هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرمته الولايات المتحدة ضمن مجموعة من القوى العالمية مع إيران، وفي حال إصرار ترامب على الانسحاب فإن هذا القرار من شأنه أن تكون له انعكاسات سلبية على الجميع.
ورصدت شبكة "سي إن إن" الأميركية عدة نقاط لأبرز تداعيات انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، وأشارت الشبكة في تقرير أعدته بعنوان "من الخاسر الحقيقي جراء انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني؟" إلى أن شركات أميركية وأوروبية ستتضرر كثيراً من الانسحاب؛ فضلاً عن الاقتصاد الإيراني نفسه.
وسبق أن وصف ترامب الاتفاق بأنه "الأسوأ على الإطلاق"، وتعهد بالانسحاب منه. والآن، يهدد ترامب برفض التوقيع على تمديد الالتزام بالاتفاق النووي في موعده المقرر في 12 مايو/أيار المقبل، حيث يجب على الرئيس الأميركي توقيع وثيقة بتجميد العقوبات كل 120 يوماً.
تراجع صادرات النفط الإيراني وارتفاع الأسعار في السوق الدولية
تمتلك إيران رابع أكبر احتياطي من النفط الخام في العالم؛ فضلاً عن نحو خمس احتياطيات الغاز الطبيعي. وزادت البلاد من الإنتاج منذ تخفيف العقوبات إلى حوالي 3.8 مليون برميل في اليوم، بمقدار مليون برميل نفط يومياً بشكل إضافي على معدل عام 2015، قبل التوقيع على الاتفاق.
وفي هذا الإطار، فإن فرض عقوبات جديدة على صادرات النفط الإيرانية من شأنه أن يؤثر على المعروض العالمي من النفط، وقد يتسبب في ارتفاع الأسعار. وقد ارتفع السعر بالفعل بنسبة 14% هذا العام إلى أعلى مستوى له في ثلاث سنوات.
وقال جو مكمونيجل، كبير محللي سياسات الطاقة في مركز "Hedgeye Risk Management" للأبحاث الأسبوع الماضي، إن "السبب الرئيسي وراء ارتفاع الأسعار هو سياسة الرئيس ترامب تجاه إيران." وأضاف أن "الوضع يتعلق بكمية كبيرة من النفط معرضة للخطر، وأن أي تهديد لها ينذر بارتفاع الأسعار."
اتفاقيات بالمليارات في "مهب الريح"
في حين أن العديد من الشركات الأجنبية الكبرى ظلت تتخوف من إقامة علاقات تجارية مع إيران بسبب إمكانية عودة العقوبات، فقد قرر عدد منها خوض مغامرة الاستثمار بالفعل.
ووقعت شركة "توتال" اتفاقاً بقيمة ملياري دولار، للمساعدة في تطوير "حقل غاز الشمال" (جنوب فارس) العملاق بالاشتراك مع شركة النفط الوطنية الصينية "سي. إن. بي. سي."، لكن الشركة الفرنسية حذرت من أن اتباع نهج صارم من ترامب يمكن أن "يغتال" تلك الصفقة.
كما فازت شركة جنرال إلكتريك (GE) الأميركية بعقود بملايين الدولارات من الطلبات من إيران عام 2017، وفقاً لوثائق الشركة، عن أعمالها في مجال النفط والغاز.
وفي عام 2017، أعلنت شركة فولكس فاغن الألمانية، أنها ستبيع السيارات في إيران لأول مرة منذ 17 عاماً.
تعتبر أكبر الصفقات التي تم توقيعها مع شركات أجنبية حتى الآن هي التي كانت مع شركتي "بوينغ" و"إيرباص" لتحديث أسطول إيران المتهالك من الطائرات.
ووقعت "بوينغ" صفقة بقيمة 8 مليارات دولار، لبيع 80 طائرة لشركة الخطوط الجوية الإيرانية بعد رفع العقوبات، ومن المقرر تسليم أول دفعة من الطائرات خلال العام الجاري.
وقالت "بوينغ"، إن "مبيعات طائراتها إلى إيران ستدعم مباشرة عشرات الآلاف من الوظائف في الولايات المتحدة"، وأشارت الشركة إلى أن 100 ألف موظف في "بوينغ" سيستفيدون من تلك الصفقة.
كما وافقت مؤخراً على بيع 30 طائرة طراز "737 MAX " بقيمة 3 مليارات دولار لشركة Aseman Airlines ، وهي شركة إيرانية أخرى.
