يحتجزونهم داخل مدارس سورية ويتخوفون من هروبهم؛ لأن النوافذ بلا قضبان. مئات المقاتلين التابعين ل تنظيم الدولة الإسلامية، "داعش" وعائلاتهم، يثيرون مخاوف كبار المسؤولين الأميركيين؛ إما من هروبهم وإما من استكمال ما بدأوا به. فوزارة الدفاع الأميركية تطالب بالمال لتأمين المعتقلات، والقرار بيد ترمب، الذي يمتنع كل يوم عن دفع دولار واحد في سوريا.
فاحتجاز مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وعائلاتهم بمعسكراتٍ مؤقتة تديرها الميليشيات الكردية في شمال سوريا- يُكلف الجيش الأميركي نحو مليون دولار أميركي. وهو الأمر الذي يشد البنتاغون أكثر داخل دوامة يحاول تجنُّب الانخراط فيها.
تنكشف هذه الأزمة مع تعهَّد الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بسحب الجنود الأميركيين المتبقين في سوريا (البالغ عددهم نحو 2000 فرد)، وتعليق 200 مليون دولار كانت مخصصة لإعادة الإعمار. يتولى الكثير من هؤلاء الجنود مسؤولية التحقيق مع أخطر المحتجزين.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية ومسؤولون أكراد إنَّ آلاف المعتقلين -من بينهم على الأقل 400 مقاتل من أكثر من 30 دولة وعائلاتهم، بالإضافة إلى مقاتلين سوريين آخرين- محتجزون في عدة معسكرات.
الجيش الأميركي يدفع ثمن تأمين المراكز ولا يؤمِّنها!
ويُستخدم التمويل الأميركي لبناء السياجات، ووضع قضبان على النوافذ، وتأمين المدارس والمباني الأخرى التي تُستخدم مؤقتاً لاحتجاز المقاتلين، الذين أُسِروا أو استسلموا العام الماضي (2017) بعد سقوط مدينة الرقة.
ويُصِرُّ المسؤولون العسكريون على أنَّ أفراد القوات الأميركية لا يساعدون في تأمين المباني أو حراسة المحتجزين بأنفسهم، لكنَّهم فقط يدفعون مقابل تلك الجهود، وفق ما ذكرته صحيفة "The New York Times".
والمنتقدون يتخوفون من انتشار التطرف والهروب
ويخشى منتقدو ترمب من أن تصبح تلك المنشآت أماكن لانتشار الفكر المتطرف؛ ومن ثم يتكرر الخطأ الأمني الجسيم الذي ارتُكِبَ في العراق. لكن دون المساعدة الأميركية، ستفتقر تلك المعسكرات إلى التأمين الكافي لمنع نجاح أي محاولات هروب تؤدي إلى إعادة تنشيط جيوب التنظيم قرب مدينة بوكمال في شرق سوريا، على الحدود مع العراق.
وقال مسؤولون من الأكراد السوريين إنَّ هذه المعسكرات تستنزف قدراتهم في مراقبة المقاتلين المحتجزين، وتستهلك ميزانياتهم لتوفير تكلفة العمليات في المواقع الستة الموجودة بمدينة الرقة وما حولها. وقال مسؤولٌ أميركي بارز إنَّ ما يصل إلى 50 أو 60 مقاتلاً يُحتَجَزون في غرفةٍ واحدة.
وصرَّح كينو غابرييل، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، عبر تطبيق واتساب، من مدينة القامشلي في سوريا: "هذه العملية مرهِقة. استجواب المعتقلين يستغرق وقتاً، وتصنيف السجناء لم يكن عمليةً سهلة. نحتاج كل أنواع الدعم من التحالف الدولي".
والحكومة الأميركية تطالب الدول بتحمُّل مسؤولية مواطنيها
يحاول الدبلوماسيون الأميركيون ومسؤولو البنتاغون، بشكل دائم، إقناع الدول باسترداد مواطنيها من مقاتلي داعش المحتجزين، لكن لم تستجب سوى قلة من الدول.
