تبقى الأنباء متضاربة حول الحالة الصحية لقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر.
فبين تسريبات إعلامية محلية ودولية، تؤكد تدهور حالته الصحية بعد تعرضه إلى جلطة دماغية نقل في إثرها إلى الأردن، ومنه مباشرة إلى باريس، وبين نفي رسمي وتكذيب من القيادة العامة للجيش، وتحديداً على لسان مدير المكتب الإعلامي بالقيادة العامة للجيش الوطني الليبي خليفة العبيدي، والناطق باسم البرلمان الليبي عبدالله بليحق تباعاً، لا يزال المشهد ضبابياً.
لا صحة للاخبار المتداولة حول الوضع الصحي لسيادة القائد العام المشير اركان حرب خليفة بالقاسم حفتر وهو بحالة صحية ممتازة ويتابع في عمل القيادة العامة وغرف العمليات والمناطق العسكرية وخاصة المستجدات في غرفة عمليات عمر المختار
— الناطق الرسمي (@lnaspox_ar) April 10, 2018
تضارب الأنباء هذا لم يمنع الرأي العام في ليبيا، والمهتمين من خارجها من طرح العديد من التساؤلات عن شكل السيناريوهات القادمة في المشهد السياسي والعسكري الليبي، في حال رحل عنه واحد من أهم الفاعلين السياسيين والعسكريين المشير خليفة حفتر، الذي يراه كثيرون العقبةَ الأكبر أمام الاتفاق السياسي الليبي بعد حوار الصخيرات قبل أكثر من عامين.
فبعد 3 سنوات من القتال الطاحن في ليبيا، وبمساعدة من حلفاء أجانب، بات الجنرال الليبي اللواء خليفة حفتر يسيطر على معظم شرقي ليبيا، وأصبح الشخصية الأقوى -وإن كانت استقطابية- في المشهد الليبي المُفتَّت.
لكنَّ صعود اللواء حفتر أصبح مهدداً الآن، بعد الأخبار التي تفيد بأنَّ الجنرال صاحب الـ75 عاماً نُقِل جواً إلى مستشفى بباريس، حيث أفادت وسائل الإعلام الفرنسية أنَّه يتلقّى العلاج جرَّاء إصابته بسكتة دماغية. وبعد نفيٍ في البداية، اعترف مساعدوه سراً، أمس الخميس، بأنَّه خضع لعلاجٍ طبي طارئ. لكنَّهم لم يُقدِّموا تفاصيل عن حالته أو مكان وجوده، وفقاً لما ذكرته New York Times.
عدم استقرار محتمل
وزير الخارجية السابق بحكومة الإنقاذ، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة طرابلس عبدالحميد النعمي، قال لـ "عربي بوست"، إنه لو تأكدت أخبار تدهور الحالة الصحية أو الوفاة، فستمرُّ المنطقة الشرقية بمرحلة عدم استقرار، وستجد قياداتها صعوبة في الاتفاق على شخصية أخرى من حيث الدور السياسي، أو حتى إيجاد شخصية أخرى تقوم بدور حفتر في قيادة الجيش.
وتوقع أن حلَّ المشكلة لن يكون سريعاً في حال وفاة حفتر، لأن الانقسامات -كما يؤكد النعمي- موجودة بالفعل بين مجموعات قبلية ومجموعات تنتمي إلى التيار الفيدرالي، وأخرى تنتمي إلى تيار ديني، بالإضافة إلى مجموعات في المنطقة الجنوبية، ومجموعات محسوبة على المعارضة في دول الجوار "الوضع معقد جداً".
ومنذ العام الماضي، استخدم حفتر مهاراته لمدِّ نفوذه إلى صحاري جنوبي ليبيا، وهي منطقة شاسعة فوضوية إلى حدٍّ كبير، وكوَّن فيها عدداً من التحالفات القَبَلية، وهي المنطقة التي أصبحت في السنوات الأخيرة أيضاً محطَّ الاهتمام الرئيس لجهود مكافحة الإرهاب الأميركية.
