لم يكن القصف رداً على الهجوم الكيماوي للنظام على غوطة دمشق، ولاتعاطفاً مع الضحايا المفترضين؛ بل إنه مُخطط له قبل الهجوم على دوما، ولم تؤجله إسرائيل بعد الأزمة الكيماوية؛ لأن الهدف لا يحتمل التأجيل فيما يبدو.
بدعمٍ أميركي ضمني، استهدف الجيش الإسرائيلي، في 9 أبريل/نيسان 2018، بمنظومة دفاعٍ جوي إيرانية متطورة بإحدى القواعد السورية الأسبوع الماضي. لحظتها كان العالم منشغلاً بالفوضى التي تسبب فيها إعلان عمال إنقاذ وأطباء، في 8 أبريل/نيسان 2018، استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين, وقتها تسللت طائرات حربية لتقصف أكبر قاعدة عسكرية سورية، تيفور.
وقال مسؤولون استخباراتيون وآخرون مطلعون على المسألة، لصحيفة The Wall Street Journal الأميركية، إنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد التشاور هاتفياً مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أَمَرَ بشن ضربةٍ على بطارية مضادة للطائرات وصلت حديثاً إلى سوريا؛ لمنع القوات الإيرانية من استخدامها ضد الطائرات الحربية الإسرائيلية التي تُنفِّذ عدداً متزايداً من العمليات في سوريا.
التزم الإسرائيليون الصمت حيال هذه الضربة، لكنَّ روسيا وإيران وسوريا جميعها اتهمت إسرائيل بتنفيذها. ووفَّرت المعلومات التي قدَّمها المسؤولون الاستخباراتيون والآخرون المطلعون على الضربة،
تفاصيل جديدة بشأن الهدف المحدد، وأهداف إسرائيل، والنقاشات مع واشنطن.
إسرائيل اكتشفت أن القاعدة تستضيف مقاتلين روسا وطائرات إيرانية
القاعدة السورية التي استهدفتها الضربات الجوية الإسرائيلية أصبحت مبعث قلقٍ كبير لإسرائيل؛ إذ قال خبراء في الشؤون الدفاعية إنَّ القاعدة المعروفة باسم تيفور هي كبرى قواعد سلاح الجو السوري، وتستضيف قواتٍ تابعة للنظام، ومقاتلين روساً، وأسطولاً متنامياً من الطائرات الإيرانية دون طيار التي تُستخدم في عمليات الاستطلاع والهجمات المحتملة.
وفي فبراير/شباط 2018، اتهمت إسرائيل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني باستخدام القاعدة لإطلاق طائرةٍ دون طيار إلى داخل إسرائيل. وأسقطت مروحية إسرائيلية الطائرة دون طيار، التي قالت إسرائيل الأسبوع الماضي إنَّها كانت مُزوَّدة بمتفجرات.
وواصلت مقاتلات إف-16 الإسرائيلية تنفيذ ضرباتٍ جوية أسفرت عن تدمير ما يُشتبه في أنَّه مركز القيادة الذي كان يُشغِّل الطائرة دون طيار بقاعدة تيفور.
إسرائيل فقدت مقاتلة فقررت الانتقام من الدفاع الجوي الإيراني
بالفعل، سقطت مقاتلة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو يعود إلى الحقبة السوفييتية، ما يُمثِّل المناسبة الأولى التي تُسقَط فيها طائرةٌ إسرائيلية في معركة منذ عام 1982.
ورداً على ضربة فبراير/شباط 2018، تحرَّكت إيران لتعزيز دفاعاتها الجوية في القاعدة. وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر (أبريل/نيسان 2018)، تعقَّبت إسرائيل طائرة إيرانية نقلت منظومة صواريخ "تور" الروسية من طهران إلى القاعدة السورية.
وقال مسؤولون استخباراتيون إنَّ إسرائيل تحرَّكت سريعاً لتدمير منظومة الدفاع الجوي الجديدة قبل أن تتمكن إيران من نصبها.
