يهدد الاختراق الكبير الذي حققه الشعبويون، الأحد 4 مارس/آذار 2018، في إيطاليا واحتمال عودة المعادين للهجرة إلى السلطة في هذا البلد، بعرقلة المشروع الفرنسي-الألماني لإصلاح الاتحاد الأوروبي، بعدما اكتسب زخماً مع التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة في برلين، حسبما رأى محللون.
فبعد بضع ساعات فقط من موافقة اعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني على تشكيل ائتلاف حكومي جديد مع المحافظين بزعامة أنجيلا ميركل، رحَّب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بـ"خبر سار لأوروبا".
لكن مساء اليوم نفسه، حققت القوى المناهضة لأوروبا واليمين المتطرف اختراقاً تاريخياً في الانتخابات الإيطالية؛ إذ باتت حركة "النجوم الخمس"، المعادية لهيئات النظام، أول حزب في البلاد مع 31% من الأصوات، فيما حاز تحالف حزب "فورزا إيطاليا" بزعامة سيلفيو برلسكوني، و"الرابطة" برئاسة ماتيو سالفيني (يمين متطرف) 37%.
وسيُجبر عدم تحقيق أي من الجانبين غالبية واضحة القادة السياسيين الإيطاليين على إجراء مفاوضات، يرجَّح أن تكون شاقة وطويلة، ما يضع الاتحاد الأوروبي في حال من الترقب.
واكتفى المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، الإثنين 5 مارس/آذار 2018، بالقول: "لدينا ثقة" بقدرة إيطاليا "على تشكيل حكومة مستقرة".
لصالح الإصلاحيين
أوضح يانيس إيمانوليديس، مدير الدراسات في مركز السياسة الأوروبية، لوكالة الصحافة الفرنسية: "بعض المعارضين لإصلاح أوروبا، بناءً على رغبة باريس، سيؤكدون أن الوقت ليس مواتياً الآن للمجازفة، انطلاقاً من البلبلة التي تسود إيطاليا".
وأضاف: "في المقابل، سيقول آخرون إنه لا بد من تغيير الأمور؛ لأن الناخبين ضاقوا ذرعاً بالوضع الاقتصادي وكيفية التعامل مع أزمة المهاجرين".
وذكَّر بأن "قضايا المهاجرين هي أحد الاسباب التي جعلت اليمين المتطرف يحقق هذه النتيجة، ولا بد من أخذ هذا الأمر في الاعتبار".
كذلك، اعتبر ايمانوليديس أن المواجهة داخل الاتحاد الأوروبي بين أنصار أوروبا ومناهضيها ستصب، بالنهاية، في صالح الإصلاحيين على غرار إيمانويل ماكرون.
ويرى المحللون أن الخطر الأكبر على الصعيد الاقتصادي، يتجلى في زيادة روما نفقاتها على حساب الأنظمة الأوروبية، ما إن يبدأ القادة الإيطاليون الجدد بالوفاء بوعودهم الانتخابية.
ورأى فيديريكو سانتي، الباحث في مركز "يوراجيا غروب" للأبحاث، أن هذا الأمر قد يتسبب في "خلافات بين روما والمفوضية الأوروبية".
ولاحظ أن "إيطاليا تواجه أصلاً خطر عدم احترام الأهداف المالية التي حددها الاتحاد الأوروبي، وأي خطوة إضافية خارج هذا الإطار قد تؤدي إلى عجز مفرط".
"أكثر اعتدالاً"
وأعرب سانتي عن اعتقاده أن حركة "النجوم الخمس" واليمين المتطرف سيكونان "أكثر اعتدالاً مما أوحى به خطابهما الانتخابي، ما إن يصبحا في الحكم"؛ لأنهما يريدان "إثبات أنهما حزبان حكوميان يمكن الوثوق بهما".
واستبعد في هذا السياق، "الخروج من منطقة اليورو، وطبعاً الخروج من الاتحاد الأوروبي".
لكن جاك آلن، المحلل في "كابيتال إيكونوميكس"، اعتبر أن "إحراز تقدُّم إضافي على طريق الاندماج الأوروبي قد يكون أمراً صعباً"، موضحاً أن الحكومة الإيطالية الجديدة قد تدشن عملها بـ"التصدي للجهود الهادفة إلى زيادة مساهمات إيطاليا في موازنة الاتحاد الأوروبي"، بعد خروج المملكة المتحدة.
وأبدى أيضاً خشيته من أن تطلب حركة "النجوم الخمس" مجدداً، إجراء "استفتاء حول موقع إيطاليا في منطقة اليورو"، الأمر الذي كان أحد أبرز بنود برنامجها بضعة أشهر خلت.
من جهته، لا يتوقع هولغر شميدينغ، الخبير الاقتصادي لدى مصرف بيرينبرغ، سوى "تقدُّم محدود حول الاتحاد المصرفي، وتحقيق بضع خطوات على طريق إقامة صندوق تأمين مشترك".
وتوقَّع أيضاً "تقدُّماً في مسائل غير اقتصادية مثل الدفاع".
ورأى أنه، سواء شهدت إيطاليا اتفاقاً على ائتلاف حكومي أو لا، فإن "الموقف الألماني" حول أوروبا لن يعرف تبدُّلاً كبيراً، "فـ(أنجيلا) ميركل في نهاية المطاف، هي من يمسك بزمام الأمور".