تتوجه الأنظار حول العالم إلى منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً إلى حالة الغليان التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، مع اقتراب الذكرى الـ70 للنكبة، أو "قيام دولة إسرائيل".
ومما ساهم في زيادة تسخين المشهد وصول وفد أمريكي، على رأسه إيفانكا، ابنة الرئيس دونالد ترمب، ومستشارته، الأحد 13 مايو/أيار، لافتتاح سفارة واشنطن في القدس، بعد إعلان ترمب اعتبار المدينة المحتلة عاصمة لإسرائيل، نهاية العام الماضي.
ومن المقرر أن يتم الافتتاح غداً الإثنين، وسط غضب في الأراضي الفلسطينية، إزاء ما يعتبرونه استفزازاً إسرائيلياً أميركياً مقصوداً لمشاعرهم في ذكرى نكبتهم، وإصرار على انتزاع الحق بالعودة إلى أراضيهم، وهو ما يتجسد في التحضيرات لـ"مسيرة العودة الكبرى" على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، والمقررة بحلول يوم الذكرى، بعد غد الثلاثاء.
فماذا نعرف عن النكبة؟
لم يكن يوم 15 أيار/مايو 1948، والذي يعرف باسم يوم "النكبة" لدى الفلسطينيين، سوى ذروة أحداث امتدت لسنوات طويلة قبله وبعده، عنوانها الأساسي طردهم، وإقامة دولة اليهودية على أراضيهم، بدعوى "الحق الديني والتاريخي".
فقد تعرض الفلسطينيون على مدار سنوات طويلة تسبق ذلك اليوم للاضطهاد والقتل والتهجير، على يد الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية المسلحة، علاوة على توطين المهاجرين اليهود من أصقاع الأرض في بلادهم، بتخطيط من "الحركة الصهيونية العالمية"، وبمساعدة من لندن، التي وعدت بإقامة دولة يهودية هناك.
ويقول محسن صالح، الأستاذ المتخصص في الدراسات الفلسطينية، إن تخطيط الدول الاستعمارية آنذاك، وبخاصة بريطانيا، لإنشاء دولة إسرائيل يرجع لعدة أسباب، أهمها تبنيها لفكرة "الدولة الحاجزة"، التي نادى بها "الصهاينة"، والقائمة على "شطر" جناحي العالم الإسلامي في آسيا وإفريقيا، مما يؤدي إلى إضعافه، وإبقائه مفككاً، ومنع ظهور قوة إسلامية كبرى، تحل مكان الدولة العثمانية التي كانت في طور الانهيار.
ومن الأسباب الأخرى، بحسب صالح، "فشل اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها"، وخاصة في الغرب، ما تسبب بزيادة أعداد اليهود المؤمنين بضرورة إنشاء كيان خاص بهم.
الحق اليهودي
يقول صالح، الحاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر، إن "مزاعم الحق التاريخي لليهود في فلسطين تتهافت أمام حق العرب المسلمين في أرضهم".
ويضيف: "أبناء فلسطين عمّروا هذه الأرض قبل نحو 1500 عام من إنشاء إسرائيل دولتهم القديمة والتي عرفت باسم مملكة داود، واستمروا في تعميرها حتى أثناء حكم تلك الدولة".
وتابع: "كان الحكم الإسلامي فيما بعد هو الأطول لأرض فلسطين حيث استمر ألفاً ومئتي عام، أي إلى عام 1917، وانقطعت قدرة اليهود على التأثير عملياً في حركة الأحداث في فلسطين نحو ألف و800 سنة، أي منذ عام 135 ميلادي وحتى القرن العشرين، ولم يكن لهم أي تواجد سياسي أو حضاري فيها".
وأشار صالح إلى أن "أكثر من 80% من اليهود المعاصرين، وفق دراسات أعدها خبراء يهود مثل آرثر كوستلر، لا يمتّون تاريخياً بأي صلة لفلسطين، ولا يمتّون قومياً لبني إسرائيل، والأغلبية الساحقة ليهود اليوم ينحدرون من يهود الخزر أو الأشكناز، وهي قبائل تترية تركية قديمة، كانت تقيم في شمالي القوقاز، وتهوّدت في القرن الثامن الميلادي".
واستدرك: "فإن كان ثمة حق عودة لهؤلاء اليهود، فهو ليس إلى فلسطين، وإنما إلى جنوبي روسيا".
مواجع الفلسطينيين
أبدت عدة قوى غربية، وخصوصاً بريطانيا وألمانيا، خلال القرن التاسع عشر، اهتماماً كبيراً بمشروع الحركة الصهيونية إنشاء وطن قومي لليهود، وحصل توافق كبير بشأن اختيار فلسطين، مع وجود خيارات أخرى، آنذاك.
ويشير "صالح" أن الهجرة اليهودية بدأت غير منظمة ومحدودة، في تلك المرحلة، قبل أن تصبح منظمة وأكثر كثافة اعتباراً من عام 1882، إثر تصاعد مشكلة اليهود في روسيا.