و"تور" هو نظام دفاع صاروخي من صنع روسيا، وظيفته "تدمير الطائرات والمروحيات والطائرات من دون طيار والقذائف الموجهة، وغيرها من الأسلحة الدقيقة التي تحلّق على ارتفاعات متوسطة ومنخفضة ومنخفضة للغاية، في الهواء، والتشويش عليها، وفقاً لمصنّعها.
ولدى إيران عدد كبير من وحدات "تور- إم 1" وتزودها روسيا بقطع الغيار والتدريبات للعاملين لتشغيلها، ونُشرت هذه المنظومة لحماية المنشآت الحكومية والعسكرية الإيرانية من الهجمات الجوية.
ونجحت في تدمير المضادات الجوية الإيرانية وحظائر طائرات
الضربة الإسرائيلية التي وقعت في 9 أبريل/نيسان 2018، أي بعد اتصال نتنياهو بترمب بـ5 أيام، دمَّرت إلى جانب المنظومة المضادة للطائرات حظيرة طائرات تُستخدَم لإيواء الطائرات دون طيار، موجودة بالقاعدة السورية؛ ما أدى إلى إداناتٍ من جانب سوريا وروسيا وإيران.
وقالت وسائل الإعلام الإيرانية إنَّ 7 مستشارين عسكريين إيرانيين قُتِلوا، من بينهم ضابطٌ كان يشرف على عمليات الطائرات دون طيار.
ونفت إيران أنَّها تسعى لإقامة قواعد في سوريا، لكنَّها قالت إنَّ قواتها ستبقى في البلاد للدفاع عن نظام الأسد.
هذا التصعيد الإسرائيلي يستهدف إنهاء الوجود العسكري الإيراني هنا
مثَّل هجوم الأسبوع الماضي تصعيداً مهماً في الجهود الإسرائيلية الرامية إلى منع إيران من تعزيز وجودها العسكري في سوريا، حيث تُقدِّم طهران وحليفها حزب الله دعماً حيوياً لنظام بشار الأسد.
وهدَّدت إيران بالرد على إسرائيل، التي تستعد لصدامٍ أوسع مع طهران. وقد تؤدي مواجهةٌ ممتدة بين الخصمين الشرق أوسطيين إلى خلق ديناميةٍ جديدة خطيرة بسوريا، في الوقت الذي يتطلَّع فيه ترمب إلى سحب القوات الأميركية من الصراع المعقد الذي لا يُظهِر أي إشارات على نهايةٍ قريبة مقبلة.
ويشعر بعض المسؤولين الأميركيين بالقلق من أنَّ معركةً أوسع بين إسرائيل وإيران في سوريا قد تؤدي إلى إطلاق صراعاتٍ جديدة تضم لبنان وإسرائيل.
إذ تُعكِّر المنطقة أجواءٌ سامة من التحالفات المتصارعة تُحيط بالحرب في سوريا. فإيران وحزب الله وروسيا يساعدون الأسد لدفع المعارضة إلى حافة الهزيمة.
وأكثر من 2000 من القوات الأميركية، الذين تتمثَّل مهمتهم في هزيمة داعش، يعملون جنباً إلى جنب مع قواتٍ عربية وكردية في سوريا. وسيطرت تركيا على جزءٍ آخر من سوريا في ظل تحرك أنقرة لاحتواء الطموحات الكردية.
ووفقاً للأشخاص المطلعين على النقاشات، تحالف ترمب منذ توليه المنصب العام الماضي (2017) مع نتنياهو، مانِحاً إسرائيل دعماً استراتيجياً لجهودها الرامية إلى استهداف عمليات القوات الإيرانية في سوريا.
ويأتي الدعم الأميركي للضربة الإسرائيلية في الوقت الذي يركن فيه ترمب إلى الحلفاء، خصوصاً إسرائيل والسعودية، للاضطلاع بدورٍ أكبر.
