تمثل قاعدة الطائرات الحربية غير المكتملة، التي ظهرت وسط الأراضي الوعرة للصحراء الإفريقية، أحدث جبهات القتال في الحرب العالمية الغامضة التي تشنها أميركا.
ويعمل مئات العاملين بالقوات الجوية، بحسب تقرير نشرته The New York Times، بحماس شديد في تلك القاعدة للانتهاء من تنفيذ المطار البالغ قيمته 110 ملايين دولار، والذي سوف يُستخدم بعد استكماله خلال الشهور القادمة في مطاردة أو استهداف المتطرفين في الأعماق غرب وشمال إفريقيا، وهي المنطقة التي لا يعلم معظم الأميركيين أن بلادهم تخوض أي حرب بها.
وبالقرب من المدرج الجديد، يتولى أفراد القوات الخاصة بالجيش الأميركي تدريب القوات النيجيرية على تنفيذ ضربات مكافحة الإرهاب أو التصدي لكمائن الأعداء – على غرار الكمين الذي أودى بحياة 4 جنود أميركيين بالقرب من الحدود المالية في الخريف الماضي.
أميركا لا تعزز قواتها في العراق وأفغانستان وحدهما
وتعكس هذه المهام المتوازية معاً التعزيزات العسكرية الأميركية غير المعلنة خارج ساحات المعارك في العراق وأفغانستان، والتي غالباً ما تتكشف في المناطق البعيدة مثل اليمن والصومال وبصورة أكبر في غرب إفريقيا دون أن يكاد يعلم بها أحد.
ففي النيجر وحدها، ضاعفت وزارة الدفاع الأميركية خلال السنوات القليلة الماضية من أعداد قواتها لتصل إلى نحو 800 جندي – لا لتنفيذ المهام القتالية من جانب واحد، بل لمحاربة تنظيم القاعدة وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) اللذين تتزايد خطورتهما والجماعات الإرهابية ذات الصلة بتلك القوات التي تعمل بالوكالة وتنفذ الضربات الجوية بطائرات بدون طيار. ومن المتوقع أن يتم فحص المهام العسكرية في النيجر خلال تحقيقات وزارة الدفاع التي طال انتظارها في كمين 4 أكتوبر/تشرين الأول المميت الذي يوشك على الانتهاء.
العمليات خارج هاتين الدولتين لا يعلم بها الكثير من الأميركيين
وذكر ب. و. سينجر، أحد الخبراء الاستراتيجيين بمعهد نيو أميركا في واشنطن والذي كتب الكثير من الأبحاث عن الطائرات بدون طيار: "سوف تمنحنا القاعدة الجوية وعياً أكبر ومعلومات أكثر حول المنطقة التي أصبحت مركزاً للأنشطة الإرهابية غير المشروعة. ولكنها ستورطنا بصورة أكبر في عمليات عسكرية وقتالية لا يعلم بها سوى عدد قليل من الأميركيين".
وقد ظهرت التساؤلات حول ما إذا الجيش الأميركي في ظل إدارة ترمب يسعى إلى إخفاء نطاق العمليات الممتد في إفريقيا خلال الشهر الأخير حينما تم الكشف عن قيام الولايات المتحدة بشن ضربتين جويتين في ليبيا فيما بين سبتمبر/أيلول ويناير/كانون الثاني والتي أخفقت قيادة الجيش بإفريقيا في الكشف عنها في حينها.
وسرعان ما أقر الجيش بعد ذلك للمرة الأولى أن القوات الخاصة التي تتعاون مع القوات النيجيرية قد قتلت 11 من أعضاء داعش على مدار أيام من القتال خلال ديسمبر/كانون الأول. ولم يتعرض أي جندي أميركي أو نيجيري للإصابة خلال معركة ديسمبر/كانون الأول.
ومع ذلك، فقد أكد القتال – إضافةً إلى 10 اعتداءات أخرى على الأقل على القوات الأميركية في غرب إفريقيا فيما بين عامي 2015 و2017 – على حقيقة أن الكمين المميت في النيجر لم يكن بمعزل عن تلك الأحداث. ويذكر مسؤولون عسكريون أن القوات النيجيرية ومستشاريها الأميركيين يستعدون لتنفيذ عمليات كبرى أخرى لتصفية المتمردين.
وذكر السيناتور الديمقراطي كريس كونز من ديلاوير، والذي زار النيجر مع 4 آخرين من أعضاء الكونغرس خلال الشهر الماضي: "من الضروري أن يعرف الشعب الأميركي ويقرر ما إذا كان ينبغي دعم العمليات العسكرية الأميركية في بلدان أخرى حول العالم، ومن بينها النيجر".
