قبل أشهر معدودة، لم يكن حسين محمد أحد أبناء مستعمرة بالونغ، بريف ماليزيا قد سمع قط بالبرلمان الأوروبي.. واليوم، فإن رزق حسين ومعه ٦٥٠ ألف ماليزي من مزارعي النخيل مثله مهدد بسبب هذا البرلمان بسبب قراره منع استيراد زيت النخيل من القارة العجوز..
إذا أردت أن تعرف أثر ذلك القرار الأوروبي على حسين والآلاف غيره من أبناء ماليزيا فعليك أن تعرف أن زيت النخيل، هو أحد أكبر صادرات ماليزيا وأنه يدر عليها دخلاً قدره 20 مليار دولار سنوياً.
وعندما صوَّت البرلمان الأوروبي مؤخراً بأغلبيةٍ ساحقة على الحظر التام لاستخدام زيت النخيل في جميع أنواع الوقود الحيوي في أوروبا بحلول عام 2020، مستنداً إلى مخاوف تتعلق بالبيئة وقطع أشجار الغابات فإنه كمن أصدر حكماً بالموت ضد حسين وسكان مستعمرة بالونغ.
ناشطو البيئة حذروا من تدمير الغابات بسبب زيت النخيل
ونشرت منظمة السلام الأخضر هذا الأسبوع مزيداً من الأدلة على أن زيت النخيل أدى إلى إزالة الغابات في بابوا في إندونيسيا، مما أضاف مزيداً من الإساءة إلى سمعة زيت النخيل. ومع ذلك فإن الحظر لا يعد بالضرورة حلاً لجميع مشكلات البيئة.
ولا يزال سوق الديزل الحيوي يتنامى في الاتحاد الأوروبي، مع أنه يعتمد بنسبةٍ كبيرةٍ على زيت النخيل. وفي حال تطبيق الحظر على زيت النخيل، سيتم استخدام زيت فول الصويا الذي ثبت بالدليل كذلك أنه مدمرٌ للبيئة، لتسببه في إزالة جماعية لغابات الأمازون المطيرة.
حسين محمد – الستيني ذو البشرة السمراء – الذي يعمل في مزرعة النخيل الخاصة به منذ أكثر من 30 عاماً، ويعول أسرته من ريعها تحدث إلى "هنا بيترسن" محررة صحيفة the guardian "أنفق كل ما أملك على مزرعة النخيل، وقد زرعت أشجاراً جديدة مؤخراً ستظل في الأرض لخمسة وعشرين عاماً، وتعتمد عليها أسرتي بالكامل. وهذا ما أنفق منه على تعليم أولادي".
أوروبا تبرر .. القرار يحمي الغابات
خلال السنوات القليلة الماضية، انطلقت حملاتٌ أغلبها أوروبية جمعَت كثيراً من الأدلة على أن الطلب المتزايد على زيت النخيل من الاتحاد الأوروبي والصين أثار موجةً عارمة من اقتلاع الأشجار غير القانوني في إندونيسيا وماليزيا، من جانب حكومتي البلدين وكبار الشركات، بما أدى بالعديد من سلالات أشجار الغابات إلى حافة الانقراض.
قد يكون الأمر مفهوماً للشركات الكبرى أو الحكومات، لكنه غير مفهوم بالنسبة لصغار المزارعين الماليزيين، الذين أنقذتهم هيئة الأراضي الحكومية من الفقر بمنحهم 10 أفدنة من الأرض لزراعة النخيل في ثمانينيات القرن الماضي. فبالنسبة لهؤلاء تبدو مسألة تدمير البيئة هذه أمراً مربكاً لهم ولحياتهم.
هؤلاء المزارعون ينتجون 40% من حصة ماليزيا من إنتاج زيت النخيل، ومع ذلك فإن أحداً منهم لا يشارك في أي أعمال استيلاء على الأرض أو حرق الغابات أو قطعها، وهي الممارسات التي تذرع بها نواب البرلمان الأوروبي عند التصويت على قرار حظر استخدام زيت النخيل في الوقود الحيوي.
تقول التشيكية كاترينا كونيتشنا عضوة البرلمان الأوروبي التي أثارت قضية حظر زيت النخيل "إنها تتفهَّم ماسأة صغار المستثمرين، ومع ذلك فهي تدرك أنه "مجرد شريحة في شركات محلية ودولية هي التي تتحمَّل مسؤولية إزالة الغابات".
ماليزيا تتهم أوروبا بالعنصرية
متحدث باسم هيئة الأراضي الماليزية قال لصحيفة the guardian إن جانبا من القضية يتعلق باختلاف المعايير التي يستند إليها الاتحاد الأوروبي: لماذا يخص أعضاء البرلمان الأوروبي زيت النخيل دون غيره من الزيوت النباتية المُستَخدَمة في تصنيع الوقود الحيوي والتي يُزرَع بعضها مثل الشلجم داخل دول الاتحاد الأوروبي؟! ووصف هذا السلوك من جانبهم بأنه يشبه "أبارتهايد المحاصيل" – أو التفرقة العنصرية بين المحاصيل- وأدان الاتحاد الأوروبي لغض الطرف عن "مئات الآلاف من البيوت التي سيتم تدميرها ".
ويرى المسؤول الماليزي أن القرار يعيد للأذهان السلوك الاستعماري القديم، على حد قوله.. "فالرجل الأبيض يفرض قوانينه علينا من على بُعد أميال.. وإذا كان الاتحاد الأوروبي يحترم ماليزيا كدولةٍ ذات سيادة وشريكٍ في التنمية والتجارة، فعليه ألا يفرض عليها هذا القيد المُجحِف، وبدلاً من ذلك أن يعمل معنا لحل الإشكالات البيئية".
ومع اقتراب موعد عقد الانتخابات البرلمانية في ماليزيا في التاسع من مايو/أيار، تعد هذه القضية محورية، حيث يعد صغار المزارعين قاعدةً شعبيةً داعمة للائتلاف الحاكم. وقد تعهَّد رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق أن يدافع عن زيت النخيل كجزءٍ من حملته الانتخابية.
سياسياً: أوروبا ترحل والصين تأتي لتشتري
وهناك أيضاً تداعياتٌ سياسية أوسع للحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي؛ فحظر استخدام زيت النخيل في الوقود الحيوي يُحتَمَل أن يُضعِف تأثير الاتحاد الأوروبي في جنوب شرق آسيا، بل وأن يمنح مزيداً من السطوة للصين، أكبر مستخدم لزيت النخيل في العالم، في وقت أبدى فيه الاتحاد الأوروبي قلقاً من الهيمنة الصينية المتزايدة على المنطقة.