صباح ربيعي دافئ ألقى بتحيته على أهل دمشق، وذكرهم أن اليوم عطلة.
شرب أبناء "الشام" قهوتهم الصباحية، وتوجهوا إلى صلاة الجمعة. قاموا بالزيارات العائلية المعتادة، واشتروا بعض الأشياء وعادوا إلى بيوتهم، في ظهيرة يوم ربيعي عادي من أيام دمشق.
ثمة حركة بسيطة في الشوارع من المصلين في محيط المساجد، وما عدا ذلك تعيش العاصمة يوم إجازة عادي لا يختلف عن غيره من الأيام.
لكن لا شيء مميزاً في صباح دمشق اليوم، 13 أبريل/نيسان 2018، وبينما تقرع طبول الحرب في واشنطن ولندن وموسكو، وحتى بيروت، تستمر الحياة عادية هنا.
ريم الحمصي، ربة المنزل المقيمة في منطقة المزة بدمشق، تستبعد ضربة أمريكية للمدينة. ريم لم تتخذ أي تدبير مسبق لا هي ولا عائلتها في حال تعرضت البلاد لحدث جلل "لا قدر الله"، حسب تعبيرها. "لكنني أستبعد الأمر، وقد تكون ضربة شكلية، لأن تحالف دمشق وموسكو وطهران موجود في المشهد".
ومثلها يفكر معظم أهالي دمشق.
يستبعدون الضربة بسبب تحالفات دمشق
ببرود ولا مبالاة، تلقى سكان دمشق خبر تهديد الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بتوجيه ضربة رداً على هجوم دوما. فسنوات الحرب الصعبة أفقدتهم عنصر الخوف المسبق، كما أن بلادهم تعرضت لتهديدات أميركية وغير أميركية مرات عدة. مرت جميعها بسلام، باستثناء بعض الأحداث المتفرقة التي لم تؤثر على سير الحياة في البلاد ولا على حسم المعركة.
ناجي حسين، المحاسب في إحدى الشركات الخاصة، إن الحياة ما زالت طبيعية بدمشق ولم يلمس أيَّ تغيُّر في يوميات الناس. العمل بشركته مستمر لم يطرأ عليه أي تعديل، ويقول: "تأقلمنا على الصدمات". واعتبر أن السوريين بعد كل هذه السنوات من الحرب تعايشوا مع كل ما تمر به بلادهم من ظروف صعبة.
يركزون على بحثهم عن المخطوفين والنازحين
وفي دمشق تتصرف الجمعيات الأهلية وكأنها لم تسمع بالتهديد الأمريكي.
رجاء الحكيم، وهي ناشطة في عدة جمعيات، قالت لـ "عربي بوست" إن غالبية الجمعيات لا تركز على هذا التهديد؛ لأن جميع الجهود منصبَّة على مساعدة أهالي الغوطة الموجودين في مراكز الإيواء، وأمام حجم العمل الكبير لا وقت لهم للالتفات للتحليلات السياسية.
وتختم: "للأسف، كلما ظننا أن الحرب كادت تنتهي تظهر أزمة جديدة".
ويتحدث قائلاً إن كل سوري يملك همه الخاص وظروفه، على حد تعبير صحفي، فضل عدم ذكر اسمه، وهو يعتبر أن "ملف المفقودين أكثر إلحاحاً وأهمية، الكثيرون مهتمون إما باستقبال من عاد لهم بعد سنوات من الخطف وإما بمتابعة البحث عمن بقي مفقوداً".
البعض يسخر من التهديد الأمريكي ويقدم عروضاً ساخرة
رغم أن يوميات السوريين لم تتأثر بتهديدات الضربة، فإن متابعتهم زادت لنشرات الأخبار ولما يمكن أن يغرده ترامب على "تويتر"، أو ما قد تنشره محطة ما عبر شريطها العاجل.
وفي الوقت نفسه، زاد نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتلونت كتاباتهم بلغة السخرية من القرار الأميركي؛ بل والتحدي.
نشر أحدهم على سبيل المثال: "بالتزامن مع الضربة، قررت عدة محلات ومطاعم تقديم عروض تشجيعية لزيادة مبيعاتها". واستمر في سخريته، بالحديث عن مدرّس قرر تقديم دروس خصوصية مكثفة بأسعار تناسب الجميع. العروض نفسها قدمها مغسل للسيارات، وشركات الاتصالات التي طرحت باقة اسمها "الضربة الاميركية الغاشمة"، وغيرها من العروض الساخرة.
