طرحت الأزمة بين المغرب والجزائر العديد من علامات الاستفهام المرتبطة بمستقبل العلاقات بين البلدين، على ضوء التطورات الأخيرة واتهام المغرب لحزب الله بدعم جبهة البوليساريو انطلاقاً من سفارة إيران بالجزائر، واستدعاء الأخيرة للسفير المغربي.
إلا أنه رغم ذلك فإن خبراء مغاربة استبعدوا إمكانية "تدهور" العلاقات المغربية الجزائرية، وصولاً إلى القطيعة الدبلوماسية، بينما اعتبر خبراء جزائريون، أن ما وصفوه بـ"التصعيد المغربي" تجاه بلادهم محاولة لاستغلال انشغال السلطات بالتحضير لانتخابات الرئاسة المقررة العام المقبل.
مرحلة عابرة أم إطالة للنزاع
تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أكد في تصريح للأناضول، أن المغرب يعتبر دائماً أن الجزائر هي من تحتضن "البوليساريو" على أرضها وهي من تمولها وتسلحها، بل ويعتبرها الناطق باسمها في المنتديات الدبلوماسية.
وقال إنه وفق الموقف المغربي فإن "مسؤولية الجزائر واضحة للعيان"، على اعتبار أن واقعة حزب الله "وقعت في التراب الجزائري، حيث السفارة الإيرانية، وحيث مسؤول دبلوماسي إيراني يقوم بعملية الربط بين البوليساريو وحزب الله، بما فيها التدريبات التي نُظمت وتسليم الأسلحة".
واعتبر الحسيني أن استدعاء الجزائر السفير المغربي لديها، للاحتجاج، هو "سلوك متعارف عليه في الأعراف الدبلوماسية كلما كان هناك نوع من القلق بين دولة أخرى"، مشدداً على أنه لا يؤدي إلى "تدهور" العلاقات بين البلدين، وصولاً للقطعية الدبلوماسية.
من جهته، بن كبير حسن عضو البرلمان الجزائري السابق، قال إن " المغرب سيستفيد كثيراً في حال تم ربط جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، بحزب الله اللبناني".
وأضاف حسن، وهو قيادي في حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي يقوده رئيس الوزراء أحمد أويحي، أن حزب الله "تعاديه دول الخليج العربي وتعتبره منظمة إرهابية، كما تعتبره الإدارة الأميركية أيضاً منظمة إرهابية، وهذا هو هدف التحرك المغربي حسب رأيي الخاص".
وتابع: "لقد حاولت الرباط في سنوات خلت أن تلصق تهمة الإرهاب بجبهة البوليساريو من خلال تصريحات، وحملة إعلامية حول دعمها جماعات إرهابية في الساحل الإفريقي، لكن الخطة فشلت لعدم منطقية الأمر وكذا عدم وجود أدلة".
بينما يرى الخبير في قضايا المغرب العربي، بن عبد النبي عارف، أستاذ القانون الدولي في جامعة الجزائر أن هناك قناعة راسخة لدى صانع القرار في المغرب، "هي أن صاحب الشأن الحقيقي في ملف الصحراء الغربية أو جبهة البوليساريو، هي القيادة الجزائرية، بل إن الإخوة في المغرب يعتقدون أن مفتاح حل القضية الصحراوية بيد قادة الجزائر السياسيين والعسكريين".
وأضاف عارف أن الجزائر أكدت في أكثر من مناسبة أن المعني الوحيد بملف الصحراء الغربية، هو جبهة البوليساريو، وأكدت أن "موقفها سيبقى ثابتًا في القضية وهو تمكين الصحراويين من تقرير مصيرهم بعيدًا عن أي وصاية". ورجح الخبير الجزائري أن "النزاع هذا سيتواصل لسنوات أخرى إلى غاية الوصول إلى حل سياسي يضمن حقوق الصحراويين".
