لم يكن الحاج عبد المجيد يتصور أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه عاجزاً ليس عن تخزين ما يكفيه من الأرز طوال العام، بل عن زراعة المحصول نفسه الذي ظل يعتمد عليه كمصدر دخل رئيسي لسنوات عديدة.
عبد المجيد، وهو مزارع يبلغ 60 عاماً من قرية الرمزية بمركز السنبلاوين، قال لـ"عربي بوست"، إن الأرز بالنسبة له ولغيره أصبح بديل الخبز، وإنه كان يحتفظ بطن أو اثنين كل عام كـ"خزين للبيت"، ويبيع بقية المحصول لسد التزاماته.
أما اليوم فهو لا يعرف ماذا سيفعل بعد أن منعته الحكومة من زراعة هذا المحصول ما اضطره لترك الأرض التي كان يستأجرها منذ زمن.
ودخلت أزمة المياه في مصر في خطورة أكبر بعدما قررت الحكومة تقليص زراعة محاصيل تستهلك كميات كبيرة من المياه كالأرز وقصب السكر والكتان، وكلها محاصيل استراتيجية للمواطن العادي.
وجاءت موافقة البرلمان عقب موافقة مجلس النواب، نهائياً، على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966، يختص بمنع زراعة المحاصيل التي تحتاج لمياه ري بكميات كبيرة؛ لترشيد استهلاك المياه.
وتأتي هذه الخطوات في ظل فشل القاهرة في التوصل لتفاهمات مع الجانب الإثيوبي بشأن سد النهضة الذي سيحجز جزءاً من حصة مصر من مياه النيل والمقدرة بـ 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.
الحكومة بدأت التنفيذ بالفعل
وأوضح عبد المجيد أن الناس لم تكن تصدق أنها ستمنع من زراعة الأرز، حتى قامت الحكومة فعلاً قبل شهور بإتلاف مساحات كبيرة فور زراعتها ليتأكد الجميع أن المسألة ليست إشاعات.
وتساءل الرجل "ماذا سأفعل بعدما ينفد الخزين؟ أنا حالياً أحتفظ بكمية تكفي أسرتي لنحو 6 شهور أو أقل. بعد هذه الفترة سأكون مطالباً بشراء كيلو بـ 15 جنيهاً على الأقل. من أين؟ لا أعرف".
عبد المجيد ليس حالة استثنائية في قريته بل وفي محافظته كلها؛ فالمأساة واضحة على وجوه الجميع وفي أحاديثهم، لكنهم يخشون الحديث بعدما رأوا جدية الحكومة في التعامل مع الأمر.
لذلك فإن الرجل يعترف بمنتهى البساطة أن كل ما عليه أن "ينتظر الأيام السوداء".
رجب الشربيني، موظف حكومي، يقول إن حالته أفضل من غيره لكنه أيضاً سيواجه مشكلة كبيرة جراء هذا القرار، "لدي خزين من العام الماضي وقد أوشك على التلف، غير أن خوفي من القادم يدفعني للاحتفاظ به ومحاولة إطالة عمره أو بيعه واستبداله بآخر جديد".
ورغم أنه ليس مزارعاً إلا إنه اعتاد منذ سنوات على تخزين كميات من الأرز في منزله من خلال علاقاته بالفلاحين.
وأوضح لـ"عربي بوست"، كيف أن الناس مصدومة من هذا الأمر، لكنها لا تستطيع فعل أي شيء، فقد أتلفت الحكومة آلاف الأفدنة التي غامر أصحابها وزرعوها، حسب ما شاهده ونقله له أصدقاؤه أيضاً.
#أخبار_الزقازيق#الشرقية | #ازالات مشاتل زراعة الارز من قبل هندسة رى الزقازيق ؛طبقآ للقرار الوزارى رقم 28 لسنه 2018…
Gepostet von أخبار الزقازيق am Freitag, 20. April 2018
وأوضح أن طن الأرز الشعير (غير المبيّض) ارتفع سعره من 3800 جنيه (200 دولار) قبل ثلاثة شهور إلى أكثر من 5 آلاف، ومن المتوقع أن يتجاوز الـ 7 آلاف قريباً.
الحكومة ترفض كل الحلول البديلة
وكان سكان محافظتي الدقهلية والشرقية وغيرها من المحافظات التي تعتمد بالأساس على محصول الأرز يزرعون مئات الآلاف من الأفدنة، وقد راهنوا على دفع غرامة الـ 5 جنيهات للفدان طبقاً لما هو مذكور بالقانون، لكن الحكومة رفضت وأوقفت الزراعة.
كما رفضت الحكومة أيضاً عرض الفلاحين بتركيب مواسير مياه جوفية، وتمسكت بالسماح بزراعة مساحات صغيرة لا تتجاوز الـ 5 آلاف فدان في مركزي أجا والسنبلاوين بمدينة المنصورة مثلاً (على طرفي ترعة البوهية من جهة مركز دكرنس)، ومثلها في الشرقية (مركز أبو كبير)، كما يقول الفلاحون.