النعمي الذي يعتبر رحيل حفتر عن المشهد فرصةً لبعض الأطراف، خاصة المحسوبين على القبائل الصغيرة في المنطقة الشرقية لاستعادة زمام المبادرة، كي يكون لهم دور أكبر في إدارة شؤون المنطقة في المرحلة القادمة، يستبعد الحل العسكري في درنة، في ظل وضع حفتر الغامض وتجاوزه في الوقت الحاضر وإعطاء فرصة للبحث عن حلول أخرى.
وبالنسبة لسكان بنغازي، فإنَّ شكواهم هي أنَّ المسلحين المتدينين الذين ساعدوه في السيطرة على بنغازي يمارسون الآن نفوذاً كبيراً في الحياة اليومية بالمدينة.
وفي العام الماضي، سيطر دعاة متشددون على العديد من المساجد، وألغى مسؤولون محافظون حفلاتٍ موسيقية، وحاولوا منع النساء من السفر دون محرم.
قال نسيم عميش (25 عاماً)، وهو مسؤول تنمية: "الأمر أشبه بصفقة مع الشيطان. إنَّهم يسيطرون على المساجد حتى يبسطوا سلطتهم. لكنَّ ذلك قد يضل السبيل ويُسبِّب مشكلات".
وذكر أن ابتعاد حفتر عن المشهد سيُسهم في تخفيف التوتر في المنطقة الغربية، الواقعة تحت سيطرة حكومة التوافق الوطني، بعد تهديد حفتر المستمر باقتحام العاصمة طرابلس، واضعاً فرضية أن يصبح الأمر محفزاً لبعض الكتائب الصغيرة للقيام بحركات غير محسوبة، مثل ما حدث طوال السنة الماضية، حينما تسبَّبت مجموعات مسلحة محسوبة على حفتر، في بعض المواجهات في المنطقة الغربية، كما يقول النعمي.
ماذا بعد غياب المشير؟
القراءة السابقة يختلف مع جلها الكاتب والمحلل السياسي فرج العشة، الذي قال لـ"عربي بوست"، إنه بغضِّ النظر عن صحة هذه الأخبار من عدمها، فإنها أثارت تساؤلات وجدلاً عاماً في الشارع الليبي، حول ماذا لو توفي الجنرال حفتر؟ من قد يخلفه؟
العشة تساءل إذا ما كان سيظل مشروع حفتر العسكري، عملية الكرامة، مستمراً في سياقه المحدد في القضاء على الإرهاب ومجابهة الإسلام السياسي؟ أم سيُحدث غيابه فراغاً في القيادة بالنظر إلى شخصية حفتر الكاريزمية القوية، وعلاقاته الوثيقة بحلفائه الإقليميين في مصر والإمارات تحديداً؟ حسب رأيه.
وأوضح لـ"عربي بوست" أن مشروع "عملية الكرامة" لن يكون بعد غياب حفتر كما هو عليه في عهده، فهو مشروع "مشخصن فيه من مؤيديه وخصومه على السواء". مؤيدوه وضعوه في صورة "القائد المنقذ"، بينما خصومه الإسلاميون شيطنوه في صورة "قذافي جديد"، ويعتقدون أن غيابه سوف يُعجِّل بتحقيق توافق سياسي جامع بين الليبيين.
العشة يرى أن حفتر يتمتع بتأييد طاغٍ في المنطقة الشرقية، وكذلك في المنطقة الجنوبية ومعظم المنطقة الغربية، لقيادته بشخصه وبمشروعه في توحيد المؤسسة العسكرية، لذلك فإن غيابه قد يزعزع استمرارية مشروع توحيد المؤسسة العسكرية، لا سيما إذا ما تفجَّرت الخلافات بين القيادات العسكرية على أحقية خلافته.
