"أبو الهول السلوفيني"، هكذا لقَّبها أحد المحررين الصحفيين، فما تتحمله ملانيا ترمب يصعب أن تصبر عليه امرأة عادية، ولكنَّ أداءها كسيدة أولى يتحسن رغم الظروف المحيطة بها.
ميلانيا التي تزوجت أقوى رجل في العالم، تقوم بواجبها وتظل صامتةً، بينما يلفظ زوجها بالأكاذيب ويلقي الشتائم، ويعترف بدفع الأموال لإسكات ممثلة أفلام جنسية تدَّعي وجود علاقة غير شرعية خارج إطار الزواج بينهما، وذلك حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian.
هل تحررت ميلانا أخيراً؟
تكوَّن انطباع لدى البعض منذ تنصيب ترمب عن عدم ارتياح ميلانيا في علاقتها به، وعدم اهتمامها بدورها كسيدة أولى، حتى إنه أُطلِق هاشتاغ "حرِّروا ميلانيا-#FreeMelania" مطلع عام 2017 .
ولكن، بعد نجاح ضيافتها للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته، تستعد ميلانيا ترمب هذا الأسبوع للظهور في دائرة الضوء مجدداً.
فقد صرحت ستيفاني جريشام، المسؤولة الإعلامية لميلانيا ترمب، للإذاعة الوطنية العامة، بأن السيدة الأولى ستُعلن عن المبادرات المتعلقة بالسياسات العامة التي تركز على الأطفال، لا سيما التي تتعلق بالشبكات الاجتماعية والصحة والإدمان. ثم أعلن البيت الأبيض أن الإعلان سيحدث يوم الإثنين 7 مايو/أيار 2018، في حديقة روز جاردن، وهو مكان مخصص عادةً للمؤتمرات الصحفية الرئاسية.
سيكون ذلك الحدث موضع ترحيب للمؤيدين، وإن كان قد تأخر في المجيء، أما بالنسبة للنقاد فقد جاء ذلك متأخراً للغاية، ويكاد يكون بعد فوات الأوان، كما يُعد ذلك لفتةً غير مجدية من قِبل امرأة تمثل علاقتها بزوجة مادةً غنيةً يمكن الثرثرة حولها.
كيف يمكن أن تفلت من زواج سيئ تعانيه أميركا بأَسرها؟
قال بيل غالستون، المستشار السياسي السابق للرئيس بيل كلينتون، الذي يعتبر آخر رئيس واجه مشاكل زوجية أمام الرأي العام: "إن الأمة بأَسرها في الوقت الراهن في علاقة زواج سيئ مع دونالد ترمب، ولا تستطيع الإفلات من تسلُّطه، فكيف يمكن لميلانيا ذلك؟!".
وبدأت السيدة الأولى لأميركا، ميلانيا، التي تتقن عدة لغات، وعملت في السابق عارضة أزياء وتُعتبر ثاني سيدة أولى وُلدت خارج الولايات المتحدة، بدايةً أبطأ من معظم زوجات الرؤساء السابقات.
فقد غابت إلى حد كبير عن واشنطن خلال الأشهر الستة الأولى من الإدارة، مفضِّلةً البقاء ببرج ترمب في مانهاتن بنيويورك؛ حتى لا يضطر ابنها بارون إلى تغيير مَدرسته. وعن غياب ميلانيا عن المشهد، كتب المؤلف مايكل وولف إن موظفي البيت الأبيض أشاروا إلى ابنة ترمب، إيفانكا، باعتبارها "زوجته الحقيقية"!
انتقلت ميلانيا إلى البيت الأبيض في يونيو/حزيران عام 2017، لكنها ظلت بعيدة عن الأنظار. إلا أنه في بداية هذا العام (2018)، استعانت بريغان طومسون، البالغة من العمر 27 عاماً، لتكون مديرة للسياسات، وأصبحت أقل خجلاً وأكثر استعداداً للتحدث والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية.
اعتراف ضمني بسلاطة زوجها وبداية جديدة رائعة
عندما عقدت مؤخراً مناقشة في البيت الأبيض حول التنمر عبر الإنترنت، واجه الأمرُ أصداء مثيرة للسخرية، نظراً إلى عادة زوجها في التنمر على الأعداء باستخدام أسماء مهينة على "تويتر".
وكان لافتاً أنها قالت: "أنا أدرك تماماً أن الناس يساورهم الشك حول أحقيتي في مناقشة هذا الموضوع".