حالياً يعيش الفلاحون حالة ترقب وبعضهم سيغامر ويعيد زراعة الأرض بعد خلوها من محاصيل القمح والبرسيم واللب وفول الصويا التي زرعوها كبديل مؤقت، لكنهم يعتقدون أن الحكومة ستقوم بتلييط الأرض (إتلافها وتسويتها) ورشها بالمبيد، بعد الزراعة، كما فعلوا في قرى غزالة وشبراسندي بالسنبلاوين، حسب ما ذكر الشربيني.
ولا يملك المزارعون حالياً سوى خيار زراعة فول الصويا أو الذرة أو القمح، وكلها محاصيل لا تسد احتياجاتهم، وهو ما دفع عشرات المستأجرين لترك الأراضي لأنها "ستقع عليهم بالخسارة".
خسائر كبيرة
يقول عبد المجيد أنه كان يخرج بضريبتين (2 طن) كل عام، بعد خزين البيت، لافتاً إلى أنه كان يبيع هاتين الضريبتين لسداد التزاماته السنوية. أما الآن فلا محصول الذرة ولا اللب ولا فول الصويا سيجمع تكاليف زراعته.
الفلاح ليس الخاسر الوحيد، فهناك عمال مضارب الأرز وسائقي الكومباين (أداة جمع وحصد الأرز)، وأصحاب هذه المضارب والكومباينات، فضلاً عن آلاف العاملين باليومية.
أحد أصحاب آلات الكومباين الذي رفض ذكر اسمه، قال لـ"عربي بوست"، إنه دفع 500 ألف جنيه ثمناً للكومباين الذي كان يدر عليه ما بين 30 إلى 40 ألف جنيه في الموسم.
"حالياً لا أجد ما أفعله به"، يقول الرجل وعلامات الأسى واضحة على ملامحه.
وقال "مضرب الأرز كان يعمل ورديتين كل يوم وفي كل وردية يقوم بتشغيل 15 عاملاً. هؤلاء لا يجدون عملاً الآن، وسيظلون هكذا".
تجار الجملة أيضاً سيتأثرون، وكذا محصول القشّ الذي كان أساسياً في تربية المواشي وكان يباع بسعر 4 جنيهات للبالة الواحدة، وكثيراً ما كان يتم حرقه للتخلص منه بسبب كثرته.
حالياً لا أحد يجده، وبالتالي تراجع سعر المواشي بعدما بدأ الفلاحون بيعها، لأنهم لا يستطيعون تحمل نفقات الأنواع الأخرى من العلف.
خوف من الحكومة
أحمد عيسى، من مركز الإبراهيمية بمحافظة الشرقية، قال لـ"عربي بوست"، إن أغلب الفلاحين ينوون الزراعة لكنهم يخشون ردة فعل الحكومة، لذلك هناك توجه لزرع شتلات على مساحات صغيرة، فإذا لم تتدخل الحكومة سيزرعون بقية المساحة، وإذا تدخلت فسيبيعون هذه الشتلات للمناطق المسموح فيها بالزراعة.
الأمر نفسه ينسحب على صعيد مصر الذي يعتمد على محصول القصب كما يعتمد أهالي الوجه البحري على الأرز. غير أن الاعتماد في القصب يكون على عائده السنوي، بينما الاعتماد على الأرز يكون كغذاء رئيسي.
تطبيق القرار على محصول القصب يعني توقف مصانع السكر في كوم أمبو بأسوان وفي أبو قرقاص بالمنيا وفي الحوامدية ببني سويف.
أهل الصعيد أكثر غضباً
لكن ردة الفعل في الجنوب مختلفة جداً عن مثيلتها في الشمال، ربما لأن أهل الصعيد اعتادوا على أخذ الأمور بالقوة، لكنهم يتناسون أنهم يواجهون حكومة تعتمد هي الأخرى على القوة في كل شيء.
أحد سكان الصعيد من مزارعي القصب، قال لـ"عربي بوست"، إن الأمر ليس بهذه البساطة. كيف يوقفون زراعة ملايين الأفدنة؟ وماذا يفعل أصحاب هذه الفدادين بعد خسارة مصدر دخلهم السنوي؟
وأضاف المتحدث الذي رفض الكشف عن اسمه، في ثقة لا تتماشى مع خوف المصريين عموماً "كنا نقيم الدنيا ولا نقعدها إذا تراجع سعر القصب فكيف إذا تم منعه؟ أهل الصعيد ربما يدخلون في مواجهة مسلحة مع الحكومة ما داموا سيخسرون لقمة العيش"، على حد تعبيره.
وعن الاعتماد على محاصيل أخرى، أضاف "الحكومة تستورد القمح ولا تشتري القطن ولا الذرة، فماذا نزرع؟".
وختم الرجل حديثه بالقول إن منع زراعة القصب يعني أن سعر كيلو السكر سيصل إلى 20 أو 30 جنيهاً. "فمن يسكت على هذا؟"، ثم أضاف في سخرية "الحكومة اتجننت وعايزة تخربها".