وقال منسق مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأميركية، ناثان سايلز، لصحيفة NewYork Times: "من الضروري أن تسترد تلك الدول مواطنيها، وتُقاضيهم في الوقت المناسب بما يتناسب مع جرائمهم. ندعو شركاءنا إلى تحمُّل مسؤولية مواطنيهم".
خسر تنظيم داعش تقريباً كل الأراضي التي سيطر عليها عام 2014 في العراق وسوريا. لكنَّ مسؤولي الاستخبارات الأميركيين يحذرون من أنَّ التنظيم قد تحوَّل إلى تمردٍ فتَّاك في المناطق التي كان يسيطر عليها. ما زال له نفوذٌ كبير بدعايته على الشبكات الاجتماعية وأنصارٍ في مناطق عديدة، من أوروبا وحتى الفلبين، يحثُّهم فيها على شن هجماتٍ أينما كانوا.
وتنظيم داعش الذي قيل إنه تفكك يتطور ويتكيف
جديرٌ بالذكر أنَّ فردين من القوات الخاصة؛ أحدهما أميركي والآخر بريطاني، قُتِلَا في تفجيرٍ على جانب الطريق الأسبوع الماضي في منبج بسوريا.
وكان مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية المختص بالشرق الأدنى، ديفيد كاتلر، قال إنَّ "أيديولوجية التنظيم تلقى صدىً على مستوى العالم. داعش يتطور ويتكيف".
وبخلاف المحتجزين في العراق من مدينة الموصل الشمالية ومحيطها، فإنَّ المحتجزين بالمنطقة الكردية في سوريا واقعون بمنطقةٍ قانونية مبهمة، ويواجهون مصيراً غامضاً طويل الأمد.
تُطبِّق السلطات الكردية العدالة على المحتجزين في محاكم مخصصة لذلك، لكنَّ المنطقة ما زالت جزءاً من سوريا، وسلطة الأكراد عليها غير معترفٍ بها دولياً.
مليون دولار لقوات سوريا الديمقراطية قد لا تكفي
وفي جلسة استماع أمام لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي الشهر الماضي (مارس/آذار 2018)، أثار النائب الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية، السيناتور ليندسي غراهام، مخاوفَ بشأن مسؤولية الولايات المتحدة عن خطأ احتجاز هذا العدد المتزايد من المقاتلين.
وسأل غراهام الجنرالَ جوزيف فوتيل، مسؤول القيادة المركزية التي تُشرِف على عمليات الجيش الأميركي في الشرق الأوسط: "هل تعتقد أن لدينا خطة جديرة بالثقة لاحتجاز هؤلاء المقاتلين؟".
وأجاب فوتيل: "بالفعل، لدينا خطة لاحتجازهم على الأرض". وأشار إلى جهود إعادة المحتجزين إلى بلادهم.
فسأله غراهام بعدها: "إن لم يعُد هؤلاء لبلادهم، فهل تعتقد أنَّ لدينا خطة، خطة جديرة بالثقة، لاحتجازهم في سوريا أمداً طويلاً؟".
وأجاب فوتيل: "نعمل على تطوير قدرات قوات سوريا الديمقراطية؛ لتتمكن من ذلك في الوقت الحالي". لم يُقدم أي تفاصيل، لكنَّ مسؤولاً بارزاً في الجيش الأميركي قال إنَّ البنتاغون خطَّط لإنفاق نحو مليون دولار أميركي على تطوير مراكز الاحتجاز. هذا الأمر أصبح محل شكٍ الآن؛ نظراً إلى تعهد ترامب الأسبوع الماضي، بسحب القوات الأميركية ووقف الدعم المالي.
