لا يوجد تشابه في المتفجرات المحلية الصنع إلا بقدر يسير؛ وتفكيكها يتطلب توليفة من المهارات اللوجستية – التحليل المادي للمادة المتفجرة ومكوناتها – وتفكير إبداعي من الناحية النفسية، يتضمن تحليل دوافع المفجِّر ونمط شخصيته
على بُعد أقل من ساعة من واشنطن، تنتشر داخل مبنى أسمنتي يديره مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات، أكوامٌ مرتبة من المواد المتفحمة والمثنية في أرجاء معمل آمن.
وبداخل المعمل وفق صحيفة The New York Times أدلة من مدينة أوستن بولاية تكساس، حيث أثار مارك كونديت البالغ من العمر 23 عاماً الذعر في المدينة لثلاثة أسابيع في شهر مارس/آذار حين فخخ المدينة بستة مواد متفجرة يدوية الصنع قبل أن يفجر نفسه.
وتبدو مجموعات المواد المجمعة داخل المعمل مناسبة لمدفن نفايات أكثر منها لمنشأة حكومية آمنة. ورغم أن مسؤولي إنفاذ القانون داخل المعمل لم يكونوا ليسمحوا بالتقاط صور للأدلة أو بالخوض في تفاصيلها، فإن كل قطعة كانت تخضع للفحص والاستقصاء، على أمل من التقنيين بالتوصل إلى دواخل كونديت ومن على شاكلته من أشخاص، ممن لهم -رغم قلة عددهم – تأثيرٌ كبير: أي مجموعة المفجّرين المحليين في أميركا.
وتمر الأدلة على مئات حوادث التفجير عبر معامل المكتب كل عام؛ غير أن قلة منها فقط هي ما تسترعي الانتباه. فمعظمها لا يجذب انتباه الصحافة: فهي إما لأزواج كانوا يحاولون قتل زوجاتهم بزرع قنابل بداية الصنع في سيارتهن، أو عصابات متناحرة تتقاذف المتفجرات، أو طالبٌ مشاغبٌ يقدم عرضاً على تفجير صندوق البريد.
ويقول مات فار، رئيس قسم تحليل الحمض النووي في المعمل: كل تحقيق حول مادة متفجرة يختلف عن سابقه، باختلاف المشهد والجهاز المستخدم.
طهي المتفجرات وصعوبة تفكيكها
لا يوجد تشابه في المتفجرات المحلية الصنع إلا بقدر يسير؛ وتفكيكها يتطلب توليفة من المهارات اللوجستية – التحليل المادي للمادة المتفجرة ومكوناتها – وتفكير إبداعي من الناحية النفسية، يتضمن تحليل دوافع المفجِّر ونمط شخصيته. ويزيد العصر الرقمي الذي نعيش فيه من سهولة إجراء التجارب باستخدام الأجهزة بدائية الصنع، وفق صحيفة The New York Times.
وقال دوج كلابيك – رئيس قسم الحرائق الجنائية والمتفجرات في بيلتسفيل: "ثمة الكثير من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت الآن، بخلاف ما جرت عليه العادة قديماً من أن الناس لا بد أن يتوجهوا إلى المكتبة ويطلعوا على كتاب Anarchist Cookbook.
وفي عصر ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، باتت جميع عمليات التفجير مرتبطةً تقريباً بالتطرف والتشدد الذي يتولى مكتب التحقيقات الفيدرالي التحقيق فيه. وترسل الأدلة على تلك الحالات إلى معمل بيلتسفيل، أو أحد المعامل المشابهة، في أتلانتا ووالنوت كريك في ولاية كاليفورنيا.
ومنذ 1886، بدأ قسم المعامل في مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات ينتشر في تلك المدن الثلاثة. ويتضمن موظفوه المحدودون كيميائيين وبيولوجيين مختصين في الطب الشرعي وعلماء يحللون أدلة كل عام من آلاف جرائم إطلاق النار والتفكير وغيرها. وفي عام 2017، ساعدت معامل المكتب في إغلاق 314 قضية تفجير.
ويقول براد جالفان، أحد العملاء السابقيين للمكتب الذي أدار وحدة المتفجرات التابعة له في سان دييغو حتى عام 2017 – عن معمل بيلتسفيل: "لا أعرف بوجود معمل تحليل قنابل أفضل منه في البلاد.
ولنقل قنبلة مبطلة المفعول – أو أجزاء منها – من موقع التفجير إلى بيلتسفيل أو أي منشأة مشابهة، يتم نقلها إلى أحد معامل المكتب. ويمكن أن تدل العينات المأخوذة، التي يجري تخزينها داخل المنشآت في مستودعات، على المشتبه بهم.
كيف يتم تفكيك الجهاز؟
وقال جالفان: "نفكك الجهاز المتفجر إلى قطع حتى نصل إلى أصغر مكوَّن له. أي شيء استخدم وتم إخراجه من الموقع نحاول التعرف عليه؛ وهذا أمرٌ يتطلب الكثير من الأيدي العاملة".