كما استفادت أيضاً الشركة المنافسة لبوينغ في أوروبا "إيرباص" من رفع العقوبات، حيث وافقت الأخيرة على بيع 100 طائرة إلى إيران مقابل 10 مليارات دولار أميركي.
وأوضح التقرير، أن هذه المبيعات قد تصبح على المحك إذا أعاد ترامب فرض العقوبات، لأن "إيرباص" تستخدم أجزاء وقطع غيار أميركية الصنع.
كما استفادت شركات الطيران من الانفتاح على إيران كوجهة تجارية وسياحية منذ تخفيف العقوبات. وبشكل خاص، استأنفت شركات الطيران الأوروبية مثل الخطوط الجوية البريطانية ولوفتهانزا الألمانية تسيير رحلات مباشرة إلى البلاد.
كما استفادت سلسلة فنادق عالمية من ذلك الانفتاح، حيث كانت مجموعة فنادق "أكور" الفرنسية أول سلسلة فنادق دولية تفتح فرعاً لها في إيران وذلك في عام 2015. وأعلنت كل من "ميليا" الإسبانية، و"روتانا" الإماراتية عن خطط لفتح فنادق في إيران.
تدهور الاقتصاد الإيراني
بفضل رفع العقوبات، عاد النمو إلى إيران في السنوات الأخيرة، لكن الانتعاش الاقتصادي لا يزال هشاً.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، كتبت سوزان مالوني، الباحثة في معهد "بروكنغز"، "بما أن المجموعة الكاملة من العقوبات الأميركية، بما في ذلك فرض عقوبات على استيراد النفط الخام الإيراني، ستعود إلى مكانها، حال انسحاب ترامب، فإن الوضع الاقتصادي الإيراني الهش سوف يتدهور بالتأكيد."
وانخفض الريال الإيراني مقابل الدولار الأميركي في الأشهر الأخيرة، وفقدت العملة الإيرانية ما يقرب من ثلث قيمتها خلال العام الماضي، فيما تشير تقارير إعلامية إلى أن الانخفاض كان أكثر حدة في بورصات السوق السوداء.
وجعل الانخفاض الواردات أكثر تكلفة، ويقال إن بعض الإيرانيين أنفقوا مدخراتهم لشراء الدولارات واليورو.
وتوصلت إيران ومجموعة دول (5+1)، التي تضم روسيا وبريطانيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، في 14 يوليو/ تموز 2015، إلى اتفاقية لتسوية المسألة النووية الإيرانية، وأقرت خطة عمل شاملة مشتركة، جرى الإعلان في 6 يناير/كانون الثاني 2016 عن بدء تطبيقها.
تباين المواقف الدولية من الملف النووي الإيراني
ونصت الخطة على رفع العقوبات المفروضة على إيران على خلفية برنامجها النووي من قبل مجلس الأمن والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبالمقابل تعهدت طهران بالحد من أنشطتها النووية ووضعها تحت الرقابة الدولية.
وينص الاتفاق على أن بعض القيود التقنية المفروضة على الأنشطة النووية تسقط تدريجياً اعتباراً من 2025.
وهناك خلاف حول الملف الإيراني بين الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، حيث هدد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، فيما تدافع بعض الدول الأوروبية عن الحكومة الإيرانية، وتقول إنها ملتزمة بالاتفاق.
واعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الجمعة 27 أبريل/نيسان خلال زيارة إلى واشنطن أن الاتفاق الموقع مع إيران حول ملفها النووي غير كاف لاحتواء طموحات طهران.
وقالت ميركل خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب "نعتبر الاتفاق النووي الإيراني مرحلة أولى ساهمت في إبطاء أنشطتهم على هذا الصعيد بصورة خاصة (…) لكننا نعتقد أيضا من وجهة نظر ألمانية أن هذا غير كاف لضمان كبح طموحات إيران واحتوائها".
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن الأربعاء 18 أبريل/نيسان في واشنطن أن نظيره الأميركي دونالد ترامب قد ينسحب من الاتفاق النووي مع إيران لأسباب سياسية داخلية، وذلك بعد إجراء الرئيسين محادثات حول مستقبل هذا الاتفاق.
وقال ماكرون لوسائل إعلام أميركية مع اقتراب انتهاء زيارة الدولة التي يقوم بها الى الولايات المتحدة انه في الوقت الذي لا يعرف فيه على وجه الخصوص ما الذي سيقرره ترامب، فإنه يعتقد أن الزعيم الأميركي "سوف يتخلص من الاتفاق بمفرده لأسباب داخلية".