استغلال ظرفية الجزائر الخاصة
وبخصوص إمكانية الوصول إلى مرحلة القطيعة في علاقة المغرب بالجزائر، قال خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، في تصريح للأناضول، إن المغرب والجزائر "يعرفان بعضهما جيداً، ويعرفان أنهما في صراع ونزاع حول الصحراء، لكن رغم كل التطورات التي حصلت في الأيام الأخيرة فليس هناك مؤشرات على إمكانية قطع العلاقات بينهما".
وأشار شيات إلى أنه رغم وجود "أزمة حقيقية بين المغرب والجزائر، فإنه قليلاً ما كانت العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بينهما رغم أن الحدود البرية بينهما مغلقة منذ أكثر من 24 عاماً".
وقال إنه "رغم الدعم المباشر والضخم من الجزائر للبوليساريو تسليحاً وميدانياً ولوجيستيكياً واستراتيجياً ودبلوماسياً، فإن المغرب يرى أنه من الأفضل أن يكون هناك نوع من التواصل الدبلوماسي".
وشدد على أن المغرب "حريص على أن تبقى هناك قنوات للتواصل، لأن لديه أزمة حقيقية مع الجزائر"، مشيرا إلى أن الرباط "تعتبر الجزائر في كل الأحوال دولة جارة وشقيقة، وأن هذا هو الأصل رغم الخلافات المستمرة بينهما".
من جهته فسر الصحفي الجزائري فوزي بوعلام الحملة الدبلوماسية المغربية التي بدأت في شهر أبريل/نيسان 2018 على أنها محاولة من المملكة لاستغلال الظرفية التي تمر منها الجظائر، وأوضح قائلاً: "السر يكمن في توقيت الحملة ذاتها، فالمغرب بدأ في تصعيد الموقف سياسياً ودبلوماسياً؛ لدرجة التهديد بشن الحرب في فترة حساسة على المستوى السياسي الداخلي في الجزائر في السنة الأخيرة من ولاية الرئيس بوتفليقة التي تنتهي في أبريل/نيسان 2019".
وتابع بوعلام: "لا أشك على الإطلاق في أن اختيار التوقيت من قبل الملك المغربي جاء هكذا، بل إن الأمر يتعلق بحسابات أخرى من أجل انتزاع تنازلات جوهرية تتعلق بملف الصحراء الغربية من الجزائر، في وقت تنشغل فيه الجزائر بموضوع خلافة الرئيس بوتفليقة أو احتمال التمديد له".
وهو ما أكده الخبير الأمني محمد تاواتي، إذ اعتبر أنه بعيداً عن تكذيب أو تصديق الرواية المغربية حول تدريب خبراء من حزب الله لعسكريين من البوليساريو، "فإنه وحسب رأيي الخاص، الملك المغربي محمد السادس، يعتقد بوجود فراغ ما في السلطة في الجزائر".
وأضاف تاوتي أن المغرب بنى حساباته على أساس أن القيادة السياسية، وحتى الأحزاب المعارضة منشغلة الآن بموضوعي التمديد أو اختيار خليفة للرئيس بوتفليقة، وأمد أنه لا يبدو أن الصدفة لعبت دوراً في هذا الموضوع بل القيادة السياسية في الجزائر تدرك حقيقة الحسابات التي تنطلق منها الحملة المغربية، "ولهذا خرج الرئيس بوتفليقة لتأكيد وجوده على رأس عمله وفي منصبه".
سجالات سياسية لا تعكس رغبة الشعبين
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، تاج الدين الحسيني، وقال إن المغرب في علاقاته مع الجزائر "يميز بين رموز النظام والمؤسسة العسكرية من جهة، والشعب الجزائري من جهة أخرى".
وأضاف الحسيني أن الرباط اتخذت "قراراً صارماً" بهذا الخصوص، وهو الحث على عدم تدهور العلاقات بين الطرفين أياً كانت الأسباب، ويدلل الحسيني على ذلك باستمرار وجود السفارة المغربية في الجزائر والجزائرية في المغرب، و"تعبير المغرب عن عزمه على تحسين العلاقات مع الجزائر رعيا لحسن الجوار ومستقبل العلاقات بين الشعبين".