ولكن، تجلَّت لحظتها الحاسمة، على الأقل حتى الآن، في أول عشاء رسمي في ظل رئاسة ترمب؛ إذ لم توظف مُنظِّماً للحدث، وتولت هي مسؤولية الترتيبات بنفسها. وحصلت ميلانيا على ملاحظات رائعة عن كل شيء بدءاً من الزهور ووصولاً إلى الطعام وحتى الموضة.
وأطلَّت بفستان هوت كوتور من قماش الدانتيل الأسود مع اللون الفضيّ، حمل توقيع دار الأزياء الفرنسية الراقية "شانيل-Chanel"، تحية لضيوفها الفرنسيين.
حتى إنه تمت المقارنة بين زيارة الدولة هذه، التي قام بها الرئيس الفرنسي لأميركا، مع الزيارة الناجحة لجاكي كينيدي إلى باريس عام 1961، والتي علَّق عليها زوجها الرئيس الأميركي الأسبق، جون كينيدي، للصحافة آنذاك، بقوله: "أنا الرجل الذي رافق جاكلين كينيدي إلى باريس، وقد استمتعت بذلك".
تقول مارغريت ليسلي دافيس، مؤلفة كتاب "الموناليزا في كاميلوت-Mona Lisa in Camelot": "لقد فعلت جاكي كينيدي وميلانيا ترمب كل ما في وسعهما لعرض الدقة التاريخية بكل التفاصيل. ولكن كان هناك اختلاف واحد مهم: أرادت جاكي حضور الصحافة في حدثها، وأرادت أن تظهر في المشهد".
ولكن حتى في غياب بريق المشاهير، يبدو أن عشاء ميلانيا كان حدثاً رائعاً وسار دون أي عراقيل. كما أشادت بالحدث آنيتا ماكبرايد، التي كانت رئيسة موظفي السيدة الأولى السابقة لورا بوش والتي تعمل الآن في الجامعة الأميركية بواشنطن.
وقالت: "لقد حصلت (ميلانيا) على الكثير من التقدير، وأظهرت مستوى من الارتياح في تأدية دورها كسيدة أولى".
"لم أُحضر لها هدية فأنا مشغول"!
ولكن، لم يخل اللقاء مع ماكرون من لحظات أقل سعادة، مثلما حدث عندما التقطت عدسات الكاميرات التلفزيونية ميلانيا وهي تقاوم محاولة ترمب المتعثرة، الإمساك بيديها قبل أن تستسلم في النهاية، فقد كانت لحظة حرجة جذبت السخرية من الكثير من الكوميديين.
ولم تكن هذه أول حادثة من نوعها بين الزوجين والتي تتناقض مع ابتسامة ميلانيا العريضة عندما اجتمعت مع الرؤساء السابقين والسيدات الأوليات بهيوستن، في أثناء جنازة باربرا بوش، في غياب ترمب.
بعد ذلك، وفي مقابلة هاتفية متوترة على قناة "فوكس نيوز" بالبرنامج التلفزيوني "Fox and Friends"، سُئل ترمب ما الذي اشتراه لزوجته في عيد ميلادها الـ48. وأجاب: "ربما لم أُحضر لها الكثير. فقد أحضرت لها بطاقة تهنئة جميلة. أنت تعرف أنني مشغول للغاية".
كيف تتحمله بعد اعترافه بدفعه رشوة للممثلة الإباحية بعد أشهر من إنجابها لابنهما؟
ساء الأمر أكثر في الأسبوع الماضي. فقد غيَّر ترمب قِصته واعترف بأنه دفع لمحاميه، مايكل كوهين، مبلغ 130 ألف دولار، الذي دفعه إلى ممثلة الأفلام الجنسية ستورمي دانيالز لقاء التزامها الصمت، قبيل أيام من الانتخابات الرئاسية في عام 2016.
وتدّعي دانيالز أنها أقامت علاقة جنسية مع ترمب في إحدى بطولات الغولف الشهيرة بنيفادا في عام 2006، بعد أشهرٍ من إنجاب ميلانيا ابنهما بارون. وقد نفى ترمب، الذي تزوج 3 مرات، هذا الادعاء.
وقال غالستون، وهو أحد كبار الباحثين بمعهد بروكينغز في واشنطن: "لا أعرف كيف أفسر (طريقة تفكيرها)، ولكن إذا كانت تتمتع بالخصال نفسها التي توجد عند معظم الناس، فلا يمكنني أن أتخيل أنها تشعر بالدفء والحنان تجاه زوجها الآن".
