي في شرق سوريا، وضمن ذلك حول وادي نهر الفرات الأوسط؟ مَن سيحكم تلك المناطق؟ هذه أسئلة حاسمة؛ لأنَّ حملات مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد الناجحة، دائماً ما تتطلَّب حكوماتٍ قوية ومؤهلة. أمَّا الدول الضعيفة والفاشلة، فليست وصفة للنجاح".