وتساعد كل قطعة – حتى الشريط اللاصق المستخدم لربط أجزاء القنبلة – في رسم صورة للمشتبه بهم. كما أن أنواع الشظايا، ونوع مواسير الكلوريد متعدد الفينيل، أو اللعاب على ظهر طابع بريد، جميعها أشياء يمكن أن تؤدي إلى الرجوع إلى لقطات التصوير الأمنية الصحيحة أو متجر المعدات الصحيح.
ويقول كلابيك حسب The New York Times: "في بعض الأحيان تكون تلك المناطق نائية لدرجة أنه لا يوجد في المنطقة بأسرها سوى مكتب واحد للشركات العقارية في المنطقة بأسرها".
وأضاف كلابيك، في أحد الحالات، عثر المحققون على المشتبه به من خلال تحليل الحمض النووي الذي خلفته صديقته على سدادة زجاجة الخمر. فقد كان قد ملأ الزجاجة بالبنزين ووضعها داخل علبة هدايا انفجرت بمجرد استلامها.
ويقول جالفان واصفًا القنابل المتفجرة: "لا حد لها إلا ما تتصوره في خيالك وحجم الحاوية التي ترغب في وضعها فيها".
ويضيف جالفان: "القنابل الأنبوبية تظل الأكثر شيوعاً. ومعظم التفجيرات تتم باستخدام ما يُسمى مادة متفجرة ضعيفة، شيء من قبيل المسحوق الأسود، بدلا من المتفجرات القوية كالديناميت. ومعظم تلك المتفجرات الضعيفة تستخدم مرة واحدة ضد أهداف محددة، ولا يُستخدم في التفجيرات المتسلسلة.
كيف تمسك العقلية البشعة التي خططت للتفجير؟
ويقول كلابيك إن العقلية البشعة التي تقف وراء تنفيذ تفجيرات متعددة يمكن أن تكون بالغة التشويق.
ويضيف: "معظم من ينفذون تفجيرات متسلسلة يأخذون وقتاً في التخطيط. وثمة مكونات نفسية كثيرة للإمساك بهم". ومن بين المكونات الأساسية لإمساك مفجَّر مثل كونديت هي معرفة نمط شخصيته.
وفي هذا السياق قال كلابيك: "كلما زاد تعقيد صنع القنبلة، كلما زادت بصمات صانعها عليها".
ويحتفظ المكتب بقاعدة بيانات تعرف بـ "منظومة تتبع الحرائق الجنائية والمتفجرات"، المعروفة اختصاراً بـ BATS، ويتم فيها إدخال كل تفصيلة تخص أي عملية تفجير قنبلة محلية داخل الولايات المتحدة. ويمكن لقاعدة البيانات هذه أن تساعد المحققين في الربط بين الحالات التي ارتكبها نفس الشخص، على سنوات متباعدة.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار محدودية الموارد لدى المكتب، فثمة أوقات كان المكتب فيها يكابد في سبيل مواكبة حجم الطلبات المدرجة في منظومة المعامل فيه.
وقال كلابيك: "لدينا الكثير من العمل لدرجة أننا نرفض بعض القضايا".
ويرثي الكثير من عملاء المكتب ومسؤوليه الحاليين أو السابقين عجزه السياسية؛ فقد تعرض لمحاولات إعاقة عمله – باعتباره الوسيط في تشريعات حمل الأسلحة في البلاد – من جانب لوبي الأسلحة ذي النفوذ القوي في البلاد- كما يأسف العملاء والمسؤولين لميل المكتب إلى العمل في ظل هيئات أكبر حجماً مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي يملك قسماً خاصاً به للمتفجرات.
وتساعد مذكرة تفاهم مبرمة بين الهيئتين -بوساطة من وزارة العدل الأميركية – في إرشاد التشريعات الخاصة بتحقيقات التفجير. غير أن تلك الإرشادات بها مواطن ضعف.
وفي هذا السياق قال كلابيك: "أكثر الأوقات التي تشهد خلافاً فيما بيننا هي أوقات حوادث الإرهاب المحلي. ما المقصود بالإرهاب المحلي؟"، وأشار كلابيك إلى الخلاف الذي نشب حول ما إذا كان ينبغي اعتبار كونديت إرهابياً محلياً، وتسائل: "هل كل شيء يمكن أن يوضع فعلاً في خانة الإرهاب المحلي؟".
وقال مسؤولو إنفاذ القانون إن كونديت ينبغي ألا يصنف إرهابياً محلياً لأن دوافعه وراء الحادث لم يبدُ أن من بينها الكراهية.
ولكن أفعال كونديت في نظر المدينة التي أرهبها تؤهله للحصول على اللقب. وقد كتبت الهيئة التحريرية لصحيفة The Austin American-Statesman صبيحة اليوم الذي قتل فيه نفسه: "هذا يجعل منه إرهابياً".