خلت محلات الصرافة من الدولار وتجنَّب مرتادو الأسواق البيع والشراء.. الإيرانيون قلقون ويحبسون أنفاسهم ترقباً لقرار الاتفاق النووي

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/07 الساعة 21:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/07 الساعة 21:51 بتوقيت غرينتش

في شوارع طهران، يبدو كل يومٍ كما لو كان يجلب معه المزيد من القلق والخوف مع اقتراب قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، في الأسبوع الجاري، بشأن ما إذا كانت أميركا ستنسحب من الاتفاق النووي مع إيران أم لا.

وقال الرئيس الأميركي إنه سيعلن قراره بشأن الاتفاق النووي الإيراني بعد ظهر الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018.

وقال ترمب، في تغريدة على حسابه بموقع تويتر: "سأعلن قراري النهائي بشأن الاتفاق (النووي) الإيراني غداً (الثلاثاء)، في البيت الأبيض، على الساعة الثانية بعد الزوال (بتوقيت واشنطن)"، أي (18.00 ت.غ).

محلات الصرافة بلا دولارات

وحاول تقرير لوكالة أسوشييتد برس أن يصف الأوضاع في إيران قبل صدور القرار، وأشار إلى أن واجهات محلّات الصرافة، التي كانت تعرض يوماً سعر تبادل الريال الإيراني بالدولار الأميركي، صارت خالية في ظل تضخَّم سعر الدولار في السوق السوداء حتى وصل إلى 70 ألف ريال، ما يفوق كثيراً السعر الجديد الذي أقرَّته الحكومة بـ42 ألف ريال مقابل الدولار.

وأشار تقرير الوكالة إلى أن مناطق التسوُّق المزدحمة، التي كانت تشهد توافد متزوجين جُدد لشراء ثلاجاتٍ وأجهزة منزلية أخرى، أصبحت خاليةً الآن من أغلب مرتاديها، في ظل اتجاه الناس إلى ادِّخار أموالهم. بينما يتحدث البعض صراحةً عن الرحيل إلى أية دولةٍ أخرى.

وقال محمد خالقي (27 عاماً)، وهو بائع أجهزةٍ منزلية بشارع "أمين حضور" في طهران: "جميعنا يفكِّر في المستقبل المُبهَم الذي ينتظرنا. الجميع يفكِّر في ذلك. الجميع خائفٌ من المستقبل، حتى أنا. لا أعلم ماذا سيحدث، وهل أستطيع البقاء في هذا العمل أم لا. فهذا الموقف يعنينا جميعاً".

إنَّ شعور نذير الشؤم المسيطر على العاصمة الإيرانية قبل الموعد النهائي المقرَّر لترمب باتخاذ قرارٍ عمَّا سيفعله بشأن الاتفاق، بعيدٌ كل البعد عن الاحتفالات المُهلِّلة التي شهدتها الشوارع الإيرانية في عام 2015 ترحيباً بتوقيع الاتفاق النووي مع بعض القوى العالمية؛ إذ كان الناس آنذاك يتحدثون مُفعمين بأملٍ في أن تَخرج إيران من وضعها كدولةٍ منبوذة من الغرب والذي رسَّخه قيام الثورة الإسلامية عام 1979 وأزمة الرهائن بالسفارة الأميركية في طهران. بينما أشاد آخرون بالرئيس حسن روحاني، الذي يُعَد رجل دين في الأصل وغيره من المعتدلين نسبياً في إيران؛ لرفعهم العقوبات الاقتصادية التي ضيَّقت الخناق على إيران رداً على برنامجها النووي المتنازع عليه.

إلا أن البعض يرى كأن الاتفاق ليس موجوداً

أمَّا اليوم، فقليلون فقط من يُمكِنهم الإشارة إلى أي نفعٍ قدَّمه الاتفاق النووي.

إذ قالت شادي غلامي، المهندسة المعمارية البالغة من العمر 25 عاماً: "لا نشعر بأي أثرٍ استثنائي، خاصةً في اقتصاد بلادنا أو بحياتنا. وكأنَّ هذا الاتفاق ليس لها وجودٌ من الأصل!".

وبينما قدَّم الاتفاق النووي لإيران خَلاصاً في السماح للدولة ببيع النفط الخام والغاز الطبيعي بالسوق الدولية، فإنَّه لم يساعد في التصدِّي لمعدلات البطالة المرتفعة، لا سيما بين الشباب، في الدولة التي تضم 80 مليون نسمة. وما زالت البنوك مُثقَلةً بقروضٍ ضخمة مشكوكٌ في ردِّها منذ فترة العقوبات الاقتصادية. وما زال الفساد الحكومي كذلك رابضاً على البلاد.

وقالت لادان شيري، وهي مديرة مبيعات لدى شركةٍ خاصة وتبلغ من العمر 33 عاماً: "لا علاقة بين مشكلاتنا الاقتصادية والاتفاق أو ترمب. مشكلتنا هيَ أنَّ المسؤولين في بلادنا لا يفكِّرون سوى في جيوبهم. وإذا فكَّروا في الشعب وليس أرباحهم الخاصة فقط، فلن يعاني شعبنا المشكلات التي تواجهه الآن، تِلك هي المشكلة الرئيسية".

