أعلن وزير خارجية السودان، إبراهيم غندور، فجر الجمعة 6 أبريل/نيسان 2018 فشل التوصل إلى توافق بشأن قرار مشترك بين دول السودان وإثيوبيا ومصر حول سد النهضة الإثيوبي.
جاء ذلك في تصريحات صحفية، لوزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور عقب نهاية مباحثات الاجتماع الثلاثي لمصر وإثيوبيا والسودان، حول سد النهضة.
وانطلقت الاجتماعات صباح الخميس، واستمرت لنحو 16 ساعة، حتى الساعات الأولى من صباح الجمعة.
وأوضح غندور أن الاجتماعات شارك فيها وزراء الخارجية، والري ومدراء المخابرات للبلدان الثلاثة، وقيادات هندسة.
وقال الوزير "جلسنا وناقشنا كثيراً من القضايا، لكن في النهاية لم نستطع الوصول لتوافق للخروج بقرار مشترك"، مستطرداً "فهذا هو حال القضايا الخلافية تحتاج لصبر وإرادة"
في الوقت ذاته أشار غندور أن "النقاش كان بناء وتفصيلياً ومهماً".
وأردف "تركنا القضايا لوزراء الري والجهات الفنية، ومتى ما رأت أن نلتئم كسياسين وأجهزة مخابرات سنجتمع، ونحن نعمل بناء على توجيهات من رؤساء الدول الثلاث".
ولفت غندور أنه لم يتم تحديد موعد لجولة أخرى للتفاوض، مضيفاً "سيتم تحديد ذلك لاحقاً"
ليس هناك نتائج يمكن الإعلان عنها
وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أكد أيضاً في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء المصرية الرسمية إن مشاورات سد النهضة لم تسفر عن مسار محدد ولم تؤت بنتائج محددة يمكن الإعلان عنها.
وأضاف أنه "تم بحث كل الموضوعات العالقة وكيفية تنفيذ التعليمات الصادرة عن زعماء الدول الثلاث، فيما يتعلق بإيجاد وسيلة للخروج من التعثر الذي انتاب المسار الفني في المفاوضات من خلال مشاورات وزراء ثلاثة في ثلاثة والتي تضم وزراء الخارجية والري ومديري أجهزة المخابرات".
وأوضح أنه "تم تناول جميع القضايا التي ربما أدت إلى هذا التعثر، وأيضاً إلى الأطروحات المختلفة التي قد تقودنا إلى مسار وخارطة طريق للتعامل مع هذه القضايا والخروج مما انتابها من توقف لهذه المفاوضات".
وأكد أن "المشاورات كانت شفافة وصريحة، وتناولت كافة الموضوعات ولكن لم تسفر عن مسار محدد ولم تؤت بنتائج محددة يمكن الإعلان عنها".
وتابع: "نسعى للانتهاء من هذا الأمر خلال مدة 30 يوماً، بدأت اعتباراً من 5 أبريل/نيسان الجاري وحتى 5 مايو/أيار المقبل للامتثال لتعليمات الزعماء لإيجاد وسيلة لكسر الجمود خلال هذه الفترة".
وكان من المقرر أن يبدأ الاجتماع الثلاثي، الأربعاء، حسب الخارجية السودانية، التي لم يصدر عنها أي توضيح حول تأخرها ليوم كامل.
والأربعاء وصل الخرطوم، وزيرا الخارجية المصري سامح شكري، والإثيوبي ورقيني قيبيو، للمشاركة بالاجتماع الثلاثي؛ بحضور وزراء الري ومدراء المخابرات في البلدان الثلاثة.
ويعتبر هذا الاجتماع الفني الأول، منذ إعلان القاهرة تجميد مفاوضات سد النهضة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، لرفضها تعديلات أديس أبابا والخرطوم، على دراسات المكتب الاستشاري الفرنسي حول أعمال ملء السد وتشغيله، التي تقرها مصر، دون تفاصيل عن فحواها.
والثلاثاء الماضي، أعلنت وزارة الخارجية المصرية، تمسكها بضرورة إتمام الدراسات الفنية بسد "النهضة"، لضمان تجنب أية آثار سلبية محتملة عــلـى دولتي المصب مصر والسودان.