وأضاف: "مهما كان ما اتفقا ترمب وميلانيا على فعله، فهي لم توافق على هذا الوضع على الإطلاق. كونها السيدة الأولى ليس تحقيقاً لحلم حياتها. لا أعتقد أنها تستمتع بكونها شخصية عامة، فهي تجد نفسها في موقف لم تتوقع أن تكون فيه، وعليها الآن أن تقرر ما ستفعله"، حسب قوله.
هل هي فعلاً غير سعيدة؟ ولماذا تدفع يد ترمب بعيداً؟
كريس رودي، الصديق المقرَّب من دونالد ترمب، يفسر بعض تصرفاتها مع زوجها، التي تثير الاستغراب والتي نشرت إحساساً بأنها غير سعيدة.
يقول رودي، وهو الرئيس التنفيذي لشركة نيوزماكس ميديا المحافظة: "مثَّل عشاء ماكرون نجاحاً حققته هي والرئيس".
وأوضح: "فقد بدأ الجميع في اكتشاف ما نفهمه -نحن، من يعرفونها منذ فترة طويلة- عن رقِّيها وأناقتها وسحرها ورِفعتها. فهي تعرف كيف تعتني بنفسها، وليست مرتبكة ولم تتجاوز الحدود بأي شكل من الأشكال. ووراء الكواليس، تتمتع بتأثير كبير عليه، وترون الآن الدلائل الظاهرية على ذلك".
ونفى التكهنات بأن ميلانيا غير سعيدة، قائلاً: "تبدو دائماً بالنسبة لي راضية تماماً، ولم تشتكِ قَط، كما تبدو سعيدة للغاية بالدور الذي تقوم به".
أما الثرثرة القائمة حول تردُّدها الظاهر في الإمساك بيد زوجها، فقد بررها قائلاً: "أعتقد أن الناس يعطون الأمر أكبر من حجمه. إنها تقول له إنه من غير اللائق أن تمسك بيدي في تلك اللحظة، إنها شخصية لائقة للغاية. ولم يكن ذلك بسبب أي مشكلة في علاقتهما".
فهما يبدوان مثل العشاق المراهقين عندما يتجولون في مار إيه لاغو (العقار الفخم الذي يمتلكه ترامب في فلوريدا)، حسب تعبيره.
التحدي الأكبر أمامها: كيف تبْرع في تأدية أبرز مهمة لزوجات الرؤساء؟
ومع ذلك، وجد معلِّقون آخرون لغة الجسد بين الزوجين منفِّرة بشدة. وقال لاري جاكوبس، مدير مركز دراسات السياسة والحوكمة في جامعة مينيسوتا: "إنه أمر غريب أكثر مما تتخيل؛ أن ترى ميلانيا تصفع يد زوجها بعيداً، إن هذا يضاف إلى تلك القائمة المتزايدة من السمات الغريبة لرئاسة ترامب".
وفِي مجال آخر، يشير جاكوبس إلى أن زوجات الرؤساء السابقات أثبتن براعتهن في تجاوز الانقسام الحزبي. فقد تقربت باربرا بوش من الديمقراطيين ببرنامجها لمحو الأمية. وتمكنت ميشيل أوباما، على الرغم من المعارضة المريرة التي واجهها زوجها، من التواصل مع العديد من الجمهوريين لدعم ممارستها ومبادراتها الغذائية الصحية.
وأضاف جاكوبس: "على مدى العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية، كانت زوجات الرؤساء أداة سياسية قيّمة للرؤساء لمناشدة المستقلين وحتى من هم في الأحزاب المعارضة".
وأردف قائلاً: "أعتقد أن سيدة أولى مختلفة يُمكن أن تكون مفيدة للغاية لترامب. فهو لا يستطيع الوصول إلى الاتجاه السائد في أميركا. كما أنه ينفِّر النساء والمستقلين. كان من الممكن أن تكون ميلانيا سفيرة للنوايا الحسنة مثل ميشيل أوباما أو باربرا بوش".
ومع ذلك، فإن ميلانيا، من وجهة نظر جاكوبس، لم تكن بالمستوى المطلوب. "من المحتمل أن تكون هذه هي السيدة الأولى الأقل تفاعلاً التي شاهدناها في العصر الحديث. لقد فات الأوان في اللعبة كي تظهر الآن. ليس هذا ما اعتدنا رؤيته من زوجات الرؤساء الأخريات، فهي ليست حاضرة عندما يُتوقع منها ذلك".