تسربت انباء عن نية المئوص ترامب توجيه ضربة عسكرية لسوريا والشعب في حالة من الهيجان تارتن والترقب تارتن اخرا .. لكن…
Gepostet von Ebtisam Almasri am Donnerstag, 12. April 2018
وسخرت مغردة على تويتر من توقيت الضربة، قائلة: "حدَّد المجنون #ترامب الضربة الأميركية الساعة 2 ليلاً، طيب بكِّر شوي؛ معقول تضربنا ونحنا نايمين.. خليك كووول وكيوت يا طرمب".
حدد المجنون #ترامب
الضربه الاميركية الساعة 2بالليل…
طيب بكر شوي معقول تضربنا ونحنا نايمين خليك كووول و كيوت يا طرمب pic.twitter.com/JTCi0pdRbw— Sandy Al (@Zhpogfdd90mph) April 12, 2018
وعلّق الإعلامي حسين مرتضى على "تويتر": "تم تحديد الضربة العسكرية الأميركية على سوريا يوم الجمعة بعد الصلاة للرجال، ويوم السبت بعد الظهر للنساء".
#حسين_مرتضى
تم تحديد الضربة العسكرية الأميركية على سوريا يوم الجمعة بعد الصلاة للرجال
ويوم السبت بعد الظهر للنساء— #حسين_مرتضى (@HoseinMortada) April 11, 2018
ونشر آخرُ صورةً سخر فيها من موعد الضربة أيضاً، مستخدماً صوراً لمستر "بِين" وهو ينتظر دون أمل، حتى قرر النوم.
بانتظار الضربة الاميركية وتعلق الحرب العالمية الثالثة #هلوسات_مسائية pic.twitter.com/0MDeYrAPCw
— Ali Wehbi (@Alii_Wehbi) April 11, 2018
البعض الآخر يتمنى إصابة الأسد شخصياً
وبينما قابل سوريون الوعود الأميركية بشيء من السخرية، تلقفها آخرون بالترحاب. وقال المعارض ماهر سرجي: "نأمل أن يخلِّصنا ترمب من هذا الرئيس الفظيع، وأتمنى أن تلاحقه الصواريخ الأميركية حتى لو كان تحت الأرض".
أما أحد الناجين من هجوم دوما، والذي أطلق على نفسه اسم لطفي، فقال: "إذا ضرب الأميركيون النظام، فقد يُخيفونه لحظة، لكنهم أخبروا العالم بالفعل بأنهم مغادرون، فما هو هدف الضربة؟ نحن نعلم أنهم لا يريدون مغادرة الأسد، ونعلم أنهم لن يقاتلوا الروس. هل يريدون مقاتلة إيران؟ من المؤكد أن هذه الضربة ليست لمساعدتنا".
ولا يخافون من الأسطول الأميركي لأن الروس وحزب الله هنا
هدوء ما قبل العاصفة تخترقه بين الفينة والأخرى تحركات ميدانية على الأرض؛ يتابعها سكان دمشق من الأخبار والمواقع الإليكترونية، أو من شهود العيان.
إذ نقل شاهدا عيان تحرُّك قوافل عسكرية غرب دمشق إلى ما بعد "مزار السيدة زينب" ونحو الحدود اللبنانية صباح الخميس 12 أبريل/نيسان 2018.
تقارير أخرى ذكرت أن حزب الله أعاد التجمع غرب العاصمة، بعيداً عن القواعد العسكرية الجوية، التي من المتوقع أن تتحمل وطأة أي ضربة أميركية.
وأفادت وسائل إعلام إيرانية وعراقية بأنه تم نقل بعض الطائرات السورية إلى إيران؛ لتجنب أية هجمات، دون إمكانية تأكيد هذه الأنباء. لكن الافتراض المنطقي الذي يطرحه المراقبون، أن جنرالات ترمب قد ينصحونه باستهداف القواعد الجوية السورية، من حيث تم إطلاق الهجمات على دوما.
وكان خبراء مركز التحليل الأميركي "Stratfor" رجحوا القواعد الجوية السورية التي قد تشكل أهدافاً أميركية على الشكل التالي: مرج رحيل والمزة والضمير، التي يعتقد المراقبون أنها كانت مركز انطلاق طائرات الهليكوبتر المحملة بالصواريخ على دوما.
تتمركز بعض القوات الروسية في قاعدة الضمير، لكن الوجود العسكري الأكبر لها يقبع شمال غربي البلاد في قاعدة حميميم، حيث تتربص أنظمة S-400 الدفاعية، التي يعلّق عليها السوريون آمالهم. لم يتم اختبارها سابقاً في القتال، لكنها تنتظر "صواريخ ترمب الذكية والجديدة".
وقال هيثم شمس، أحد سكان ضواحي دمشق، لصحيفة The Guardian: "إيران هنا، وكذلك حزب الله، والروس لديهم صواريخ دفاع جوي قد تُسقط الصواريخ الأميركية. من هو الأقوى إذاً؟".