ماذا تريد مصر؟
ثلاثة جلسات متتالية اتفقت الوفود على عقدها لتنظيم عملية التفاوض، بدأت الجلسة الأولى صباح الخميس بإحدى فنادق الخرطوم، عرض فيها كل وفد رؤية بلاده لألية استكمال الدراسات الفنية ومقترحات لتجاوز الخلاف على بعض البنود في التقرير الإستهلالي الذي قدمه المكتبيين الاستشاري بشكل يؤدي للتوافق على مرجعية عمل الدراسات ويضمن دقة نتائجها، والتي من المنتظر أن يتم وفقاً لها الاتفاق على سياسات التخزين والتشغيل وفقاً للبند الخامس في اتفاق إعلان المبادئ الذي وقعه الرؤساء في مارس 2015.
ويبدو أن الوفد المصري لم يحمل معه أوراق ضغط وتفاوض جديدة، فقال مصدر بالوفد المصري، في اتصال من الخرطوم عقب الجلسة الأولى، "الرؤية المصرية المقدمة تحمل عدداً من التفاصيل والنقاط الجديدة، لكنها تتضمن نفس البنود السابقة التي يتحدد عليها الموقف المصري".
يوضح المصدر لـ "عربي بوست" إن الموقف المصري ملتزم تماماً ببنود العقد الموقع مع المكاتب الاستشارية لاتمام الدراسات، وكذلك مراجع الإسناد والسيناريو الذي يبنى على أساسه الدراسات، إذ نص العقد صراحة على أن السيناريو المرجعي والذي سيتم تقييم الضرر وفقاً له هو النظام المائي الحالي للنيل الشرقي دون سد النهضة، وقواعد التشغيل الحالية للسدود متضمنة السد العالي، وهو ما ارتضت به القاهرة فنياً، رغم أنه لا يكفل كافة الحقوق المصرية كلياً، لكن كانت الموافقة على أساس أن الدراسات المنطلقة من هذه الافتراضات كانت ستعطي نتائج واضحة عن مدى الضرر الذي يمكن أن تتعرض له مصر جراء انشاء السد.
واستمرت هذه الافتراضات حتى انتهت المكاتب الاستشارية من تقديم التقرير الاستهلالي للدراسات إلى اللجنة الفنية الثلاثية الوطنية، وهو ما وافقت عليه القاهرة في منذ الاجتماعات الأولى للجنة الفنية الثلاثية مع المكاتب الاستشارية، إلا أن التعديلات التي طلب الجانبيين الإثيوبي والسوداني إدخالها على التقرير كانت ستفرغ الدراسات من مضمونها".
وتتمثل البنود التي يحاول الوفد المصري التأكيد عليها في الرؤية المقدمة في الاجتماعات في أن تخرج الدراسات بنتائج واضحة عن تأثيرات السد السلبية على الأمن المائي المصري، خصوصاً معدلات تدفّق المياه إلى بحيرة السد العالي، وتأثيره على نسب الملوحة في الأراضي الزراعية المصرية في الدلتا وعلى انخفاض نسب توليد الكهرباء في السد العالي.
ويضيف المصدر: "مصر لا تزال ملتزمة بمسار الدراسات الفنية وتحاول الضغط من خلال المشاركة السياسية والأمنية في المفاوضات بإيجاد ضمانات من أجل الضغط بانجاز الدراسات في توقيت سريع ومحدد دون أي مرواغات جديدة".
وتأتي هذه الجولة من المفاوضات في توقيت سيء يجعل الأمور ضد مصالح القاهرة ، حيث أن كافة التقارير الواردة من موقع السد تفيد أن نسب الإنجاز في السد وصلت إلى المرحلة التي تتطلب بداية التخزين مع موسم الفيضان المقبل المنتظر أن يبدأ في يوليو، في وقت أثبت فيه المفاوضات مراوغة الجانب الإثيوبي والسوداني كذلك في التوقيت لحين التوصل إلى مكاسب على أرض الواقع.
إثيوبيا وأوراق ضغط أقوى
على الجانب الإثيوبي، ركز الوفد المفاوض على الخروج بمكتسبات من الإجتماع فرغم تركيز أجندة الاجتماع، وفقاً لمصادر مصرية، على اعتماد التقرير الاستهلالي والدفع بالدراسات الفنية وتجاوز الخلافات الفنية، إلا أن الوفد الإثيوبي أبلغ الحاضرين في الجلسة الأولى، بأن عملية البناء في السد تتطلب ضرورة اعتماد المرحلة الأولى من عملية التخزين عند مستوى محدد في بحيرة السد، محاولين التأكيد على أن هذه المرحلة لن يكون لها تأثير يذكر على استخدامات المياه في كلاً من مصر والسودان.
