تجلس لبنى (26 عاماً)، القادمة من العراق، على حافَة سرير كبير داخل إحدى الغرف في مبنى ضخم وسط برلين حوَّلته الحكومة إلى مركز للاجئين. وتقول من دون تردُّد عندما أسألها ما إذا كانت تقبل بـ3 آلاف يورو تقدِّمها الحكومة للاجئين للمغادرة: بالطبع لا، مستحيل.
ينضم إليها زوجها "خضر"، الذي يكبرها بـ3 أعوام، ويوافقها شارحاً بأنهما غادرا بغداد مع بناتهما الثلاث عام 2015، ولا يفكران أبداً في العودة حتى ولو استقر الوضع بالعراق.
كلاهما يبدو تعِباً وعاجزاً حتى عن الابتسام. يتقاسمان منذ عامين مع بناتهما، البالغات من العمر 5 أعوام و7 أعوام و9 أعوام، غرفتين وحماماً. ويتشاركان المطبخ مع بقية سكان المركز. ورغم ذلك، لا يفكران في العودة. تقول لبنى: "هنا أفضل بكثير لبناتي".
يتحدثان عن مخاوف أمنية ومشاكل طائفية في بغداد دفعتهما للمغادرة، وتشرح لبنى أن المنطقة التي كانا يسكنان بها، في شقة مشتركة مع والدَي زوجها، هي في ضواحي بغداد وهي منطقة "سنّية وقعت تحت سيطرة الإيرانيين".
لا يفصِّلان كثيراً ما الذي يخشيانه تحديداً هناك، ولكنهما الآن مُصرّان على إقناع الحكومة الألمانية بالسماح لهما بالبقاء رغم رفض طلب لجوء العائلة.
مثل هذه العائلة كثيرون غيرهم في برلين، يعتبرون أن مبادرة الحكومة الألمانية بدفع مبلغ مالي يصل إلى 3 آلاف يورو للراغبين في المغادرة، هي مبادرة فارغة ولا تستحق حتى التوقف عندها.
وذكرت صحيفة بيلد الألمانية أن المساعدة التي ستقدمها الحكومة "مُغرية"، وأضافت أن الحكومة ستقدم منحة قدرها 1200 يورو، للبالغين الراغبين في العودة طواعية إلى بلادهم، و600 يورو للأطفال الذين تقلُّ أعمارهم عن 12 عاماً.
التقرير يقول إن الحكومة أطلقت برنامجاً باسم "بلدك مستقبلك"، سوف يستمر حتى 28 فبراير/شباط المقبل، وإنها سوف تقدم مساعدة مالية إضافية قدرها 3 آلاف يورو للعائلات الراغبة في العودة إلى بلادها؛ لمساعدتها في تلبية احتياجاتها الأساسية.
لكن بالنسبة لـ"عمو خطيب" كما فضل التعريف عنه، فإنه دفع 8 آلاف للوصول إلى ألمانيا. ويتساءل كيف سيقبل بـ3 آلاف؟!
وصل "العم خطيب" الخمسيني إلى برلين قبل عامين ونصف العام قادماً من القامشلي، في رحلة طويلة بدأت من تركيا، مروراً ببلغاريا، وصولاً الى ألمانيا. ولكنه ترك وراءه عائلة من 3 أطفال وزوجة. "همّي الآن أن أجلب عائلتي إلى هنا وليس العودة"، يقول "العم خطيب".
طلبُه هو الآخر باللجوء تم رفضه، وهو يستأنفه الآن.
وينتظر أن تغيِّر الحكومة قرارها باستئناف لمِّ الشمل؛ لكي يتمكن من جلب عائلته. ويملأ وقته الآن بتعلُّم اللغة على أمل أن ينجح في العمل سائقاً كما كان يعمل بالقامشلي.
وجمَّدت ألمانيا لمَّ الشمل مؤخراً، وما زالت هذه إحدى العقبات الأساسية التي كانت تعيق تشكيل حكومة في ألمانيا منذ نهاية سبتمبر/أيلول 2017.
وتحاول المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إرضاء الناخبين الغاضبين من سماحها بدخول أكثر من مليون لاجئ عام 2015، ما تسبب في خسارة حزبها عدداً كبيراً من المقاعد بالانتخابات الأخيرة، وأوصل للمرة الأولى حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف إلى البرلمان، والذي يدعو إلى ترحيل كل اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وفي مطلع عام 2017، اقترحت الحكومة دفع مبلغ 1200 يورو للاجئين للمغادرة، ثم عادت ورفعت المبلغ إلى 3 آلاف في نهاية العام مع مهلة تنتهي، للراغبين في الاستفادة، نهاية فبراير/شباط. وبحسب صحيفة "بيلد أم سونتاغ" الألمانية، فإن 8639 لاجئاً فقط استفادوا من هذا البرنامج بين فبراير/شباط وأكتوبر/تشرين الأول من أصل 115 ألف لاجئ رُفضت طلباتهم.
فمعظم اللاجئين المرفوضة طلباتهم يستأنفون القرار ويفضِّلون الانتظار عاماً وعامين وأحياناً أكثر، للحصول على رد نهائي، على العودة إلى بلادهم مع 3 آلاف يورو، يقولون إنها لا تكفي لشيء.
مصطفى وعلي مثلاً، شابان عراقيان في العشرينيات، يتقاسمان غرفة في مركز لجوءٍ وسط برلين، منذ عامين تقريباً، عندما وصلا إلى ألمانيا بعد أن غادرا بغداد لأسباب أمنية، كما يقولان. يشرح مصطفى أن العيش في العراق يعني أن عليك "أن تكون منتمياً إلى أحد الأحزاب، وهذا ما أرفضه. الآن وقبل، لم يتغير الأمر". ويضيف: "لست هنا لأجل الأموال".
يوافقه عليٌّ، الذي يرفض رفضاً قاطعاً العودة رغم أنه يعترف بأن "الملل بدأ يطغى على حياته". يقول: "تعلَّمت اللغة عاماً، وحاولت البحث عن عمل، لكن من دون جدوى". يفكر كثيراً في الأيام التي تركها وراءه في بغداد، حيث كان يملك محل بقالة باعه قبل المغادرة، ولكن العودة ليست في حساباته… على الأقل ليس لأجل 3 آلاف يورو.