وبعد انقضاء 6 شهور من الاعتداء المهلك، الذي وقع بقرية تونجو تونجو بالقرب من الحدود المالية، تقف إدارة ترمب في مفترق طرق خلال الحملة العسكرية العالمية لمكافحة الإرهاب.
أمام ترمب مساران: إما مواصلة قتال داعش أو ترك المهمة للحلفاء
ويتمثل أحد المسارات في مواصلة تعهد الرئيس ترمب بشن حملة لهزيمة تنظيم داعش والتنظيمات المتطرفة العنيفة الأخرى، ليس في سوريا والعراق فقط، بل في مختلف أنحاء العالم. ويتمثل المسار الآخر في الانسحاب وترك العمليات القتالية للحلفاء، كما ذكر ترمب أنه سيفعل في سوريا.
وخلال تدريبات مكافحة الإرهاب خلال الأسبوع الماضي في شمال النيجر والتي تضمنت أكثر من 2000 جندي من 20 دولة إفريقية وغربية، أعرب العديد من المسؤولين عن مخاوفهم من أن يصبح التزام أميركا في غرب إفريقيا ضحية لدوافع بلدان غرب إفريقيا.
وذكر الكولونيل موسى سالو بارمو، قائد قوات العمليات الخاصة بالنيجر والبالغ قوامها 2000 جندي والتي تم تدريبها بقاعدة فورت بيننج وجامعة الدفاع الوطني بواشنطن "من المهم أن يستمر دعم الولايات المتحدة لمساعدتنا في تدريب رجالنا وسد العجز لدينا".
وفي لقاء على هامش التدريبات، ذكر الميجور ماركوس هيكس، رئيس قوات العمليات الخاصة الأميركية في إفريقيا "إنها وثيقة تأمين غير مكلفة وأعتقد أننا بحاجة إلى الإبقاء عليها".
ويعد بناء قاعدة جديدة في هذه البلاد النائية غير الساحلية التي تصل مساحتها إلى نحو ضعف مساحة تكساس بمثابة الفصل الأخير في التاريخ العسكري المثير للجدل للعمليات الجوية في أنحاء العالم.
ويأتي ذلك مع تزايد الضربات الجوية الأميركية مرة أخرى بعد تراجعها إلى حد ما في أماكن مثل باكستان. فقد تضاعف عدد الضربات الأميركية ضد متطرفي تنظيم الدولة الإسلامية في العام الماضي ثلاث مرات في اليمن ومرتين في الصومال عن تقديرات العام السابق.
ضربات الـ"درون" تتوسع ولا تتقلص
وفي الشهر الماضي، أودت طائرة حلقت من قاعدة ثانية في النيجر بحياة أحد زعماء القاعدة في جنوب ليبيا للمرة الأولى، ما يشير إلى إمكانية التوسع في الضربات الجوية هناك.
بينما يرى المسؤولون الأميركيون والنيجيريون أن العمليات الجوية تحقق تعزيزات أمنية – في مجالات المراقبة أو الضربات أو حماية دوريات القوات الخاصة – يخشى آخرون من زعزعة الاستقرار المحتمل الناجم عن مجموعة من الجماعات الموالية لتنظيم القاعدة وتنظيم داعش والتي يمكن أن تزيد من مخاطر المتطرفين.
وذكر جان هيرفي جيزكيل، نائب مدير مشروع غرب إفريقيا بالمجموعة الدولية للأزمات في داكار بالسنغال "يمكن أن يؤدي القضاء على الزعماء العسكريين الجهاديين من خلال الضربات الجوية إلى تفكيك الجماعات المتطرفة بصورة مؤقتة. ومع ذلك، قد يؤدي ذلك الفراغ إلى ظهور زعماء جدد من الأرجح أن يشاركوا في عمليات أشد عنفاً لتأكيد زعامتهم".
وكشفت إحدى الزيارات النادرة هذا الشهر إلى القاعدة الجوية 201، وهو أكبر مشروع تشييد يقوم به مهندسو القوات الجوية بمفردهم، عن العديد من التحديات.
القاعدة الجوية 201.. كلفت عشرات ملايين الدولارات
ويناضل القادة وسط العواصف الرملية ودرجات الحرارة الحارقة وعمليات تسليم قطع الغيار لإصلاح المعدات المعطلة. وقد تضافرت كل هذه العوامل معاً لتأخير تسليم المشروع بنحو عام وزيادة النفقات عن الموازنة الأصلية بمبلغ 22 مليون دولار.
ويسعى المسؤولون الأميركيون لتبديد مخاوف المواطنين من أن تكون القاعدة، التي تبعد ميلين عن مدينة آغاديز، هدفاً للاعتداءات الإرهابية – وليس وسيلة حماية ضد تلك الاعتداءات. وانتشرت شائعات حول قيام عشرات الشاحنات التي تمر عبر البوابات المنيعة يومياً بسرقة اليورانيوم الذي يشتهر به الإقليم.
