يشعر المسؤولون الأميركيون الآن بعدم الوضوح إزاء ما قد يكون عليه موقف الحكومة العراقية المقبلة، بعد النتائج الأولية التي أبرزت اسم مقتدى الصدر، زعيم الميليشيا المثير للجدل، كمرشحٍ مفاجئ وافر الحظ في الانتخابات العراقية، وفقاً لمفوضية الانتخابات العراقية.
عدم الوضوح لم يتحول بعد إلى قلق، لكن واشنطن تتذكر أن ميليشيات الصدر حاربت في السابق ضد القوات الأميركية للعراق، وتورطت كذلك في فظائع واسعة النطاق ضد مدنيين، حسب تقرير لصحيفة The New York Times.
ينتقد السياسات الأميركية لكنه التزم بالاتفاقيات
ومن الوارد أن يُعقِّد انتصار قائمة الصدر السياسية الاستراتيجيةَ الأميركيةَ في العراق. وتُدرِّب القوات الأميركية الميليشيات السابقة في البلاد وتتشارك المعلومات الاستخباراتية وتضع الخطط معها، مُراهِنةً بذلك على أنَّ هذه الشراكة العسكرية قد تمنع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من العودة إلى البلاد.
ويرغب بعض حلفاء الصدر السياسيين، حتى أولئك الذين حاربوا ضد الجنود الأميركيين في السابق، في أن تبقى الولايات المتحدة وتساعد في دعم البلاد. ويؤيد أقرب منافسيه في الانتخابات بقاء الأميركيين أيضاً.
حتى أنَّ ممثلي الصدر صرَّحوا بأنه سيلتزم بالاتفاقات المبرمة بين الولايات المتحدة والعراق بشأن تدريب قوات الأمن العراقية.
ضد الوجود الأميركي والغارات الجوية على داعش
ظلَّ الصدر يجهر بمناهضته للولايات المتحدة بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011، رغم كونه منتقداً قوياً لإيران، التي تُعَد القوة الخارجية الأخرى ذات النفوذ الواسع في العراق.
وكان الصدر شديد الانتقاد للضربات الجوية الأميركية في العراق ضد داعش، رغم أنَّه لم يقل مؤخراً شيئاً يُذكَر حول استعداده السماح للقوات الأميركية بالبقاء على الأراضي العراقية.
قاد جيش المهدي الذي حارب الجيش الأميركي
وقاد الصدر في السابق الميليشيات الشيعية العراقية المعروفة باسم "جيش المهدي"، التي حاربت القوات الأميركية عقب غزو العراق الذي أطاح بالرئيس صدام حسين والأقلية التي كان يقودها السُنَّة في السلطة آنذاك. ويُعَد جيش المهدي مسؤولاً عن فرق الموت التي ارتكبت أعمالا انتقامية ضد السُنّة أثناء الفترة التي شهدت أسوأ الاضطرابات الطائفية في البلاد عامي 2006 و 2007.
ينحدر الصدر من عائلةٍ من رجال الدين الشيعة، وقضى سنواتٍ في محاولة تغيير الصورة الذهنية المأخوذة عنه. وهو الآن يُقدِّم نفسه على أنَّه شخصيةٌ شعبويةٌ من خارج النظام تريد محاربة الفساد، مستفيداً من المظالم التي يعانيها كثيرٌ من العراقيين نتيجة الكسب غير المشروع الممنهج في بلادهم.
قومي متحمس بعيد عن إيران ويزور السعودية
ولم يعد يهاجم أميركا بضراوة كما كان يفعل في الماضي، حين كان أتباعه يقتلون الجنود الأميركان ويرتكبون فظائع ضد السُنّة في عمليات طائفية أُريقت فيها الدماء. وقدَّم نفسه على أنَّه قوميٌّ متحمس ونأى بنفسه عن إيران، القوة الشيعية المجاورة التي أنشأت نفوذاً متنامياً في العراق بعد الانسحاب العسكري الأميركي عام 2011.
كان الصدر يشتهر بزياراته المطولة إلى إيران، لكنَّه فاجأ الجميع قبل أقل من عامٍ بزيارةٍ نادرة إلى السعودية، الخصم الإقليمي لإيران، حيث قابل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وآخرين.