وفي 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 تبنت بريطانيا بشكل جدي المشروع الصهيوني، وأصدرت وعد بلفور، الذي أعلنت من خلاله إنشاء وطن قومي لليهود في أرض فلسطين.
وفي العام الذي يليه تمكنت لندن من إحكام وإتمام احتلالها لفلسطين، ثم جعلت من وعدها لليهود وثيقة دولية بدمجه في صك الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم، في تموز/يوليو 1922.
ومنذ لك الحين، تضاعفت أعداد اليهود في فلسطين، من 55 ألفاً عام 1918، إلى 646 ألفاً عام 1948، أي من 8% إلى 31.7% من السكان، حسب صالح، ومنحوا أسباب القوة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، مقابل اضطهاد الفلسطينيين وإخماد ثوراتهم المتتالية بالقوة، حتى تشكلت عصابات صهيونية تولت تلك المسؤولية عن القوات البريطانية.
وكانت بريطانيا في ذلك الوقت تُملّك الأراضي لليهود، فزادت ملكيتهم من نصف مليون دونم، (الدونم= ألف متر مربع)، أي 2% من مساحة أرض فلسطين، إلى نصف مليون دونم و700 ألف، أي 6.3% من أرض فلسطين.
ورغم تلك المحاولات الاستعمارية والصهيونية في تهجير الفلسطينيين، إلا أنهم صمدوا على مدار ثلاثين عاماً قبل النكبة، واحتفظوا بغالبية السكان، بنسبة 68.3%، ومعظم الأرض بنسبة 93.7%، كما أكد صالح.
وتحت ضغط الثورات الفلسطينية المتتالية، وخصوصاً "الثورة الكبرى"، بين عامي 1936-1939، اضطرت بريطانيا في أيار/مايو 1939، إلى التعهد بإقامة دولة فلسطين خلال عشرة أعوام، والتوقف عن منح الأراضي لليهود، وإيقاف هجراتهم إلى البلاد في غضون خمس سنوات.
لكن بريطانيا تنكرت لتلك الالتزامات، في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1945، وأعادت الحياة للمشروع الصهيوني من جديد برعاية أميركية.
وبعد ذلك بعامين وتحديداً في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرارها رقم 181 بتقسيم فلسطين، إلى دولة عربية بنسبة 45% من الأرض، وأخرى يهودية بنسبة 54%، و1% منطقة دولية، متمثلة في القدس".
وقال صالح: "إن قرارات الجمعية العامة ليست مُلزمة ضمن مواثيق الأمم المتحدة، كما لم يتم استفتاء أو مشاركة الفلسطينيين قبل أخذ القرار، الذي أعطى الأقلية اليهودية مساحة أكبر".
أبرز أحداث النكبة عام 1948
وعند حلول عام 1948، كان اليهود قد أسسوا على أرض فلسطين 292 مستعمرة، وكوّنوا قوات عسكرية من منظمات الهاغاناه، والأرغون، وشتيرن، يزيد عددها عن 70 ألف مقاتل، واستعدوا لإعلان دولتهم.
وفي مساء يوم 14 من مايو/أيّار عام 1948، أعلنت إسرائيل قيام دولتها على أرض فلسطين، وتمكّنت من هزيمة الجيوش العربية، واستولت على نحو 77% من فلسطين، أي نحو 20 ألف كيلو متر مربع و 770 متراً، من مساحتها الكلية البالغة 27 ألف كيلو متر مربع.
وشرّدت إسرائيل بالقوة 800 ألف فلسطيني، من أصل 925 ألفاً، من الأراضي التي احتلتها.
ودمّر "الصهاينة" حينها 478 قرية فلسطينية، من أصل 585 قرية كانت قائمة في المنطقة المحتلة، وارتكبوا 34 مجزرة.
وحول ما تبقى من مساحة فلسطين، يقول صالح: "تم ضم 5876 كيلو متراً مربعاً، والمتمثلة بالضفة الغربية، إلى الإدارة الأردنية، أما قطاع غزة، البالغ مساحته 363 كيلو متراً فتم ضمها إلى الإدارة المصرية".
وأشار إلى أن إسرائيل حتى الآن بدون تحديد لحدودها السياسية ولا تمتلك دستوراً مكتوباً، وهي بذلك "تخالف أبرز مواصفات الدولة الحضارية والحديثة" وفق المعايير الدولية المعتمدة في الأمم المتحدة.
ولم تتوقف معاناة الفلسطينيين عند ذلك الحد، فقد تسببت هزيمة عام 1967 بخسارة ما تبقى من أراضيهم، وخصوصاً مدينة القدس، وقتل وتهجير المزيد من أبنائهم.
ولا يزال النزيف مستمراً إلى اليوم، حيث من المقرر أن تفتتح الإثنين، بالتزامن مع ذكرى النكبة، سفارة واشنطن لدى إسرائيل في المدينة المحتلة، بعد أن أعلن الرئيس دونالد ترمب اعتبارها عاصمة "أبدية" لإسرائيل، نهاية العام الماضي، في مخالفة وتنصل من جميع القرارات الأممية ذات الصلة.