وقال مسئول إثيوبي في تصريحات خاصة لـ "عربي بوست"، أن بلاده أكدت رسمياً أكثر من مرة أن التخزين في السد عملية متكاملة مع معدلات البناء، وأن هناك تعهدات أمام الشعب الإثيوبي بعدم تعطيل البناء أو التخزين لأي أسباب خارجية- في إشارة إلى انتظار نتائج المفاوضات-.
وأوضح المسئول :"الخطة الإثيوبية المعلنة حتى الآن تتضمن عدة سيناريوهات للملئ تتوافق مع معدلات الأمطار وايرادات النهر في مواسم الفيضان والجفاف"، إلا أن مصادر مصرية أكدت أن ارسال اثيوبيا للخطة لم يكن بطريقة رسمية فضلاً عن أنها معلومات عامة ولا تتضمن جدول زمني محدد بمستويات محددة لملئ بحيرة التخزين، لذلك لم تعلق عليها مصر أو ترد عليها رسمياً.
ووفقاً للبند الخامس في اتفاق إعلان المبادئ الخاص بالتعاون فى الملء الأول وإدارة السد ، فإن الدول الثلاثة تستخدم بروح التعاون، المخرجات النهائية للدراسات المشتركة الموصى بها فى تقرير لجنة الخبراء الدولية والمتفق عليها من جانب اللجنة الثلاثية للخبراء، بغرض الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة والتى ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازى مع عملية بناء السد، وكذلك الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوى لسد النهضة، والتى يجوز لمالك السد ضبطها من وقت لآخر.
ورغم حالة التفاؤل الي حاول الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، طمأنة الرأي العام المصري بها، عقب اجتماع القمة الثلاثي الذي انعقد في يناير قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية، وتأكيده بأنه " لن يحدث أي ضرر لمواطني أية دولة من الدول الثلاث فيما يتعلق بقضية المياه"، وتصريحه الشهير بأنه "لم تكن هناك أزمة من الأساس"، إلا أن أجواء المفاوضات لم تبدو مطمأنة لأغلب المشاركين في الوفد المصري، خاصة مع استمرار الخلاف في وجهات النظر وتمسك الجانب الإثيوبي بمكتسبات وأوراق ضغط كثيرة في مقدمتها نسب البناء المتقدمة في موقع السد والتي تجعل بداية التخزين أمر واقع أمام القاهرة.
إثيوبيا تحتفل بالذكرى السابعة لانطلاقة السد
وقبل انعقاد الاجتماع الثلاثي بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان) بدأت أديس أبابا احتفالاتها بالذكرى السابعة لوضع حجر الأساس في مشروع سد النهضة على منابع نهر النيل، تخللها حملة في أنحاء الدولة لحث المواطنين على التبرع لاستكمال بناء السد.
ويتكلف مشروع سد النهضة 5 مليارات دولار أميركي، ويهدف إلى توليد 6450 ميغاواط من الطاقة الكهرومائية عبر 16 توربيناً.
ويترقب الإثيوبيون بداية العمل الفعلي في السد، الذي تم الانتهاء من 63% من إنشاءاته، بحسب تصريحات الحكومة الإثيوبية ومكتب تنسيق سد النهضة الإثيوبي، ومن المتوقع أن يبدأ في توليد الطاقة خلال العام الجاري.
ولم يبدأ حتى الآن عملية تخزين المياه في البحيرة خلف السد، وحسب تصريح وزير المياه الإثيوبي، فستبدأ هذه الخطوة بعد الانتهاء من أعمال البناء وعلى مدى عدة سنوات. وهو ما يعني أن تبدأ عملية التخزين، في الفترة من شهر يونيو/حزيران إلى أكتوبر/تشرين الأول، أي موسم الخريف وهطول الأمطار على الهضبة الإثيوبية.
وفي يناير/كانون الأول الماضي، عقد الرئيسان السوداني عمر البشير، والمصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي السابـق، هايلي مريام ديسالين، قمة حول أزمـــة سد النهضة الإثيوبي، تمخضت عـــن توجيهات باستئناف المفاوضات
ودخلت مصر وإثيوبيا والسودان في مفاوضات حول بناء السد، غير أنها تعثرت مراراً جراء خلافات حول سعة تخزينه وعدد سنوات عملية ملء المياه.
وتتخوّف القاهرة من تأثير سلبي محتمل لسد "النهضة" على تدفق حصتها السنوية من نهر النيل (55.5 مليار متر مكعب) مصدر المياه الرئيسي في البلاد.
وتقول أديس أبابا، إن السد سيحقق لها منافع عديدة، خاصة في إنتاج الطاقة الكهربائية، ولن يُضر بدولتي المصب، السودان ومصر.