اعتمد التخطيط العسكري الأميركي في العراق خلال السنوات الأربع الماضية على العمل مع رئيس الوزراء حيدر العبادي، وهو مسلم شيعي معتدل استطاع إعادة بناء الجيش العراقي، واستعادة السيادة والشراكة مع كلٍ من الولايات المتحدة وإيران لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
لكنَّ نتائج الانتخابات الوطنية التي جرت عطلة نهاية الأسبوع الماضي في العراق مزَّقت الفرضيات الأميركية إرباً، بحسب ما نشرت The New York Times.
إذ استطاع تحالفٌ يقوده رجل الدين المناهض للولايات المتحدة، مقتدى الصدر، تحقيق مكاسب ضخمة في الانتخابات البرلمانية. وكانت معارضة الصدر القوية لوجود قوات أميركية في العراق سبباً رئيسياً لسحب واشنطن قواتها القتالية في عام 2011.
الآن، ترمب والبنتاغون في ورطة.. عليهما التعامل مع الصدر
وعليهما أن يقررا ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة المضي قدماً في خطط إبقاء قوة أميركية قوامها حوالي 4500 جندي في العراق بعد الحرب ضد داعش.
وكان تنظيم داعش قد اختفى العام الماضي إلى حدٍ كبير من المناطق العراقية التي كان يحتلها. لكن يدرك المخططون العسكريون جيداً ما حدث بعد مغادرة القوات الأميركية في عام 2011، إذ فُتِح المجال أمام صعود داعش في مناطق الأقلية السنية التي استُعديَت من جانب الحكومة الشيعية لرئيس الوزراء حينذاك نوري كامل المالكي.
انتشر داعش عبر العراق في عام 2014، واستطاع بسهولة هزيمة جيش البلاد والسيطرة على معظم مناطقها الشمالية والغربية. وقال مسؤولون رفيعو المستوى في وزارة الخارجية الأميركية والبنتاغون إنَّ ضمان عدم تكرار هذا يُمثِّل أولوية أميركية كبرى.
ولكن كيف؟
بالنسبة لإدارة ترمب، هذا يعني محاولة إيجاد طريقة للعمل مع مقتدى الصدر. وسعى مسؤولون بالإدارة الأميركية هذا الأسبوع للتركيز على الجوانب الإيجابية للانتخابات.
فقالت هيذر نويرت، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية: "قبل زمن ليس بالبعيد، كان داعش يسيطر على مساحاتٍ شاسعة من ذلك البلد"، وأضافت أنَّ "حقيقة أنَّهم كانوا قادرين على النجاح في تنظيم انتخاباتٍ كانت خالية نسبياً من العنف هو بالتأكيد إنجاز مذهل وشهادة للشعب العراقي".
وقال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس للصحفيين إنَّ مسؤولي إدارة ترمب "يقفون مع قرارات الشعب العراقي".
وقال ماتيس يوم الثلاثاء 15 مايو/أيَّار: "إنَّها عملية ديمقراطية في وقتٍ يشك فيه كثيرٌ من الناس في قدرة العراقيين على تحمل مسؤولية أنفسهم".
المشكلة أن الصدر لا يطمع بالمناصب
قاد الصدر في فترة شبابه ميليشيا شيعية استهدفت القوات الأميركية في العراق. وسافر إلى إيران للدراسة في الحوزة العلمية بمدينة قم، وهي مركز ديني شيعي موقر، قبل أن يعود إلى العراق في عام 2011 كرجل دين قومي عراقي قوي. ولا يُتوقع أن يُنتخب الصدر لشغل منصبٍ في العراق؛ إذ تأتي قوته، بدلاً من ذلك، من منبره كرجل دين.
وطبعاً، الإدارة الأميركية عقدت الأمور على نفسها
وبالنظر إلى النفوذ الإيراني الكبير والممتد منذ سنوات في السياسات العراقية الداخلية، قال خبراء في السياسة الخارجية إنَّ إدارة ترمب ربما جعلت الأمور أكثر تعقيداً على نفسها في بغداد.
إذ أدى قرار ترمب الأسبوع الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني إلى تجميد العلاقات بين واشنطن وطهران بعد أن ساعد بدء تحسن العلاقات، من بين قضايا أخرى، في تسهيل إقامة شراكة غير مباشرة ضد داعش في العراق.
فإيران لن تسمح بوجود قائد موقفه إيجابي تجاه واشنطن
وقال فالي نصر، عميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز: "ليس لدى إيران الآن أي دافع لوجود قائد في العراق يكون إيجابياً تجاه الولايات المتحدة".
مع أنها لا تريد رؤية عودة داعش
لكن يراهن مسؤولو البنتاغون على أنَّ إيران لا تريد أيضاً رؤية عودة تنظيم داعش.
ما العمل إذاً؟
هناك اتفاق واسع النطاق بين الكتل السياسية الشيعية، التي سيتعين على الصدر التحالف معها لتشكيل حكومة، لمواصلة برنامج تدعمه قوات دولية لتدريب وتجهيز قوات الأمن العراقية. يتضمَّن المدربون مستشارين أميركيين وإيطاليين وإسباناً، وتحمَّلت الولايات المتحدة تكلفة المعدات. ويقول المسؤولون إنَّ وضع حلف شمال الأطلنطي (الناتو) كممثل عام للبعثة التي تقودها الولايات المتحدة في العراق قد يكون حلاً للتغلب على حساسية مقتدى الصدر تجاه التعامل مع الولايات المتحدة.
الحل موجود: عدوك في الأمس قد يصبح صديقك اليوم
وإذا حدثت مواءمة بين إدارة ترمب وحكومة موالية للصدر، فلن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتعين فيها على القوات الأميركية تطوير علاقة عمل مع عراقيين كانت تعتبرهم العدو في يوم من الأيام. إذ مثَّلت الشراكة بين القوات الأميركية والقوات السنية المعروفة باسم الصحوات ضد تنظيم القاعدة في العراق نقطة تحول واضحة في الحرب قبل أكثر من عقدٍ من الزمان.
لكن سيكون للبنتاغون عمله الخاص الذي يؤديه في واشنطن لاستعادة التوازن. إذ أعرب ترمب بالفعل عن رغبته في إعادة القوات الأميركية إلى الوطن قريباً من سوريا؛ وقال مسؤولون إنَّ الرئيس أعطى البنتاغون ستة أشهر لإنهاء مهمته هناك. وكان المسؤولون العسكريون يأملون في أنَّ وجود قوات أميركية في العراق قد يُبقى على اتصال مع القوات الحليفة عبر الحدود في سوريا.
لكن، ماذا سيفعل ترمب إذا طلب الصدر مرة أخرى انسحاب قواته من العراق؟
قال ديريك تشوليت، مسؤول كبير سابق بوزارة الدفاع الأميركية في إدارة باراك أوباما: "يعمل البنتاغون بالفعل على مدار الساعة للخروج من سوريا، متسائلاً: "من الذي سيقول ما يحدث في العراق بعد ذلك؟".