لقد برقت لنا في البلاد آفاق وآمال جديدة نحو مستقبل مشرق، يردفه التخطي نحو الأمام، وملازمة الركب المتقدم في النظام الرشيد والإدارة المثالية المتعارف عليها في العصر الحديث، ولم أُزل عن خاطرنا يوماً تلك اللحظات، لعلها في الطريق آتية لا محالة؛ بإذن الله.
لكل بلاد في عالمنا نوع أو مجموعة أنواع متعددة من القضايا الشائكة التي تعتري طريق سيره السياسي وتُعكّر صفوه في غالب الأزمان والأوقات؛ فتارة تكون سياسية بحتة من الناحية الحزبية وتأخذ طابع المعارضة في مواجهة الأنظمة الحاكمة سواء الرشيدة أو المستبدة منها، وتارة تكون بصورة قَبلية وعشائرية بحتة؛ فيكون طابعها تقاسم السلطة على أساس عشائري بمعنى الكلمة، وإن لم تستوفِ الأنظمة تلك الإجراءات في التقاسم القبلي تكون في ورطة لا نهاية منها.. وهذه وتلك نماذج تكون حجرة عثرة في طريق الحكومات.
أما نحن الصوماليين، فعندنا قضيتنا الخاصة التي أَثْرت وجودنا وظهورنا في الساحة السياسية الإقليمية والعالمية، منذ انسلاخ بلادنا من الأيادي الاستعمارية، ولم ننفك عنها مذاك، وما زالت تلازمنا كمرض لا دواء منه.. وربما يقول قائل: ربما كان مرضاً تم زرعه فينا بعد أن تم إطلاق سراحنا من سجون الاحتلال وقيل لنا: أنتم أحرار؛ والغاية منها انهاك أجسادنا؛ لكي لا تقوى على المسير، وأن تكون تائهةً تطلق آهاتها في القريب والبعيد، وهذا تفسير يوافق واقعنا.
الفيدرالية أو الاتحادية ؛ شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسَّمة دستورياً بين حكومة مركزية (فيدرالية أو اتحادية) ووحدات حكومية صغرى (الأقاليم أو الولايات)، ويكون كلا المستويَين المذكورين من الحكومة أحدهما معتمد على الآخر، ويتقاسم السيادة في الدولة.
وانطلاقاً من ذلك المفهوم الحرفي لهذا التعريف، انتهج الصومال نظام الفيدرالية بأن يكون نظام الحكم المتبع في البلاد، وهو جعل المجتمع الدولي بكل أطيافه، يبذل الجهود الحثيثة لتطبيق هذا النظام.. والذي نجح في النهاية.
ومن هنا، دخلت البلاد سجناً أكثر إحكاماً من السابق، من الحروب وغياب الأنظمة المستقرة ذات السيادة الحقيقية. فهذا السجن هو عبارة عن تقوية وزيادة أسباب التفرقة والتشرذم في المجتمع الصومالي، باستخدام نظام الفيدرالية، الذي هو في أصله لا يصلح للصوماليين خلافاً عند الآخرين؛ بناءً على الثقافة القبلية المنتشرة والمتعارف عليها في البلاد، وتفشي نظام تقاسم السلطة المبنيّ على الأغلبية وكثرة العدد وليست على المواطَنة. فهو يعني المجموعات الأقل عدداً هي الأقل مواطَنة..
لذا، يكون من الصعوبة بمكانٍ، تطبيق نظام فيدرالي في الصومال حقيقي بصورته الصحيحة؛ نظراً إلى هشاشة النظام ووضعه الحالي، الذي يمكن توصيفه بـ"مرحلة الطفولة"، ولا تمكنه من بناء نظام فيدرالي مبني على المناطق وليس على القبائل..
فمن عيوب الفيدرالية الصومالية، أنها قبلية قبل أن تكون ولائية، وهذا بالذات يشجع على التناحر والصراعات التي عانتها البلاد سنين.. وهذا يعني أيضاً أنه تم التخطيط، وبصورة احترافية، لإدخال الصومال هوة جديدة أكثر غموضاً وحدَّة من التي كان يأمل الشعب الخروج منها.
وما لا يُنسى كذلك؛ أن الحكومة الاتحادية دوماً تكون في رحمة الأنظمة الولائية القبلية؛ وسهولة استمالتهم من أجل مشاريع وخطط لا تمتُّ إلى مصالح البلاد بِصلة؛ كما حصل مؤخراً في ولايتي جنوب غربي الصومال وبونتلاند.. ومكمن الخطر هنا والذي لا يُذكر غالباً في العلن؛ هو تأسيس كانتونات صغيرة، تتميز بصلاحيات مستقلة ومتناحرة فيما بينها، ولديها أكثر الأسباب المؤدية إلى الصراعات.
وأمل الصومال الواحد، ونبذ العنصرية والقبلية، صار من التاريخ وحديث الناس، أما في الواقع فهي قبلية قد تشبعت بالفيدرالية، وأُعطي لها الضوء الأخضر في إزالة آخر قطرة لأمل الأخوية الصومالية، ومبادلة القبلية بالمواطَنة.
وأخيراً وليس آخِراً.. الفيدرالية الصومالية هي تخصيص ولائي قبلي، والذي يعني حرفياً أن القبلية الفلانية هي الحاكمة الأبدية والمتحكمة الرئيسية على تلك الولاية، وأما البقية ممن هم قليلو العدد، فهم مواطنون من الدرجة الثانية، لا يشاركون في القرارات، ولا نصيب لديهم في المناصب، فهم مجرد مقيمون لا حق لهم، سوى الوجود وإن لم يتم طردهم وإجلاؤهم… فهو استعمار بين أبناء الوطن، وسجن داخله.. ربما غيري يختلف عني في هذا الأمر؛ لأنّ آراء الناس لا تتحد على نقطة واحدة، فأهم من ذلك، العمل على مصلحة البلاد والعباد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.