وقال إن المغرب يعتبر أن "هذه المرحلة التي يعاني فيها الرئيس الجزائري من وضع صحي حرج، وتتولى المؤسسة العسكرية اتخاذ القرار، هي مرحلة عابرة في حياة الشعب الجزائري، ومن المفيد للعلاقات بين الشعبين عدم التصعيد بشكل يضر بمستقبل هذه العلاقات وبالأخوة بين الشعبين المغربي والجزائري".
في المقابل، يرى عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، في تصريح للأناضول، أن الجزائر اليوم "تشعر بعد قرار المغرب (قطع العلاقات مع إيران) أن الرباط لديها حسابات مع أطراف وتريد أن تصفيها على الساحة الجزائرية".
وقال إن الجزائر "شعرت بالحرج لأنها بدت وكأنها تفتح أراضيها لجهات أجنبية ضد جهات أخرى، ما يضعها في موقف ضعف، ويصورها كأنها بلد غير قادر على ضبط سيادته الترابية".
ولفت إلى أن المغرب أبدى تفهما للأمر، ولا يبدو أنه يرغب في السقوط في أخطاء سبق وأن حدثت في تاريخ العلاقات مع الجزائر، عبر قطع العلاقات معها وإغلاق الحدود بين البلدين.
وأشار العلام إلى أن المغرب "حريص على إبقاء العلاقات مع الجزائر ويتمنى تطويرها، لأنه في غير صالحه أن يصل إلى مرحلة القطيعة النهائية معها".
وبرر ذلك بقوله "لدى المغرب منفذ حدودي بري واحد هو منطقة الكركارات (بإقليم الصحراء) التي تعرف مشاكل، لذلك فالمغرب يفيده كثيراً أن يعيد فتح الحدود مع الجزائر من أجل أن ينفتح على دول إفريقية من خلال الحدود البرية".
وحسب الباحث المغربي، فإن ما وصفه بـ"السجال" بين الجزائر والمغرب "لن يصل إلى مرحلة القطيعة لأن الجزائر لم تطرد السفير المغربي وإنما استدعته للاحتجاج، والمغرب لم يرد بالمثل"، معتبراً أن هذا مؤشر على أن العلاقات لن تصل إلى مرحلة القطيعة.
وقال إن قطع العلاقات لا يخدم لا الجزائر ولا المغرب، لأن "القطيعة تعني المواجهة المباشرة التي يمكن أن تتحول إلى دعم مباشر (من قبل الجزائر) للبوليساريو".
واعتبر أن "ما لا يسمح بهذه القطيعة هي العلاقات الوطيدة بين الشعبين الجزائري والمغربي بصرف النظر عن النظامين السياسيين"، لافتاً إلى أن "واقع السجال القائم على المستوى السياسي، لا يعكس بحال العلاقات الوثيقة جدا بين الشعبين المغربي والجزائري".
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات المغربية- الجزائرية مرت بتاريخ من التوتر عبر العديد من المحطات، أبرزها في أكتوبر/تشرين الأول عام 1963، وقتها وقع خلاف حدودي بين البلدين أدى إلى اندلاع مواجهات عسكرية بينهما عرفت بـ"حرب الرمال".
وفي مارس/آذار 1976، قطعت المغرب علاقاتها بالجزائر، على خلفية دعم الأخيرة لجبهة "البوليساريو"، وفي عام 1994 أغلقت الجزائر حدودها مع المغرب، في رد فعل على فرض الرباط تأشيرة دخول على رعاياها، واتهام الجزائر بالتورط في تفجيرات استهدفت فندقاً بمدينة مراكش المغربية.
لكن يبقى النزاع بين المغرب و"البوليساريو" حول قضية الصحراء هو جوهر التوتر الذي يخيم منذ عقود على العلاقات بين البلدين.