لكن العشة يرى في نهاية الأمر بوصفه يقيم بالمنطقة الشرقية "مدينة البيضاء"، أن غياب حفتر لن يفجِّر احتراباً عسكرياً شائكاً ذا طبيعة قبلية أو مناطقية، وذلك لـ"تماسك النسيج القبلي في برقة على مرِّ التاريخ"، مضيفاً أنه يتم التوصل إلى قيادة جديدة معتمدة من مجلس النواب في طبرق، ولن يُقبل مطلقاً بعودة الإسلام السياسي للهيمنة على برقة من جديد.
ويُقدِّم اللواء حفتر نفسه للغرب باعتباره محارباً راسخاً ضد الإسلام السياسي، على شاكلة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. لكنَّ المُنتقدين يقولون إنَّ نهجه يُعزِّز أعداءه عن طريق دفع الإسلاميين المعتدلين والمتطرفين للتعاون معاً.
مرحلة أكثر تعقيداً
الكاتب والباحث نزار أكريكش من جهته، وصف المرحلة بالضبابية في حديثه لـ"عربي بوست"، قائلاً إن الكل في إقليم برقة بدأ يشعر بأن تشققات الإقليم وصلت تحت قدميه، لذا ستكون هناك رغبة في عدم اشتعال الحرب في المنطقة الشرقية، لذا سيكون المحدد هو "حجم التناقضات التي تركها حفتر".
أكريكش يرى أن مجرد تدهور حالة حفتر الصحية سيزيد من تردد القوى الدولية في دعمه، مما سيربك المشهد في الشرق الليبي على وجه التحديد، مرجحاً محاولة المجتمع الدولي، وقيادات برقة إلى تفعيل الاتفاق السياسي، رغم سعي الجهات الرسمية في لملمة الأوضاع في ظلِّ نسيج اجتماعي مهلهل، سيكون له تأثير كبير في التوجهات السياسية.
وارتبط اللواء حفتر معظم حياته بالولايات المتحدة، وفي أواخر الثمانينيات، قاد حفتر، باعتباره مسؤولاً كبيراً في الجيش الليبي يعيش بالمنفى في تشاد، جهوداً تدعمها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للإطاحة بالعقيد القذافي.
فشل المخطط، وانتهى الأمر باللواء حفتر في ضواحي ولاية فرجينيا الأميركية، حيث عاش لعقدين من الزمن، وفي نهاية المطاف أصبح مواطناً أميركياً مُتجنِّساً.
لكن بعد أن عاد إلى ليبيا في 2011 بطموحاتٍ متهورة للاستيلاء على السلطة، نأى المسؤولون الأميركيون بأنفسهم عنه.
وفي العام 2015، دعمت السياسة الأميركية الحكومة المُنافِسة لحفتر، والمدعومة أيضاً من الأمم المتحدة في طرابلس، ومعروفة بأنَّها "إدارة ضعيفة وتسيطر بالكاد على حيٍّ واحد في العاصمة، لكنَّها تظل تُمثِّل الأمل بالنسبة للغرب، من أجل إيجاد حلٍّ سياسي في ليبيا"، بحسب قول الصحيفة الأميركية.
الأمر ذاته الذي يؤكده بشكل أو بآخر الأستاذ الجامعي عبدالحميد النعمي، في ختام حديثه لـ"عربي بوست"، إذ يرى أن المشهد بشكل عام لن يبقى كما هو عليه، في ظلِّ صعوبة إيجاد شخصية جديدة تقوم بدور حفتر العسكري والسياسي.
لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن فرصة أكبر ستتاح للتوصل إلى تفاهمات بين المجلس الأعلى للدولة في طرابلس والبرلمان الليبي في طبرق، والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، للوصول إلى حلٍّ من أجل اعتماد الاتفاق السياسي، باعتبار أن العقبة الرئيسية في الاتفاق السياسي "المادة الثامنة"، انزاحت من طريق المتحاورين في الصخيرات.