أغلقت كوريا الجنوبية، الإثنين 23 أبريل/نيسان 2018، مكبرات الصوت التي تبث الموسيقى الحماسية الصاخبة وغيرها من أشكال الدعاية السياسية إلى كوريا الشمالية، بهدف إسكات أسلحة الحرب النفسية، والتي تُشكل مصدر إزعاج كبير لكوريا الشمالية إلى درجة دفعت جيشها ذات مرة لإطلاق النار عبر الحدود.
وقالت وزارة دفاع كوريا الجنوبية إنها أغلقت كل مكبرات صوت أجهزة الدعاية على طول الحدود وهي المنطقة المسماة "منزوعة السلاح" وذلك قبل أيام من إعلان رئيسها مون جاي-إن الانضمام إلى القمة التي ستجمعه بزعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ-أون، الجمعة 27 أبريل/نيسان 2018، حسب تقرير صحيفة The New York Times.
الوزارة أضافت أنها اتخذت هذا القرار من أجل "تخفيف التوترات العسكرية وتهيئة مناخ سلمي للاجتماع. نأمل أن يؤدي تحركنا اليوم إلى إنهاء كل من كوريا الجنوبية والشمالية عمليات التشويه المزدوجة والدعاية المضادة بين البلدين لخلق بداية سلمية جديدة".
وأعلنت كوريا الشمالية، السبت 21 أبريل /نيسان 2018، وقف تجاربها النووية وإطلاق الصواريخ البعيدة المدى، وهو ما رحب به الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي-إن، مشيداً بـ"قرار مهم في اتجاه نزاع الأسلحة النووية بالكامل من شبه الجزيرة الكورية".
ورغم بوادر التهدئة التي توالت بين الكوريتين منذ مطلع السنة، حذر الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الإفراط في التفاؤل.
وكتب ترمب في تغريدة على "تويتر" مساء الأحد 22 أبريل/نيسان 2018: "الطريق طويل قبل التوصل إلى نتيجة بخصوص كوريا الشمالية، قد ينجح الأمر وقد لا ينجح، المستقبل سيحدد ذلك".
ومن المرتقب أن يلتقي ترمب أيضاً الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ-أون، في الأسابيع المقبلة بقمة تاريخية.
وهذا التقارب بين الكوريتين سيفعّل، الجمعة 27 أبريل/نيسان 2018، مع القمة المرتقبة بين كيم ومون في القسم الجنوبي من المنطقة المنزوعة السلاح الفاصلة بين الشمال والجنوب.
ماذا كانت تبث الميكرفونات؟
لعقود من الزمان، ظلت مكبرات الصوت مثبَّتة على طول الحدود، تحثُّ الجنود على الانشقاق والانتقال إلى الجانب الآخر. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، انشق جندي كوري شمالي إلى الجنوب في بانمونجوم، فارّاً من وابل رصاص أطلقه جنود من كوريا الشمالية.
طوال الليل والنهار، كانت الأغاني التي تحيي الزعيم الشمالي "الأبوي" والبروباغندا الشيوعية التي تدين أساليب الحياة "الرأسمالية المنحرفة"، تتدفق عبر الحدود متجهة نحو الجنوب.
من جهتها، كانت مكبرات الصوت في كوريا الجنوبية تدين الجوع وانتهاكات حقوق الإنسان في الشمال، مسلّطة الضوء على عدد السيارات وغيرها من علامات الترف الموجودة في الجنوب. في الآونة الأخيرة، أضيفت موسيقى الـK-pop إلى هذا المزيج. وكانت كوريا الجنوبية تأمل أن تؤدي دعايتها إلى إضعاف هالة القدسية التي تحيط بعائلة كيم التي تحكم كوريا الشمالية.
سنة 2015، أمر كيم الجبهة العسكرية بالدخول في "حالة شبه حرب"، بعد أن تبادلت كل من كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية إطلاق الصواريخ والقذائف المدفعية. وأمر جبهته العسكرية بالاستعداد لمهاجمة مكبرات الصوت الكورية الجنوبية المثبَّتة على طول الحدود ما لم تتوقف عن نشر دعايتها.
وأوقفت كل من كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية مكبرات الصوت الخاصة بهما بعد تحسُّن علاقاتهما، عقب أول اجتماع قمة عُقد بينهما سنة 2000. لكنهما أعادتا تشغيلها مرة أخرى بعد توتر العلاقات بينهما. تصاعدت الحرب الدعائية عبر الحدود المدججة بالسلاح بعد أن أجرت كوريا الشمالية تجربتها النووية الرابعة في أوائل عام 2016.
لكن النشطاء المناهضين لكوريا الشمالية في الجنوب تعهدوا بالاستمرار في إرسال بالونات دعائية، تحمل أوراق الدولار النقدية، وأجهزة راديو صغيرة، وأقراصاً مدمجة تحتوي على أفلام غربية ومنشورات تنعت كيم بالخنزير.
واشتكى بعض النشطاء من أن الشرطة حاولت إيقاف حملة البالونات الخاصة بهم، في الوقت الذي تسعى فيه كوريا الجنوبية إلى التقرب من الشمال.
في الماضي، حاولت السلطات الكورية الجنوبية إعاقة حملة البالون عندما تحسنت العلاقات مع بيونغ يانغ، كما هددت كوريا الشمالية بإطلاق النار عبر الحدود لإسقاط البالونات.
ما زالتا في حالة حرب
ولا تزال الكوريتان عملياً في حالة حرب؛ لأن النزاع انتهى بتوقيع هدنة وليس معاهدة سلام. وينتشر عشرات آلاف الجنود في المنطقة المنزوعة السلاح.
والمسألة الأساسية التي ستُطرح الجمعة 27 أبريل/نيسان 2018، ستكون معرفة ما إذا كان كيم سيعِدُ بخطوات ملموسة لتفكيك الترسانة النووية الكورية الشمالية أم لا.
فقد أشرف الزعيم الشاب على 4 من 6 تجارب نووية أجرتها بلاده، إلى جانب إطلاق عشرات الصواريخ، وبينها صواريخ عابرة للقارات قادرة على بلوغ الأراضي الأميركية.
وأعلن كيم أيضاً، السبت 21 أبريل/نيسان 2018، إغلاق موقع التجارب النووية بونجي-ري في شمال البلاد؛ "لكي يثبت تعهّده بتعليق التجارب النووية"، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية.
لكن الزعيم الكوري الشمالي لم يتطرق إلى تفكيك ترسانته، واصفاً إياها بأنها "سيف" يحمي البلاد، ما أثار شكوك الخبراء حول مدى التنازلات الكورية الشمالية.
وقال هاري كازيانيس، المتخصص بقضايا الدفاع في مركز الأبحاث "ذي ناشيونال إنتريست" في واشنطن: "كل القرارات التي يتخذها كيم يمكن العودة عنها، وليست سوى كلمات ووعود فارغة، فيما من المعروف أن كوريا الشمالية لا تفي بوعودها".
ورغم أن التجربة النووية الأخيرة التي قامت بها كوريا الشمالية تعود إلى سبتمبر/أيلول 2017، وآخر عملية إطلاق صاروخ باليستي إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ذكّر كازيانيس بأن كيم جونغ-أون يمكن أن يعيد سريعاً إطلاق هذه البرامج إذا لم يحصل على ما يريده خلال اللقاءات مع مون وترمب.
وأكد الخبير لوكالة فرانس برس: "يمكن للمجموعة الدولية أن تتسلح بالأمل، لكن يجب ألا تكون مغفّلة".