البنتاغون يعترف علناً بمشكلة الأعداد المتزايدة
إذ قالت نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركي للشؤون الأمنية الدولية، كاثرين ويلبارغر، في فبراير/شباط 2018: "هذه ليست بالضرورة أفضل منشآت احتجاز. كانت هناك أيامٌ بعينها نشهد فيها القبض على 40 إلى 50 مقاتلاً؛ لذا هناك مشكلةٌ حقيقية فيما يتعلق بالسعة".
وزارت فرقٌ من المتخصصين من اللجنة الدولية للصليب الأحمر مواقع الاحتجاز في سوريا. ورفضت المتحدثة باسم اللجنة التعليق على ظروف الاحتجاز؛ تقيداً بسياسة المنظمة.
وقال مسؤولون أكراد إنَّ ظروف الاحتجاز في المعسكرات لا تنتهك المعايير الدولية، خاصةً بالنسبة للنساء والأطفال، وإنَّ السلطات الكردية عملت على فصل المقاتلين عن المدنيين الذين أجبرهم التنظيم على العمل في وظائف طبية أو إدارية، ويمكن أن يُطلَق سراح هؤلاء بأمان.
لكنها أدت إلى اعتقال مطلوبين بريطانيين
وتجمع قوات العمليات الخاصة الأميركية، المسؤولة عن توجيه وإرشاد ميليشيات الأكراد، البصمات والخصائص الحيوية الأخرى للمقاتلين الأجانب المشتبه فيهم (400 شخص في 3 معسكرات على الأقل بالقرب من الرقة). وتستجوب المحتجزين لتكتشف المزيد عن شبكات المقاتلين الأجانب والتهديدات التي يشكلونها في بلادهم.
وتمكَّن المسؤولون من التعرف على رجلين بريطانيَّين معروفين بمشاركتهما في احتجاز رهائن غربيين وتعذيبهم وقتلهم.
هذا الرجلان هما ألكسندا كوتي والشافعي الشيخ، اللذان كانا جزءاً من مجموعةٍ من 4 مقاتلين معروفة باسم "البيتلز"؛ بسبب لكنتهم الإنكليزية. ولم يكن متبقياً من المجموعة خارج الأَسر سوى كوتي والشيخ.
كي لا يتكرر سيناريو بوكا وأبوغريب
ويرى المسؤولون العسكريون الأميركيون ومناصرو حقوق الإنسان تشابهاتٍ بين مسألة الاحتجاز الراهنة في سوريا وحرب العراق.
العديد من المقاتلين، من بينهم أبو بكر البغدادي، كانوا محتجزين سنواتٍ في معسكر بوكا. وهو مركز احتجاز أميركي مترامي الأطراف في جنوب العراق، حيثُ أصبح هؤلاء المقاتلون أكثر تطرفاً.
ويشدد المسؤولون العسكريون على ضرورة تأمين مراكز الاحتجاز المؤقتة؛ لمنع أي محاولات هروب، مثل المحاولة الناجحة التي نفذتها حفنة من مقاتلي التنظيم في فبراير/شباط 2018.
جديرٌ بالذكر أنَّ سلسلةً من محاولات الهروب الجريئة غير المألوفة من السجون العراقية، منذ بضع سنوات، حرَّرت مئاتٍ من المقاتلين المخضرمين، وهم الآن قادة وجنود في تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة التي تقاتل في سوريا والعراق.
حتى إنَّ تلك المجموعة أطلقت اسماً على استراتيجية تهريب المقاتلين من السجن: عملية "هدم الأسوار". استغرقت تلك العملية 12 شهراً من يوليو/تموز 2012 وحتى يوليو/تموز 2013، الذي شهد الهروب الكبير من سجن أبو غريب ببغداد.
ويقول مسؤولون أميركيون وغربيون إنَّ نحو 40 ألف مقاتل من 120 دولة انضموا إلى المعارك في سوريا والعراق خلال السنوات الأربع الماضية. وبينما سقط الآلاف منهم بساحة المعركة، رحل عدد أكبر للمشاركة في المعارك بليبيا واليمن والفلبين، أو للاختباء في دولٍ مثل تركيا.