والتخطيط الإسرائيلي للضربة بدأ قبل الهجوم على دوما
بدأت إسرائيل التخطيط للضربة قبل الهجومٍ السوري المشتبه في استخدامه الأسلحة الكيماوية والذي وقع في 7 أبريل/نيسان 2018.
وفي الوقت الذي تعهَّد ترمب فيه بضرب الأسد بسبب الهجوم الكيماوي، شنَّت إسرائيل ضربتها ضد إيران، ما أثار التكهُّنات لوهلة بأنَّ الولايات المتحدة هي الجهة التي نفَّذت الضربة الجوية في 9 أبريل/نيسان 2018. تبع ذلك هجومٌ على منشآت الأسلحة الكيماوية من جانب الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في 14 أبريل/نيسان 2018.
ولكن الأمر يبدو أنه ليس كذلك؛ إذ يعتبر نتنياهو وجود قواعد عسكرية إيرانية دائمة في سوريا "خطاً أحمر". وتشعر إسرائيل والولايات المتحدة بالقلق حيال احتمال استخدام إيران سوريا لمهاجمة إسرائيل، وإقامة طريق إمداد بالأسلحة يمتد من طهران حتى لبنان.
ووفقاً لمسؤولين استخباراتيين مطلعين على المسألة، تنقل إيران الأسلحة إلى قاعدة حميميم الجوية، وهي قاعدة روسية تخضع لحمايةٍ شديدة على ساحل البحر المتوسط.
وقال هؤلاء المسؤولون إنَّ إيران أعادت أيضاً ترسيخ وجودها في مطار دمشق الدولي بعد ضربةٍ جوية في عام 2015، ويُستخدَم المطار أيضاً الآن كقاعدة لفيلق القدس الإيراني، الذي بنى أنفاق تخزين تحت الأرض لحماية الأسلحة.
لأنها تعرف أن إيران تقترب وأن حزب الله يحشد السلاح
"إنَّه أخطر تأسيس لمواقع عسكرية إيرانية قرب الحدود الإسرائيلية، أخطر مما شهده الإسرائيليون في أي وقتٍ مضى"، حسب جيمس سورين الرئيس التنفيذي لشركة بيكوم، وهي مؤسسة بحثية مقرها المملكة المتحدة.
فوفقاً للمسؤولين الاستخباراتيين، تعمل إيران إجمالاً الآن انطلاقاً من 5 مطارات في سوريا، من بينها حلب ودير الزور وتيفور ودمشق وصيقال الواقع جنوب العاصمة. وقال المسؤولون إنَّ طائرات النقل التابعة للجيش الإيراني تجلب في كلٍ من هذه المطارات أسلحةً لحزب الله، أو صواريخ وطائرات دون طيار خصيصاً للقوات الإيرانية.
لكن واشنطن تخشي أن تنتهي مع إيران باستهداف جنودها في كل المنطقة
رفضت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مراراً مقترحاتٍ بأن تُحوِّل طائراتها في سوريا التركيز من هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) إلى التصدي لإيران. ويشعر مسؤولو البنتاغون بالقلق من أنَّ طهران ستستهدف القوات الأميركية في أنحاء المنطقة إن تصدَّت الولايات المتحدة للقوات الإيرانية في سوريا مباشرةً.
لكنَّ القوات الأميركية في سوريا لم تستطع دوماً تجنُّب المواجهات مع إيران. ففي العام الماضي (2017)، أسقطت الطائرات الحربية الأميركية طائرتين دون طيار إيرانيتي الصنع كان يُنظَر إليهما كتهديد.
ويبدو أن إسرائيل تحاول أن تضع خطوطها الحمراء الخاصة في سوريا في حال انسحبت الولايات المتحدة منها حسب دوري غولد، المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية ورئيس مركز القدس للشؤون العامة.
ولكن، يبدو أنها تغير في سبيل ذلك قواعد اللعبة تدريجيا؛ إذ إنها لم تبلغ روسيا مسبقاً العملية، كما كان متبعاً في حالات سابقة، وهو ما أغضب الأخيرة.