نصّ أدبي ليس له علاقة بالواقع
عزيزي رجل السلطة الميت، هذه رسالتي الأولى والأخيرة إليك، وأنا لن أنظر إلى كيفية استقبالك لها، هل تستقبلها بسرور ورضا أم بغير ذلك؟ فأنت الآن ميت، والتاريخ والنَّاس لا ينتظرون من الميت شيئاً.
ماذا جنيت من السلطة؟ وهل طابت لك؟ ما طعمها بربك؟ وبماذا ساعدتك؟ هل استطاعت حل مشاكلك؟ وإلى أين أوصلتك؟
قبل أن تصل إلى السلطة كنت بصحة عظيمة، كنت سعيداً، هل زادت السلطة سعادتك؟ هل حصلت منها على سعادة جديدة؟ أم عوضت السعادة القديمة بسعادة جديدة أكبر؟ وأي سعادة؟ سعادة من الحب؟ هل أحببت؟ هل كنت محبوباً؟ ولنفترض أنك أحببت زوجتك الشقراء كم دام حبكما؟ وماذا كانت النتيجة؟ هل كنت سعيداً بالعلاقات الجنسية التي كنت تمارسها تحت رقابة حارسك الشخصي؟ أم أنك كنت سعيداً بالإنجازات؟ إن إنجازاتك ميتة مثلك.
عندما كنت لا تزال في أعلى السلطة أنجزت هذه البلاد الكثير، وقطعت أشواطاً بعيدة إلى الأمام، في تطورها، ولا يوجد من يناقش هذا الموضوع، لقد حصل تطور، يمكننا رؤيته، وسماعه، ولمسه، ولكن في أي تطور أسهمت أنت بالذات؟
أي مسؤول غيرك وأكثر منك شجاعة كان بإمكانه تجميع الإمكانات وتحقيق مستقبل أفضل؟ كنت تخاف من اتخاذ القرار، وعندما تتخذه يكون قراراً خاطئاً أو فات أوانه، لقد كنت تفكر في مركزك فقط، كنت تخاف من استغلال أعدائك لأي قرار رحيم بالشعب، وأن ذلك سيكلفك منصبك، وهذا الخوف أوصل البلد إلى التخلف في كل شيء، وانعدام النشاط وفقدان المبادرة، إلى المبالغة في استخدام الألفاظ والعبارات الفخيمة والخطب الرنانة التي لم يأخذها أحد مأخذ الجد، ولا حتى أولئك الذين كانوا يصفقون لكل كلمة تقولها، لقد كنت تخاف المخاطرة بالنزول إلى إرادة الشعب، ومن يخاف هذا النوع من المخاطرة لا يصل لشيء، بالرغم من الهالة التي كانت حولك، وبالرغم من مركزك وسلطتك، وبالرغم من الصفوف الثلاثة من الأوسمة التي ملأت صدرك، أي سعادة بقيت لك الآن؟
هل بقيت لك سعادة من التصفيق الكاذب الذي يرافق خطبك؟ ألم يخطر ببالك أن تفكر في يوم من الأيام مدى صدق هذه المظاهر؟ ألم تشعر أنها ممالأة ونفاق، وكذب وخداع ومظاهر كاذبة، هل كنت تصدق أنهم يصفقون لأن كلامك يستدعي التصفيق؟ لقد صفقوا لمن كان يحكم قبلك، وسيصفقون لمن سيأتي بعدك، إن المطرب أو الممثل يعرف مسبقاً سبب تصفيق الناس عند خروجه إلى المسرح، هل حصل لك شيء من هذا؟ ماذا كنت تفعل بين تصفيقين؟ وماذا كان شعورك بين تصفيقين؟
أي سعادة نلت من أفعالك، من جرائمك، من مؤامراتك، من إنجازاتك المتوهمة؟ ربما كنت تطمح إلى نيل سعادة أخرى، سعادة شاذة، لكنها موجودة، السعادة من السلطة، من الشعور بالعظمة، وبأنك شيء أكبر، ويمكنك أن تقرر مصير الآخرين بدون محاسبة من أحد، وربما السعادة من إعلاء إنسان وبعدها تحطيمه وسحقه بسهولة، أو ربما العكس، تحطيم ثم إعلاء، هل كنت تشعر بلذة السلطة؟ هل كنت تشعر بالسعادة في مثل تلك الأعمال؟ هل كنت تستمتع في الانتقام من الآخرين لكونهم تجرأوا على انتقادك، وكنت تستبيح كل شيء من أجل أن تشعر بالسلطة، وأنك قادر على إخفاء عجزك، وشعورك بالإحباط والنقص الداخلي؟
المؤكد أنك لم تشعر بالسعادة، ربما حصلت على الشعور بالعظمة، وهذا الشعور يسكر الإنسان ويخدره، ومن أجل العظمة والمجد زُج الحكام بشعوبهم في الحروب والقتال إلى النصر أو الهزيمة، لقد كانوا يحولون الهزيمة إلى نصر زائف، والناس من أجل الوصول إلى إشباع رغباتهم بالسلطة والعظمة والجماهيرية والشهرة يفعلون المستحيل، لا يهمهم ما يحدث ذلك من ضرر للآخرين، كنت تظن العظمة والشهرة هما ضمانة البقاء الأبدي، والبقاء الأبدي مجرد خرافة لبست عقول الناس القدامى، وهو شيء غير طبيعي، طارئ ونادر، بل هو مستحيل، ما هي شهوتك وجماهيريتك أيها الميت؟ كان عليك أن تسير في الشوارع هذه الأيام لتعرف حقيقة عظمتك وجماهيريتك.
أن السلطة أيها الميت يمكن أن تكون شعوراً عظيماً، ويمكن أن تكون شعوراً سيئاً، وكل ذلك عائد لذلك الإنسان الذي يمثلها، ويستعملها، ويعرف التعامل معها، هل كانت السلطة بين يديك شيئاً عظيماً، أم أنها كانت هدفاً، أو دُمية تلعب معها؟
لو كنت استخدمت السلطة في أمور جيدة ومفيدة للناس لكان الناس حزنوا عليك، وشعروا بالفراغ من غيابك، لكنّ أحداً لم يحزن على موتك، سوى بعض المقربين منك، وحتى هؤلاء يملكون الكثير من الذكريات السيئة، لقد قمتَ بتعذيب وإهانة أحد الناس الشرفاء، وعلى مدى عشرين عاماً، ومع ذلك حضر لوداعك وقراءة الفاتحة على روحك، وكان صادقاً في أفعاله، لم يحزنوا، لا ضغينة، كان هناك جو من عدم الاكتراث، هل تسمع أنت أيها الميت أن عدم المبالاة سوف يرافقك في رحلتك الأخيرة للنسيان؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.