وذكر الكولونيل براد هاربو، قائد سرب القوات الجوية رقم 724 وكبير المسؤولين هنا "كان علينا أن نتغلب على بعض الريبة وانعدام الثقة".
كانت آغاديز محطة هامة على مدار قرون للمهربين والمهاجرين والقوافل التي تعبر الصحراء. وتقع المدينة البالغ تعداد سكانها 125 ألف نسمة على بعد أكثر من 450 ميلاً من تونجو تونجو، حيث تمت مهاجمة الجنود الأميركيين والقوات النيجيرية في الخريف الماضي، ومع ذلك، فقد استهدف المتطرفون هذه المنطقة أيضاً خلال السنوات الأخيرة.
وفي مايو/أيار 2013، شن المتطرفون الإسلاميون هجمات منسقة، باستخدام السيارات المفخخة لضرب المجمع العسكري النيجيري في آغاديز وشركة إنتاج اليورانيوم الخاضعة للإدارة الفرنسية في مدينة أرليت المجاورة. وزعمت جماعتان مسؤوليتهما عن التفجيرات، التي ذكرت السلطات النيجيرية أنها أودت بحياة 24 جندياً ومدني واحد على الأقل، بالإضافة إلى 11 متطرفاً.
وكان الرئيس باراك أوباما قد أمر بإرسال أول 100 جندي أميركي إلى النيجر في فبراير/شباط 2013 للمساعدة على تأسيس عمليات الاستطلاع في نيامي عاصمة النيجر من أجل دعم العملية الفرنسية لقتال تنظيم القاعدة والمقاتلين التابعين له في مالي المجاورة.
ورغم انتشار تلك القوات، ذكر مسؤولون عسكريون حينذاك أنهم يريدون نقل العمليات الجوية إلى خارج مدينة أجاديز، بالقرب من طرق التهريب التي يستغلها المتطرفون بالصحراء في نقل أسلحتهم ومقاتليهم من ليبيا إلى شمال مالي. وبدأ تشييد مدرج المطار في صيف 2016.
ضربات ضد ليبيا من النيجر
وافقت الحكومة النيجيرية على تشييد القاعدة الجوية عام 2014. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أي بعد الكمين المميت بنحو شهر واحد، منحت حكومة النيجر وزارة الدفاع الأميركية بتحليق الطائرات الحربية خارج نيامي، ما يعد توسعاً هائلاً في القدرات العسكرية الأميركية في إفريقيا. ورفض المسؤولون الأميركيون والنيجيريون مناقشة العمليات العسكرية. ومع ذلك، فقد أقر أحد مسؤولي وزارة الدفاع أن الجيش قد بدأ في يناير/كانون الثاني في شن هجمات جوية من نيامي، التي تبعد 500 ميل جنوبي غرب القاعدة، بما في ذلك الضربة الجوية التي شنها على جنوب ليبيا خلال الشهر الماضي.
سوف يتم نقل طائرات MQ-9 Reaper، التي قامت شركة جنرال أتوميكس بتصنيعها، إلى القاعدة الجوية 201 بمجرد الانتهاء من بناء مدرج الطيران في أوائل العام المقبل؛ ويتم معها نقل مئات من الجنود الأميركيين. ويعمل هنا حالياً نحو نصف القوات الأميركية البالغ قوامها 800 جندي في النيجر – وهو ثاني أكبر تواجد عسكري أميركي في إفريقيا، بعد القوة العسكرية البالغ قوامها 4000 جندي بالقاعدة الدائمة في جيبوتي.
وذكر بيل روجيو، محرر موقع Long War Journal الإلكتروني الخاضع لإدارة مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات التي تتعقب الضربات العسكرية ضد الجماعات المتطرفة، أن نقل العمليات الجوية إلى آغاديز له ميزتان.
وقال إن الميزة الأولى تتمثل في أن تصبح القاعدة أكثر تمركزاً لإجراء العمليات في أنحاء منطقة الساحل، وهي منطقة شاسعة تقع جنوبي الصحراء تمتد من السنغال إلى السودان والتي يسيطر عليها موجة متنامية من الإرهاب والنزاعات المسلحة.
وثانياً، أن آغاديز تعتبر أكثر انعزالاً من نيامي. وسوف يساعد ذلك على الحفاظ على سرية العمليات.
وقال روجيو "تحظى قاعدة آغاديز بإمكانية أن تصبح أكثر مراكز مكافحة الإرهاب فعالية في إفريقيا".
ويعد انتشار القوات في النيجر بمثابة ثاني أكبر انتشار للطائرات الحربية في إفريقيا.