يتَّفق علي فوروزي، وهو مهندسٌ صناعي يبلغ من العمر 33 عاماً، مع هذا الرأي.

وقال فوروزي: "ليس صائباً أن نُلقي باللوم في مشكلاتنا على الآخرين مثل أميركا وترمب. أعتقدُ أنَّ أصل مشكلاتنا يكمن داخل البلاد. إذا كُنّا أقوياء كفايةً داخلياً، فلن يكون بإمكان أحد من الخارج إلحاق الضرر بنا، ولكن مع الأسف، تنبع مشكلاتنا من النظام الداخلي. ويتضمَّن ذلك غياب التنسيق بين الحكومة والهيئات الأخرى، وكذلك بين الناس أنفسهم".

جديرٌ بالذكر أنَّ ترمب نفسه شخصيةٌ مثيرة لآراءٍ متضاربة في إيران، حتى بغض النظر عن انتقاده الدائم للاتفاق النووي. ومع أنَّ العديد من الإيرانيين يعيشون بالولايات المتحدة، ضمَّ ترمب إيران إلى قائمة الدول المشمولة في قرار حظر السفر الذي أقرَّه، ما منع العائلات الإيرانية من إصدار تأشيرات سفر لزيارة أحبائهم بالولايات المتحدة. وكذلك، انتقده الإيرانيون على أنه أطلق اسم الخليج العربي على "الخليج الفارسي".

هدية ترمب للمتشددين

كانت أفعال ترمب بمثابة هديةٍ للمتشددين في صفوف الحكومة الإيرانية، الذين يستشهدون بها باعتبارها أدلةً على أنَّ أميركا هي "الشيطان الأعظم" في سنوات ما بعد الثورة الإيرانية.

وقال فوروزي: "إذا انسحب ترمب من الاتفاق، فسيُرِي هذا العالمَ وشعبَنا كذلك بوضوحٍ، أنَّ أميركا تنكث معاهداتها وستنكشف الحقيقة. وقد يجعل ذلك صورتنا أفضل دولياً؛ لأنَّنا ملتزمون بوعودنا".

وقال سيد رضا موسوي، وهو رجل دين يبلغ من العمر 58 عاماً، إنَّ الاتفاق "جرَّد الدول العُظمى من سلطتها"، وأظهر للعالم قوة إيران.

وأضاف: "لا يخيفنا قرار ترمب، سنقاومه ونتصدَّى له دون تردد. حتى لو انسحب ترمب من الاتفاق، فلن يؤذينا ذلك. لقد اخترنا طريقنا ولن يُضَر في ذلك سوى الولايات المتحدة وليس نحن إذا ما قرر الانسحاب".

وقال علي رضا يار محمدي، وهو مدير شركة رعاية صحية ومستحضرات تجميل يبلغ من العمر 52 عاماً، إن إحدى سُبُل إلحاق الضرر بالولايات المتحدة تكمن في دولة كوريا الشمالية. فالزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ-أون، قد لا يتَّخذ ترمب بجدية مطلقاً إذا ما حدث ذلك قُبيل المحادثات المتوقعة بين الزعيمين.

وقال يار محمدي: "ليس من السهل للغاية أن تتخلَّى أميركا عن الاتفاق؛ لأنَّ كوريا الشمالية لن تدخل في محادثاتٍ معها إذا جرى ذلك. فهُم لن يتوصَّلوا إلى اتفاقٍ مع دولةٍ نكثت اتفاقاً آخر أبرمته منذ عامين فقط. وفضلاً عن ذلك، فقد يقول الرئيس الأميركي القادم إنه لن يقبل الالتزام باتفاقٍ معقود سلفاً".

ولكن، فيما يخص أوضاع الإيرانيين في بلدهم، فإنهم يتحدَّثون بينهم على نحوٍ متزايد عن سعيهم لمغادرة البلاد في سبيل عَيش حياةٍ أفضل بالخارج. وتظل دول غرب أوروبا خياراً مفتوحاً للبعض ممَّن له صلاتٌ هناك، بينما يُمكِن لمَن لديه المال التوجُّه بلا تأشيرة إلى دول أرمينيا وجورجيا وصربيا لشراء الجنسية منها.

وقالت شادي، المهندسة المعمارية: "كثيراً ما أفكِّر في أنَّ عليَّ الهجرة من إيران إذا أردت عَيش حياةٍ أفضل. ترافقني تِلك الفكرة دوماً".

وأضافت: "أتمنى لو كانت إيران مكاناً يمكنني الحياة فيه بسلامٍ وهدوء مع أصدقائي وعائلتي. لكنَّ الحياة تصبح مريرةً أحياناً إلى حدٍ لا يترك لنا خياراً سوى الرحيل".

 

تحميل المزيد