يحارب داعش ويؤيد التواصل مع السنة المعتدلين
لعب مقاتلو الميليشيا الشيعية التابعين للصدر دوراً بارزاً في المساعدة في القتال من أجل طرد متطرفي داعش الذين استولوا على المدن العراقية الكبرى قبل أربع سنوات، ويُمثِّل الكثير منهم الآن جزءاً من القوات المسلحة النظامية العراقية.
في مقابلةٍ أُجريت عام 2017 مع محطة تلفزيونية تركية، أيَّد الصدر التواصل مع السُنَّة العراقيين في الموصل الذين عانوا من احتلال التنظيم المتشدد المُفجِع لتلك المدينة.
وقال: "لا يزال هناك معتدلون بينهم، لكنَّهم خائفون، لذا علينا أن نمنحهم فرصة الظهور والتعبير عن أفكارهم".
يتسبب الآن في إرباك النظام السياسي في البلاد
بالرغم من أنَّ الصدر لم يكن مُترشِّحاً في الانتخابات ولا يمكن أن يصبح رئيساً للوزراء، فإنَّه قاد تحالفاً كان يصعب تخيُّله من المرشحين ضمَّ شيوعيي العراق غير المؤثرين، ورجال أعمال من السُنّة، ونشطاء متدينين في المجتمع حصلوا على مناصرين نظراً لموقفهم القوي من الفساد.
يقول المسؤولون العراقيون إنَّ تحالف الصدر قد يحصل على الفرصة الأولى لبناء ائتلاف حاكم، وفي مساء أمس الإثنين 14 مايو/أيار في بغداد، لوَّحت حشودٌ من الشباب بمنطقة مدينة الصدر الفقيرة ببغداد حاملين صور الصدر وأطلقوا الألعاب النارية.
لكن ليس هناك ضمانة أن يمتلك الصدر القول الفصل بشأن زعيم العراق المقبل، أو حتى حتى أن يكون لرأيه أهمية كبيرة في ذلك الشأن. فبعد إعلان النتائج النهائية، من المتوقع أن تستمر المفاوضات بين الأطراف المتنافسة بالعراق طيلة الأيام الخمسة عشر المقبلة، ما يعني أنَّ المشهد السياسي قد يتغير كثيراً.
والعراق يتغير أيضاً بهذه النتائج المفاجئة
ويشير النجاح المفاجئ الذي حققه الصدر في الانتخابات إلى أنَّ العراق نفسه ربما يكون في طور التغيير أيضاً.
فمنذ الانتخابات الأولى بعد سقوط صدام حسين عام 2003، نادراً ما حاد الناخبون العراقيون عن قواعدهم السياسية، إذ دعموا بوفاءٍ المرشحين الذين يُمثِّلون المعتقدات السياسية والدينية الضيقة. لكن الانتخابات التي جرت في عطلة نهاية الأسبوع قدَّم دليلاً على أنَّ الشعبوية قد تحل محل الطائفية باعتبارها القوة المُميِّزة في السياسية العراقية.
فالناخبون تعلموا كيف يعاقبون السياسيين بصناديق الاقتراع
ففي هذه الانتخابات، تخلى العديد من الناخبين عن جماعاتهم التقليدية ودعموا حركتين سياسيتين جديدتين وعدتا بمعالجة المشكلة المتغلغلة في الحياة اليومية: الفساد. وشاركت المجموعات أيضاً في الانتخابات وفق تعهُّدٍ بأن يكون "العراق أولاً"، في توبيخٍ للقوى الخارجية التي يُلقي الكثيرون عليها باللوم في عدم الاستقرار الأخير، أي إيران والولايات المتحدة.
قال حسين علاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النهرين في بغداد لصحيفة The New York Times "توقعتُ أن يعاقب الناخبون الكتل السياسية الكبيرة على إخفاقاتها. فحملاتها الانتخابية لم تُقدِّم أي شيء للناخبين إلى جانب أنَّها كانت غير مقنعة".
إنَّ الفائزين لا يتنافسون على هرم السلطة في العراق فحسب، بل ويطرحون أيضاً احتمالية تشكيل حكومة ذات أولويات جديدة على نحوٍ جذري.