ويتم استخدام الطائرات المتمركزة في جيبوتي في كل من اليمن والصومال، حيث تم شن نحو 30 ضربة جوية في العام الماضي ضد أهداف الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية – ضعف عدد الضربات الجوية التي تم شنها خلال عام 2016. وقد انطلقت الطائرات ضد الأهداف في ليبيا من قاعدة سيسيلي، ومع ذلك، لا تستطيع طائرات Reapers الوصول إلى مخابئ المتطرفين في جنوب ليبيا من مسافة تبعد 1100 ميل تقريباً.
وتشن الولايات المتحدة طائرات استطلاع غير مسلحة من قواعدها في تونس والكاميرون.
وفي القاعدة الجوية 201، يؤدي بناء مدرج المطار الذي يبلغ طوله 6800 قدماً وعرضه 150 قدماً إلى خلق عقبات لوجيستية شديدة الخطورة. ويتم تحطيم الصخور بالمحاجر المحلية إلى حصوات صغيرة من أجل رصف ممرات الطيران. ومع ذلك، فقد تعطلت معدات تحطيم الصخور، ما أدى إلى قيام العمال لمرة واحدة على الأقل بالاستعانة بشركات النقل لتسليم قطع الغيار من باريس لتجنب تأخير الشحن على مدار أسابيع.
وقال الكولونيل هاربو البالغ من العمر 40 عاماً والذي شارك في حرب أفغانستان "لا يوجد مخزن محلي هنا بوسط المدينة".
ويتطلب تشييد مدرج المطار دقة متناهية.
تفرغ الشحنات أكوام من الحصى المبلل. وتنشر معدات التصنيف العملاقة المزودة بشفرات تحديد الموقع الجغرافي الصخور على أعماق متماثلة. وتسير معدات السحق ذهاباً وإياباً خلف تلك المعدات لتسوية الحصى. ولكي تتم تسوية التربة، ينبغي ألا تجف الصخور الرطبة بسرعة كبيرة. ويتم تنفيذ هذه الأعمال ليلاً لتجنب درجات حرارة النهار المرتفعة والتي وصلت خلال الأسبوع الماضي إلى 42 درجة.
وفي وقت لاحق من هذا الصيف، سوف يضع العمال أسفلتاً بسمك خمس بوصات على الصخور المستوية. ويذكر القادة أنهم سوف يمهدون نحو 39 فداناً من مساحة المطار. ورغم بناء المطار بصفة خاصة لطائرات Reaper، لابد أن يكون مدرج المطار وممرات السيارات والمنحدرات المجاورة قادرة على تحمل طائرات الشحن من طراز C-17 الأثقل وزناً.
القاعدة ستتحول للجيش النيجيري في النهاية
وتتمثل الخطة في النهاية في تسليم القاعدة الجوية 201 تماماً إلى الجيش النيجيري. وتتولى القوات الأميركية والنيجيرية المشتركة حالياً حراسة المكان الذي تبلغ مساحته 2200 فدان. ويوجد بكافتيريا القاعدة نحو 80 عاملاً محلياً وقد أنفق الأميركيون عشرات الملايين من الدولارات على شراء الصخور والخرسانة والصلب والأخشاب وغيرها من المؤن المحلية. وتمت دعوة الزعماء المحليين والصحفيين مؤخراً لتفقد القاعدة الجوية.
وقد تعاون فريق الشؤون المدنية المؤلف من أربعة أشخاص بقيادة الكابتن أندرو داسي، قائد كتيبة المشاة السابق بالعراق، عن كثب مع قادة المجتمع المدني ورجال الدين والتعليم بمدينة آغاديز للمساعدة على مواجهة معدلات البطالة المرتفعة ومشكلات المدارس سيئة التجهيز – وهي أوجه قصور يستطيع متطرفو تنظيم داعش استغلالها.
ويساعد الفريق المدارس المحلية على بدء دورات التدريب الحرفي التي تعلم التلاميذ مهارات جديدة وتساعد على توفير المكاتب المجددة للفصول الدراسية.
وقال محمد علي، مفتش المدارس الابتدائية بالمنطقة "لقد ساعدتنا القاعدة الجوية للغاية على تحسين أمننا واقتصادنا"، مشيراً إلى أكوام المكاتب المكسورة التي سوف يتم تجديدها.
ومع ذلك، لا تزال هناك شكوك حول الإرث الأبدي الذي ستخلفه لنا القاعدة.
وقال إ. جيه. جوهندورن، نائب مدير برنامج إفريقيا بالمجموعة الدولية للأزمات بواشنطن "لن يؤدي نشر الطائرات الحربية إلى إحداث فارق استراتيجي، بل يمكن أن يزيد العداوة تجاه الولايات المتحدة والحكومة المركزية في نيامي".